عندما عدت إلى منزلي في بيروت هذا الأسبوع وجدت صاحب المنزل،
مصطفى، يحصن منزله الأرضي بباب حديدي قوي. وعندما رآني تمتم قائلاً "هناك الكثير من
السارقين هذه الأيام، سيد روبرت، ولا شك أنهم سيقصدون منزلي أولاً- ولن يصلوا إلى
شقتك".
في الحقيقة، أنا شخصياً لا أريد باباً حديداً لشقتي. ولكن مع
تدهور الأوضاع في بيروت إلى هذان لم أعرف ماذا أقول لمصطفى؟ وصدقاً لم استطع أن
أردد القول المقدس لتوني بلير الذي اشار فيه الى أن لديه "حدس باحتمالات ما سيحدث".
جميعنا في لبنان لدينا "حدس بالاحتمالات" وجميع هذه الاحتمالات
سيئة.
إن الجيش اللبناني – الذي ما يزال يقاتل في مخيم نهر البارد ضد
جيش "فتح الإسلام" – يبدو حتى اليوم المؤسسة الوحيدة الناشطة والفاعلة في هذا
البلد. فالصور التي تصدر جميع الصحف اللبنانية يوم أمس تعكس كلها انتصارا الجيش
اللبناني.
ولكن الانتصار على من؟ يوماً بيوم نحن نراقب طائرات
C-130s الأمريكية وهي تصل إلى مطار رفيق الحريري الدولي في
بيروت، وهي تحمل على متنها شحنات من الأسلحة للجيش اللبناني. أليس من الأجدر لو
أنها وصلت الصيف الماضي عندما كانت إسرائيل تدمر جميع أنحاء البلاد. ولكن منذ عام
كانت طائرات C-130s الأمريكية تصل إلى إسرائيل وهي محملة
بأسلحة استخدمت ضد اللبنانيين، وكانت تحتوي على تلك القنابل العنقودية التي سممت
أكثر من 36.3 مليون متر مربع من الأراضي اللبنانية.
والأمم المتحدة (حماري المفضل، التي دوماً تلطم في ساحات الحروب
التي لأمريكا يد فيها) ذكرت أن 23 لبنانياً مدنياً لقوا حتفهم وجرح 203 آخرين بسبب
هذه الأسلحة الحقيرة في حرب العام الماضي.
والأمين العام للأمم المتحدة قال في تعليق هزيل فعلاً الشهر
الماضي "يؤسفني أن أقول أنه على الرغم من المحاولات العديدة التي قام بها مسؤولي
الأمم المتحدة المرموقين للحصول على معلومات بشأن الأسلحة العنقودية المميتة التي
استخدمت خلال نزاع الصيف الماضي، إلا أن إسرائيل لم تزودنا بعد بهذه المعلومات
الخطيرة". ولكنني أقول لهم: لماذا لم تسألوا واشنطن عن هذه المعلومات؟ من المؤكد أن
مسؤول الأمم المتحدة قادر على دق باب نيويورك وسحب الأرقام من البنتاغون؟
ولكن الأمر أسوأ من ذلك. فالجيش اللبناني يرسل باستمرار تقاريره
إلى الأمم المتحدة حول سلسلة الاختراقات التي تقوم بها إسرائيل لسيادة بلده –
فالطائرات الإسرائيلية يومياً تنتهك قرارات الأمم المتحدة وتحلق فوق قواعد
الميليشيات الفلسطينية المتمركزة في الأراضي اللبنانية.
إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين –القيادة العامة- أسست اثنين
من المخيمات في الجبيلة وعين البيضة، وعناصرها المسلحة التي تحصى بـ 100 مسلح
يرتدون في تلك المواقع زياً عسكرياً يبدو شبيهاً بالزي الذي يرتديه الجيش اللبناني.
والوحدات الفلسطينية الأخرى قامت بتعزيز مواقع لها في وادي الأسود، بلاطة، حلوة،
ودير العشاير، وتضم أكثر من 500 رجل ومدفعيات مضادة للدبابات وغيرها من الأسلحة.
ووفقاً لقرارات الأمم المتحدة فإن الفلسطينيين خارج المخيمات يجب أن يكونوا مجردين
تماماً من الأسلحة.
وتقارير الأمم المتحدة المرسلة إلى نيويورك تحمل أعمق التشاؤم.
فالخط الأزرق- الذي يسمى بالجبهة بين لبنان وإسرائيل، دون مزارع شبعا، "متوتر وهش
للغاية". وحزب الله مستمر في مراقبة نشاطات قوات حفظ النظام التابعة للأمم المتحدة،
وذلك من خلال التقاط الصور والتسجيل.
واليوم يشير تقرير الأمم المتحدة الأخير المتعلق باغتيال
الحريري عن "مدى تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية في لبنان". وقد قامت الأمم
المتحدة مؤخراً بكتابة تقارير سرية تعد بأكثر من 2.400 صفحة بشأن جريمة اغتيال
الحريري والتفجيرات التي تلتها في لبنان. وهناك 10.000 صفحة كاملة مخصصة لتحقيقات
مسرح الجريمة والطريق المؤدي إلى فندق سان جورج حيث اغتيل رفيق الحريري مع 21 شخصاً
آخرين.
وقد اكتشفت الأمم المتحدة الكثير والكثير بشأن هذه القضية ولكن
الأخبار كلها سيئة.
والأخبار حول الشرق الأوسط بأكمله كلها سيئة. فمن انبعاث طالبان
في أفغانستان من جديد، إلى الكارثة المأساوية في العراق، ومن تلك الحرب الأهلية
الصغيرة في الباكستان، إلى العنف والاضطراب المشتعل في غزة والضفة الغربية المختلة،
يبدو الوقت اليوم ليس وقت "الإحساس بالاحتمالات". ولا شك أن مصطفى على حق، ولا شك
أننا بحاجة إلى لحم باب حديدي على مدخل منازلنا.
روبرت فيسك - الاندبندنت
ترجمة هدى شبطا - سيريانيوز