اعتقدت أنه الحب يقرع أبوابي من جديد، لكنه كان كباقي الشباب الذين قابلتهم من قبل، أتى يبحث عن كل شيء إلا عن الحب، أتى بدافع جسدي غريزي بحت.. وها  هي وردة حمراء جديدة تتحول من الإناء إلى القمامة، أي لم يبق سوى وردتين، وهاتين السابقتين خالدتين، الأولى أهداني إياها شخص أحبني بصدق لكن ظروفه اضطرته للسفر إلى الخارج، والثاني أيضاً أحبني بصدق لكن كان على الأقدار أن تتدخل وتفرقنا..

تدخل والدتي الغرفة، تفتح الستائر وهي تتحدث بعصبية مع نفسها بصوت مرتفع، تنفض الغبار من على المنضدة التي بجانبي، تسقط الأوراق من على السرير..

-         أمي ما هذه الطاقة السلبية التي تنشرينها في أرجاء غرفتي منذ الصباح..

-         وأي صباح هذا الذي تتحدثين عنه، لقد تجاوزت الساعة الثانية عشر ظهراً..

-         يا إلهي ساعات ويصل أخي    "راغب   " من السفر..

-         أجل .. لذا تهيئي كي تذهبي مع ابن عمك    "باسم   " لاستقباله من المطار..

-         لكن أمي أنت تعرفين سلوك    "باسم   " وبأنني أكره الذهاب معه..

-         كفى تذمراً يا فتاة!

تزوجت من    "باسم   " رغم الثورة التي قمت بها احتجاجاً على قرار أهلي التعسفي، لا يهم ما أضعته بين السطور، المهم أنني أضعت الزهرتين اللتين كانتا تضيئين حياتي، اللتين كانتا ما تزالان تحملان بين أوراقهما الجافة الكثير من الحب والحنان الذين فقدتهما في حضن هذا الرجل الذي يدعى زوج..

بيت، سيارة، عرس فخم، الكثير من الأموال .. ومع هذا كان ينقصنا الحب، ورغم جميع وسائل التدفئة الحديثة كان ينقصنا الدافئ، ورغم الموائد التي كانت تفرش لم نكن نشبع..

 الحياة أكبر كذبة، والمأساة العميقة تكون عندما تصل إلى مرحلة تصبح فيها عاجزاً عن التصديق بعد الآن!!

أتت إلي في زيارة، كانت تقفز كالمجنونة من الفرح، تخبرني بسرعة عن الصدفة التي جمعتها به، كنت أعرف عمن تتكلم، لكنني تظاهرت بالاندهاش وبالاهتمام بحديثها الذي لم أكن أعير له انتباهاً..

شقيقتي أتت أيضاً، كانت سعيدة،    "وأخير   " تقول لي :   "سيلمع الخاتم في يدي وسأرتدي الثوب الأبيض، أنا سعيدة جداً يا أختي، هذا ما كنت أبحث عنه، لقد تحقق حلم حياتي   "..

كانت تتحدث عن الأوضاع المادية للعريس إلى من يهمه الأمر، فأمره لم يكن يعنيها كثيراً لقد تخيلت كما غيرها من الفتيات أن الزواج هو فرحة وطرحة..

بعد فترة انفصلنا أنا و   "باسم   " عادت الزهور تملأ المزهرية من جديد كما كان حال القمامة، انفصلت بعدها شقيقتي عن زوجها، ثم إحدى صديقاتي اللاتي لم آتي على ذكرهن، عدنا من جديد للتجمع في النادي وقصقصة المقالات التي تخص أحوال المرأة الاجتماعية، عدنا لقراءة الروايات الأنثوية، عدنا مرة أخرى وقرأنا    "نسيان   " للكاتبة    "أحلام مستغانمي   "، عدنا لغسل غلاف وسادتنا الملطخة بكحل العيون الذائب من البكاء من جديد.. عدنا أولئك الفتيات المراهقات اللاتي يبحثن عن قصة حب تملأ وقتهن.. عدنا لسماع    "عبد الحليم   " و    "أم كلثوم   ".. عدنا نحن من جديد..

نحن لم نتغير أصلاً، لكنهم لم يقبلونا على حقيقتنا، إنهم يغارون من نجاحنا، ويظنون أن وراء المساحة التي نخصصها لأنفسنا حبكة درامية خطيرة، إننا بزواجنا كنا نفقد متعة الحياة مع أن الطبيعة تقول غير ذلك .. لكن ما السر في كون هذا التفاعل الفطري الكوني لا ينجح، لماذا دائماً ما ينتج عنه أبخرة متصاعدة وانفجار..

لماذا ورود من مِنَ المفترض أن يكونوا شركاء حياتنا لا تعيش حتى الأبد ولا هي تجف كما ورود العشاق، لماذا تذبل في الإناء وتصبح مصدر قرف عوضاً أن تكون مصدر جمال؟!

 أرسلت إليه هذه الرسالة البسيطة، وأجابني ببساطة    "عندما يدخل الصمت أي تفاعل اجتماعي فهو يحوله إلى حيز مضغوط لا يلبث أن ينفجر..    ".. يتزوج صاحب هذه الكلمات .. إنها سنة الحياة ..

يجيب آخر:   " لأن الحياة معقدة ولا أحد يملك سر التركيبة   ".. هذا الرجل ما يزال يبحث عن امرأة تتقبل جنونه.. سيجد مع الأيام فهو رجل والرجل يقرر متى يختار .. أو ربما يبقى هكذا حتى الأبد ..

    "عندما تقومين بخلط مادتين غير متجانستين فأنت بالتالي تقدمين على مغامرة، إما أن تكون ناجحة وتنجين، أو تفشلين..   ".. هذا الرجل لا أعرف، إنه متزوج ..

التالي متزوج ..

التالي متزوج ..

التالي متزوج ..

التالي لا يقدم أي رأي..