ربما أخطأت بحقك و ربما أنت من أخطأ و لكني أعرف تماماً أننا لم نتحدث منذ وقت طويل و أنك ربما تستغرب رسالتي هذه التي ستعتقد أنها مجرد Junk Mail أو Spam إلا أنها ليست كذلك بل هي رسالة موجهة لك أنت..
صحيح أني لا أعرف اسمك أو ربما أخلطه مع عشرات الأسماء الأخرى إلا أني أعرف عنك الكثير من الأمور التي ستستغرب ورودها في رسالة قذفتها الأمواج الإلكترونية إلى شاطئ حاسبك.......
لست هنا لأعاتبك أو ألومك فما حصل قد حصل.. صدقني لا فائدة من العتاب الآن فالحياة قصيرة و لا شيء فيها يستحق أن نحزن لأجله..
كيف حالك هذه الايام؟؟ أتراك لازلت تذكرني؟؟
أتريد أن تسأل عن أخباري؟؟ أحقاً تريد أن تعرفها؟؟
صدقني لا أعرف من أين أبدأ..
لا أعرف من الذي تغير أنت أم أنا أم كلانا معاً.. لكن بالتأكيد هناك الكثير من الأمور التي تغيرت...
أظن أنك سمعت عن غلاء الأسعار و كم باتت الحياة مكلفة و مرهقة أليس كذلك؟؟ نعم أنت محق.. كل شيء أصبح غالياً.. أتريد حقاً أن نتحدث عن الغلاء الذي سمع به الجميع؟؟ صدقني لقد صرخنا كثيراً كما صرخت أنت من قبل و لكن كالعادة لم يسمعنا أحد.. أتريد أن تصرخ معنا في المرة المقبلة؟؟ معك حق ما الفائدة؟؟
منذ فترة وصلت مجموعة من الباصات الجديدة.. أسمعت بها؟؟
نعم.. باصات خضراء صينية جديدة بمقاعد صفراء لازالت حتى اليوم خالية من الخربشات و ذكريات الركاب.. ...
أتذكر باصات النقل الداخلي القديمة التي كنت تركبها؟؟ أتذكر لونها الأخضر الداكن؟؟ أتذكر رائحة مقاعدها و كيف قام البعض بتمزيقها لا لشيء إلا حباً للأذية تطبيقاً للمثل القائل: 'سألوا القاق ليش بتسرق الصابون؟؟ جاوبهم: الأذى طبع'..
أتذكر كيف كنت تنحشر في السرفيس مع عشرات البشر الآخرين و كيف كان ينطلق السائق برعونة فتشعر بنفسك و كأنك كوكتيل فواكه في خلاط مولينكس؟؟ أتذكر سائق التاكسي الذي تشاجرت معه لأنه رفض أن يشغل العداد؟؟ لابد أنك تضحك على نفسك حين تذكر تلك الأيام..
الشوارع لم تتغير كثيراً فمرآب ساحة المواصلات لم ينتهي بعد و ساحة العباسيين لم تنتهي بعد أما ساحة الأمويين فبين الحين و الآخر يقومون بحفرها أو حفر ما حولها لتذكيرك أن دوام الحال من المحال فهاهم اليوم يحفرون نفقاً جديداً ما بين منطقة كيوان و حديقة تشرين و الله وحده يعلم متى سينتهي..
حارات الشام القديمة لم تتغير كثيراً.. لازالت البيوت موجودة و أبوابها مفتوحة إلا أنها أصبحت أكثر فخامة و أناقة حيث أنها باتت مطاعماً اليوم و بت تجد بين المطعم و المطعم مطعماً آخر.. قهوة النوفرة لازالت على حالها و كرسي الحكواتي لازال موجوداً و رائحة المعسل و التنباك لا تزال تعبق في المكان و كاسة الشاي الخمير لازالت هي ذاتها إلا أني لم أعد أذكر كم كان سعرها يوم التقينا هناك آخر مرة.. أتراك تذكر؟؟ أتذكر وجه النادل؟؟ أم أنه ككل الوجوه الأخرى التي مسحتها الأيام من ذاكرتك؟؟
أتذكر سوق الحميدية كم كان يبدو طويلاً طويلاً و كم كان مزدحماً؟؟ أتذكر الأصوات التي كانت تصدر من محل بكداش حين يضرب العامل البوظة بالقشطة و الفستق باستعمال الذراع الخشبية الكبيرة؟؟ أتذكر الأذان الصادر عن مآذن الأموي و مئات الحمائم تحوم حوله و تلعب في باحته بحرية؟؟ أتذكر زينة الميلاد و رأس السنة في باب توما و القصاع و التي كانت تبهرك بجمالها؟؟ أتذكر بوز الجدي في سوق الشيخ محي الدين و طعم الفول و الفتة بسمنة؟؟ أتراك تذكر الشاورما في الميدان و كيف تناولت القشة ذات يوم في أحد المحلات هناك مع أصدقائك ثم أكلت كنافة نابلسية رغم أن الساعة كانت تشير إلى الثانية فجراً؟؟
ألازلت تحب (القباقيب على سكر) التي كانت تشتريها والدتك من البزورية؟؟ ألازلت تذكر (البراغي) و (السوس) و رائحة الملبس يخرج ساخناً من محل السيوفي و والدتك تبحث عن الملبسة ذات اللوزة الكبيرة و القشرة الرقيقة و أنت تغمض عينيك و تشم رائحة التوابل و السكاكر و الشموع و عشرات الزيوت؟؟
أتذكر حين ذهبت إلى حمام السوق مع أصدقائك ظهراً و لم تخرج منه إلا بعد منتصف الليل لتجد سوق البزورية و مدحت باشا خالياً لا تسمع فيه سوى وقع أقدامكم و كيف اتجهتم بعدها لتناول 'الدوندرما' في المناخلية قبل أن تكتشفوا أن لا شيء يشبه سندويشات السجق و البصطرما التي ذهبتم لتناولها عند سيروب في الصالحية مع كاسة لبن عيران؟؟ ألازلت تذكر طعم الفول صباح يوم الجمعة و المعروك و الناعم في رمضان و معمول العيد؟؟
* تنويه :
هذه المساهمة منقولة وقد ارسلها لنا Grandness ، وتبين انه تم نشرها سابقاً في سيريانيوز بتاريخ 21/10/2008 بعنوان رسالة في زجاجة وهي بقلم الانسة : ن. الحموي .
شيء من الجنون مع نون: رسالة في زجاجة ... بقلم : ن. الحموي
http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=84043
لذا اقتضى التنويه