news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
بلا عنوان ... بقلم : ريم الأتاسي

أنا آسفة على كل ما تسببته لك من ألم، كنت أعتقد بأنه سيأتي اليوم الذي أداوي فيه تلك الجروح، لكنني مع الأسف اضطررت للرحيل، للذهاب خلف أحلامي، كنت أكبر أحلامي، وكنت من حكم عليها بالإعدام نسياناً..

 هل نسيت حقاً، أم أنني عدت مجدداً أوهم نفسي، وضعت الكأس أمامي على الطاولة، فكرت كثيراً بإتلاف مذكراتي، لكنني اكتفيت بالتحديق إلى صورتك، والتساؤل لماذا مازلت واقعة في حبك، أنت إنسان مغفل .. لا تستحق أن أذرف عليك أي دمعة.. قلت هذا وأخذت أبكي..


صادفته يوماً وأنا في طريقي إلى العمل، وقفت أتأمله لدقائق حسبتها ثواني، راحت ألوان إشارة المرور تتغير وتتغير، وأنا مازلت أحدق به، سرت مكرهة بطريق معاكس لطريقه، وشاءت الصدف أن ألتقيه بعد فترة في أحد اللقاءات..

 

حاولت جاهدة أن أظهر له قوتي، رحت أتحدث عن إنجازاتي، أتفاخر بما ضحيت به لأجل أن أكون على ما أنا عليه اليوم، لم يكن يستمع، كان غارقاً في الصمت، لمحت في ملامحه المحتضرة آلاف التساؤلات، آلاف إشارات الاستفهام، لمحت في نظراته إلي الكثير من العتب، الكثير من الحقد .. والكثير الكثير من الاشتياق..

 

عندما كانت يدي تصطدم بيده كنت أشعر بأن جسدي كله يرتعش، عندما كان يذكر اسمي كان قلبي يخفق كالطير المذبوح، لماذا تصر القلوب على استجماع هذا الكم الهائل من الألم في أكثر اللحظات التي نحتاج فيها لأن نكون ثابتين!

 

"قلبي يحتضر..".. هذا ما قاله أحد الجالسين، التقت عيني بعينه، تذكرت ذلك اللقاء الغريب الذي جمعنا أول مرة، تذكرت المصافحة الأولى، تذكرت تلك العبارة التي قالها عندما أعرب عن حبه لي :"قلبي يحتضر وكلمة أحبك كفيلة بأن تعيد إليه الحياة، بل أن تجعله يخلد حتى الأبد..".. تمنيت لو يتوقف بنا الزمن عند تلك اللحظة، أن يتجمد الجميع وأسأله :"هل مازلت تحبني؟!".. وكانت إجابته حاضرة:" لاشيء يبقى حتى الأبد.. الخلود لله، كل شيء يفنى حتى المشاعر تأتي لحظات نكون من يقرر فيها لحظة الإعدام.. بوووم وينطفئ الضوء وترتحل إلى مثواها الأخير، الإنسان أكبر خائن لذاته .. لمشاعره .. لأحلامه، أكبر مجرم بحق نفسه، وبحق الحياة التي أحياناً لا يستحق أن يوجد فيها.."..

 

نزلت كلماته كالسم في حنجرتي التي سكنتها الدموع لساعات، شعرت برغبة في الضحك والبكاء في ذات الوقت، تحول الحديث بيننا إلى معركة، إلى جدال عقيم، كان كل منا يبرز أقوى سلاح عنده ويشهره في وجه الآخر، حتى أبرزت بكل لؤم سلاحي القديم، وأطلقت عليه هذه العبارة التي كانت كفيلة بإنهاء تلك المعركة المجنونة:" عليك أن تستيقظ من حلمك الخالد، ما كان بيننا انتهى، لقد كان مجرد حالة إنسانية يعيشها أي مراهقين.."..

 

منذ تلك الليلة اختفى، لم أعد أصادفه في أي مكان، كنت أخرج قبل ساعات من المنزل أنتظر عند إشارة المرور، أنتظر أن يطل عند بائع القهوة ويشتري طحله الصباحي، يشتري مشروب الطاقة المر الذي كان يعاقب نفسه بتناوله كل صباح.. لقد كان يحب القهوة حلوة، وبفضل فراقنا لم يعد يتقبلها سوى مرة كلحظات الشوق التي كان يعيشها..

 

كابرت كثيراً على هذه الكلمات، لكنني كنت مجبرة على خطها، على قتلها على سور مقبرتها الورقي، على حرقها بالحبر الأسود، كنت مجبرة على قتل كل الذكريات الجميلة التي جمعتنا، وإحياء الذكريات المؤلمة التي عشناها لأجل ألا يبقى في قلبي ذرة حب اتجاهه، لكن ما كان كل هذا يجدي نفعاً مع قلبي المريض الذي كان يحتضر شوقاً في كل ليلة..

 

قتلني، بساحة الفراق.. طعنني بقبلة عشت سنين طويلة أنتظر تذوق طعمها، كان ثغره مليئاً بالكلمات، كان يعبق برائحة التبغ والكحول، كانت قبلة سريعة خطفت معها كل أحلامي، كانت النقطة الأخيرة التي خطوتها آخر روايتنا.. وبعدها سار كل منا في طريق، سرنا ثملين لا نعرف كيف جمعنا القدر ولا كيف فرقنا من جديد..

 

قتلني، بساحة الوداع.. أرداني قتيلة برصاصة خرجت من حجر عينه، برصاصة أوقفت حياتي، قال لي :" في تلك الليلة دفنت كل ما كنت أحتفظ به من عطرك لدي، أنا آسف لأنني أجبرت نفسي على التوقف عن حبك، لكنك برهنت لي أن الشيطان ينتصر .. أن الأنا التي تسكن داخلنا والتي يربيها على يديه لا تقتلها المشاعر التي نتجرعها كي نسممه، وداعاً يا طفلتي الصغيرة، كان حلم مراهقة وردي استمتعت به، واستمتع به في كل لحظة أكون فيها على بعد حلم من الآن..".

 

كانت كل تلك الرواية العبثية من تأليف شيطان كان ينمو في داخلي، كان يشب على تكابري، حتى جاء اليوم الذي أصبحت فيه أحلامي منزلاً ضيقاً عليه، وضب أمتعته .. غادرها بكل بساطة، غادرها ملوحاً لي وعلى وجهه ابتسامة ساخرة، ثم امتطى قطته السوداء الشرسة وحلق بها بعيداً، كان كل شيء بالنسبة لي مجرد بداية ونهاية، مجرد شريط سنمائي مر أمام عيني، جعلني أتأثر به للحظات ثم ما لبث أن زال مفعوله مع إعلان شارة النهاية.. ومازلت أوهم نفسي، ومازلت أنتظر عند إشارة المرور، أنتظر مروره رغم أنني لا أعرف لماذا أنتظر، أو من هو الشخص الذي انتظره؟!

 

 

 https://www.facebook.com/you.write.syrianewsws

2014-01-12
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد