اليوم هو الثاني من ايام حرب تشرين المجيدة 1973 . وهو السابع من شهر تشرين الأول أوكتوبر ، الساعة الثامنة صباحـــا ً . قال ابو أحمد لزميله الرقيب عبد الواحد : أخي عبد ،لدينا معركة فاصلة بعد قليل مع هؤلاء الأوغاد الاسرائيليين ، فإن عدنا سالمين غانمين منتصرين وهذا ما نأمله من الله سبحانه نكون قد عدنا ، واذا ما رزقنا الله الشهادة ، فأرجو منك ان توصل هذه الرسالة الى عائلتي ، ولك الشكر .. وكـّل الله يارجل ..ان شاء الله ترجع لنا بالسلامة ..
.تناول عبد الواحد الرسالة ووضعها في مكان آمن وتمنى لزميله أبي احمد العودة سالما ً غانما ً منتصرا ً وكل من معه .. نشبت المعركة الرهيبة بالدبابات ، وكأن باب جهنم قد فتح ، حتى أن من شاهد لهيبها ولو على بعد كيلومترات ، لم يتوقع ان يعود منها احد سالمـــا ً !! مساء ، انجلت المعركة ، وسُحقت قوات العدو ، وكان نصرا ً عظيما ً ، لكن أبا أحمد لم يعد !
مر الليل طويلاً، وأشرقت شمس الصباح وعاد من عاد سليماً او جريحا ً ، لكن أبا أحمد لم يعد !! ابو احمد اســــتـــشــــهــــد ... رحمة الله عليك يا أبا أحمد ، وأسكنك فسيح جناته .. ان الأمانة ان اوصل الأمانة الى أهلها ، ...الرسالة . كان عبد الواحد على موعد مع موكب الشرف الى قرية ابي احمد البعيدة ، حيث سيسجى جسده الطاهر .
وصل الخبر الى القرية قبل وصول الجثمان .. وعندما وصل ساحة القرية ، ضجت الساحة بزغاريد الفرح الممزوج بالحزن معا ً ، احتفاء باستشهاد البطل . تمت مراسم الدفن في جو مهيب ، ومرت ساعات ، اختلطت فيها مشاعر الحزن مع البهجة والاحساس بالفخر والعزة . ان الموت امر محزن ولا شك ، ولكن هي الشهادة حيث يرتقي الانسان من خلالها ارقى المراتب في الدنيا والآخرة ..
اقترب عبد الواحد من زوجة الشهيد وقال والدموع تنهمر من عينيه : ((ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ً ، بل أحياء عند ربهم يرزقون )) .. ابو احمد رحمه الله ، ارسل لكم هذه الرسالة ، وكلفني قبل اشتهاده ان اوصلها اليكم ان رزقه الله الشهادة . في البيت ، اجتمعت العائلة في غرفة واحدة .
قرأ الابن الأكبر الرسالة .. بسم الله الرحمن الرحيم زوجتي الغالية ام احمد . أبنائي الأعزاء أكتب اليكم هذه الرسالة وانا متجه الى ساحة الوغى لأقوم بواجبي تجاه وطني . كم أتمنى لو اقبلكم واحدا ً واحداً ، فربما رزقت بالشهادة ولم اركم بعد اليوم . أبنائي ، انه شرف لنا جميعا الشهادة في سبيل عزة وكرامة الوطن ، ندافع عنه ونروي ترابه الطاهر بدمائنا ونذود عنه بأرواحنا ، فإن استشهدت فلا تحزنوا بل افخروا بأبيكم لأنه مات في سبيل وطنه ..
ديري بالك يا أم أحمد على الأولاد من بعدي ، فإنهم أمانة في عنقك، وأنتم يا أولادي ، أطيعوا امكم واحرصوا ان تكون المحبة فيما بينكم عنوانا ً لحياتكم دائما ً.. ابو احمد . ترقرقت الدموع في أعين الجميع ، وسمعت بعض أنات الألم ، لكن الاحساس بالفخر لم يغادر محيا أي من أفراد عائلة الشهيد ..
ومرت الأيام وعصفت في الوطن مؤامرة الكره والحقد كما رسمتها اسرائيل وامريكا ودول الغرب كرمى عيون اسرائيل . فجأة ، التقى ابو احمد بولده الطبيب احمد في جنة الخلد ، قال له : اهلا ً بك يا ولدي ، هل ثمة حرب جديدة مع اولئك الأعداء الاسرائيليون حتى استشهدت وأتيت الى هنا ؟ قال احمد : كنت أتمنى ذلك يا والدي ، ولكن صادف أن طلب مني جدي بعض الحاجيات ، فذهبت لشرائها على أن اوصلها اليه لأنه رجل عاجز .. وهو جدي .
فجأة وأنا في السوق سقطت قذيفة هاون غبية فأستشهدت انا ومعي عدد آخر وعدد أكبر من الجرحى ..لماذا فعل اولئك ذلك ، وما فائدة ما قاموا به سوى قتل الناس لست أدري !لقد جمعت امريكا واسرائيل وبتواطؤ من بعض الدول العربية وللأسف ، وبعض الدول الاسلامية ايضا ً شذاذ الآفاق من انحاء العالم لتدمير بلدي.. اغدقوا عليهم الدولار والسلاح وافتوا لهم بجهاد النكاح ، وارسلوهم الينا .. وها أنذا الى جوارك .
ولكن آه يا والدي كم الفارق كبير بيننا ، فأنت قاتلت عدوا ً اسرائليا ً مغتصبا واستشهدت دفاعا ً عن وطنك أما انا فقد قتلني من يفترض انهم عرب ومسلمون ؟! فقال الأب : لا تبتئس يا ولدي فطالما انك في جنة الخلد فأنت شهيد سواء كان العدو اسرائيل الم اولئك القتلة الأغراب ، فكلاهما في النتيجة واحد !