في ذلك اليوم، شعرت بأنني أجامله للمرة الأولى، وكان هو يبادلني المجاملة، شعرت بالبرد يتسرب إلى جسدي وأنا في حضنه، كان يشاهد التلفاز بصمت مخيف، إنه يموت من الداخل يمكنني أن أشعر بذلك، لكنني لا أملك العلاج المناسب..
لم يعد ذلك المساء في الوقت المحدد، اتصلت على هاتفه الجوال كان مقفلاً، عاد إلى المنزل بعد منتصف الليل كان منتشياً، ورائحة الكحول والتبغ تفوح من جسده البارد، ساعدته في الوصول إلى السرير، ولم يستيقظ حتى اليوم التالي..
مرت عدة أيام لم نتكلم فيها، كان الصمت أقوى صوت يصرخ بيننا، أسئلة قصيرة وأجوبة مقتضبة، هل مايحدث بيننا أمر عادي الحدوث، من منا يخطئ في حق هذه العلاقة، للإجابة عن هذه الأسئلة زرنا مستشار اجتماعي، لم يكن يملك الإجابة، فقررنا بعد تفكير طويل أن ننفصل!
- إلى أين ترحلين؟
قال لي في الوقت الذي كنت أوضب فيه أمتعتي، لم أجبه اكتفيت بالتوضيب، اقترب مني وضع يده على كتفي..
- _"ماري _" .. إلى أين نحن ذاهبان؟
- دعنا نكتشف هذا يا عزيز..
- لكن..
سقطت الدموع من عيني، ما أزال أحبه وهو مايزال يحبني، لكن شيء ما يفقد هذه العلاقة اللامعة بريقها، ربما حان الوقت لتنتهي وربما بعض الأشياء من الأفضل أن تنتهي بشبابها، رحت أتحدث مع نفسي بسرعة، وراحت الأفكار تتداخل في عقلي، حزمت حقيبتي، قبلته من وجنتيه كما فعل، تودعنا عند باب المنزل، ثم افترقنا..
أدركت أخيراً أننا افترقنا، لقد استغرقني الأمر كثيراً، لكنني استطعت أخيراً أن أفهم بأن الفراق هو القرار الأخير لعلاقتنا..
أعيش بعدك أسوأ المشاعر وأمر بأتعس المواقف. بحروب دامية ودموع لاهبة، جوعي إليك لا يشبعه غروري، وعطشي لحضنك لا يرويه حديثي عنك، ألوم نفسي آلاف المرات والمرات مع أن الفراق كان قائماً لا محال. لكن بعدك لا شيء، فقد انتشلت بحبك كل شيء، لا أستطيع أن أصدق متى يأتي الغد وأجدك من الذكريات المعتقة بالنسيان، أن يدعوني أحدهم ب _"حبيبي _" ولا أذكرها بصوتك الدافئ.. غريبة هي الحياة.. أمس كنا معاً واليوم نحن أيضاً معاً.. وفي كل لحظة نحن معاً.. لكننا لا يمكن أن نكون أبداً مجدداً معاً. أنت تشتاقني وأنا يقتلني شوقي إليك، أنت تنتمي إلي وأنا أنتمي إليك، لكننا لا يمكن أن ننتمي إلى نفس المكان معاً، ولا أن نكون في ذات الانتماء..
أنت أنا وبروح واحدة هي روحك، فروحي ماتت بزمن لا أعرف له زمن، أتنفس ببقايا حب تركه الشوق إليك ينازع في قلبي، أتنفس بقايا وجودك التي مازالت تعيش على العطر الذي سكن ملابسك التي بقيت في المنزل، تركتها على قطعة قماش أسميتها بالأنوثة لمجرد أنها تشبعت برائحتي عندما ضممتك وأنت ترتديها.. هذه القطعة المشوبة بالذكريات كل ما تبق لي من هذه الحياة وبقايا روح معذبة تنتمي إلي في بعدك. فراق لا أعرف إلى أين سينتهي ولا كيف بدأ؟!
لم أعد أريد شيئاً من هذه الحياة، على عكس ما وجدتني عليه، كنت مفعمة بالحياة وأحلامي تكاد أكثر من حياة لا تحققها. لقد سحقت كل شيء يا عزيز بحذاء الرحيل الذي انتعلته ليلة فراقنا. توسلت إليك ألا ترحل .. وتوسلت إلي بأنفاسك المتصاعدة ألا أرحل، كانت المرة الأخيرة التي سمعت تنهيدتك فيها، علمت بأنها تنهيدة النهاية .. بكيت كثيراً .. وأشفقت على نفسي .. لكنني استطعت أخيراً أن أصدق بأننا في تلك الليلة تودعنا للمرة الأخيرة.
قرأت في أول ذكرى فراق لنا رواية _"أحببتك أكثر مما ينبغي وأحببتني أقل مما أستحق _" –لأثير العبدلله- تذكرت علاقتنا، أجل أنا أيضاً أحببتك أكثر مما ينبغي وأحببتني أقل مما أستحق، لكنني استطعت أن أحتفظ من كل هذا الصراع بشيء واحد مازلت أحييك فيه، وهو كلمة _"عزيز _"، هذا الاسم الذي لا يعرف سره أحد، ولا أحد قادر على فهم مغزاه إلا أنت، لأنه ينتمي إليك ويعبر عنك..
لماذا إذاً هي غريبة حكايتنا، فكل الناس من حولنا يفترقون، لماذا هي بعيدة كل البعد عن المعقول، ومانزال نصر على أنها ضرب من الجنون، أنا تخليت عنك بلحظة وقوع لم أدركها، ولكنك بالمقابل لم تعذر تغيبي، رحلت دون استئذان .. حبنا متوج بالدموع وكآبتنا لا تنهيها لحظات الصمت، ولا يخفف عنا الحلم الألم المكتوم.. أجل إنه قدر مكتوب .. حكاية موسومة بالفراق، وصلنا إلى النهاية فلماذا نحن بائسون؟!
لماذا نعيش بين الناس مجبرون على الابتسام، نأكل صفعاتهم بفم مسدود، لسنا أول اثنين فرقنا الوقت ولا نحن آخر اثنين، ولم يكن أحدنا يخون .. أنا ابتعدت عنك وأنت رحلت عني ولم يكن بيننا ما يوجب الرحيل، فعن أي تسائل أجيب، إن كنت ما أزال واقعة في حبك ولا يسعني أن أفكر في أحد غيرك.. أن تمر أيضاً بهذا الشعور، لكنك لا تملك الجرأة على الاعتراف، أنت خائف من الرحيل، وتقول بأن طريق العودة مستحيل، غريبون نحن البشر نختار الغربة المؤلمة بإرادتنا، نستلذ بالألم والشكوى، ونعيش على بقايا أناس رحلوا .. نسأل عن الندم..
اشتاقك لكنني أعيش بسعادة غامرة .. كلها أكاذيب ومن منا لا يكذب، وبالمقابل فمن منا لا يجيد تجميل القباحة .. غداً .. وأقصد بغداً ذلك اليوم الذي سنلتقي فيه ونستطيع أخيراً أن نتحدث دون عتب، أن نتصافح برهبانية خانقة، ستكون أنت لشخص آخر وسأكون أنا لشخص آخر.. لكننا سنكون سوية، فكل شيء يجمعنا حتى الفراق!
لأجل أن نكون معاً ضحينا بالكثير من أحلامنا، وقتلنا الكثير من أمنياتنا، وفقدنا الكثير من أصدقائنا، لقد تغيرنا كثيراً يا عزيز، غيرتنا مشاعرنا، وعاشت علينا الحياة بضعة أيام سعيدة، لكننا يا عزيز من نكسب الأشياء معانيها، جمالها أو قباحتها، بؤسها أو سعادتها، راحتها أو شقاءها، دعارتها أو براءتها..
تؤلمني هذه الكلمات عندما أخطها، لكنني مجبرة على خطها .. مجبرة على قتلها، فالعيش على ذكراها أهون من العيش على بقاياها، تؤلمني يا عزيز .. تؤلمني كثيراً.
https://www.facebook.com/you.write.syrianews
تؤلمني