تبدأ القصة عادة بوفاة رب الأسرة، وبعد انتهاء مراسم الدفن مع الدموع يجتمع أفراد العائلة لاقتسام الإرث واضعين نصب أعينهم القاعدة الفقهية التي تقضي بأن للذكر مثل حظ الأنثيين، لأنه المسؤول عن الإنفاق والإعالة ورعاية من ليس لهن معيل في أسرته و و و...
كل هذا على العين والرأس لكن الممارسات الخاطئة في تطبيق تلك القاعدة الفقهية هي مما لا يقبله أي عقل أو دين أو منطق: حيث يتسلط الأخ غالباً على حصة أخته العازبة بحجة أنه من يقوم بإعالتها فيقوم بصرف حصتها عليها بمنة وتفضل هذا في أحسن الأحوال، وقد يمنعها من الارتباط في بعض الأحيان إذا كانت حصتها كبيرة بحجة طمع من يطلبونها للزواج مع أنه في الحقيقة هو الطامع الأكبر .
إذ يعمد بعض هؤلاء الأخوة الذكور أحياناً إلى ضم حصة أختهم إلى حصتهم والانتفاع بها والقيام بمشاريع لتوظيف ذلك المال دون أن يكون للأخت أي فائدة منها أو حتى أي رأي فيها، ومهما فشل الأخ في مشاريعه التي مولها من مال أخته أو أمه أو من تسلط عليها بحق الإرث فإنه لا يحق للمجني عليها أن تعترض بأي شكل من الأشكال بل عليها أن تجود عليه وقت الشدة بكل ما أوتيت أو تملك من مال إن كان لها أي مورد مادي آخر.
وكيف لا وهو من يعيلها ويقوم بخدمتها والتصرف بشؤونها بعد وفاة والدها؟!!! إن مجرد تواضعه وكرمه المتمثل بدخوله إلى منزلها (منزل العائلة سابقاً) حاملاً كيس الخضار أو الفاكهة لهو منتهى الشهامة والرجولة!!! ومتى أصبح الواجب تفضلاً والمسؤولية تكرماً؟!!
لا يعنيني أن أناقش الحالة التي طرحتها لأنني لست أولاً في محكمة، وثانياً لأن ذلك المثال كان مجرد مقدمة لما سأشرحه لاحقاً وهو لماذا نبارك مثل تلك التصرفات؟ لماذا تحدث كل تلك الأمور بسرية أسرية تامة؟ لماذا تقوم الأم بالدفاع عن ابنها مهما فعل بحجة أنه ليس له سوى أهله لينتفع بمالهم ولماذا تقذف الأم ابنتها بأقذع الشتائم إذا حاولت مجرد محاولة أن تكون استغلالية ووصولية وأن تتصرف مثل أخيها؟ ويزداد الطين بلة إذا كانت الفتاة متزوجة، أما أخوها الشاب المتزوج فسيجد كل المسوغات التي تسمح له باستغلال أهله بحجة الأوضاع الصعبة والمهور المرتفعة وغلاء المعيشة.... لست في موقف الدفاع عن أخطاء الإناث إزاء أخطاء الذكور فالخطأ خطأ ولا يجوز التستر أو السكوت عنه مطلقاً لكنني أفكر في الدوافع التي جعلت الأهل يتمسكون بهذه النظرية التي بررها لهم الشاعر حينما قال:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد
وكأن الذكر لاعب أساسي في الأسرة والأنثى لا يجوز لها أن تغادر صفوف الاحتياط، فهي مجرد غريبة لأنها ستتولى القيام بمهام أسرة أخرى في المستقبل، وهذا ما يعبر عنه البعض بأن الفتاة تبقى "ضيفة" في بيت أهلها إلى أن يأتي النصيب، ويزداد الوضع سوءاً بعد طلاقها لأنها حينها ستتحول إلى ضيفة ثقيلة وثقيلة جداً أيضاً مع أطفالها، لكن لماذا لا يعاملونها كضيفة إذا مرض أحد الأبوين واحتاج لرعاية من أي نوع؟ لماذا لا تعطى حقوقها كاملة من إرث الوالدين؟ أو لسنا من يتشدق بقضية إكرام الضيف ونتفاخر على الغرب بها؟
لماذا تقوم تربية الفتاة على أنها ليست ملكاً لأسرتها وعليه فإن مالها وعلمها ووقتها كله تحت تصرف زوجها وأهله إن تزوجت، وإلا فإن كل ما تقوم به وتنجزه خلال حياتها يدخل حيز النسيان ولابد أن يذهب أدراج الرياح؟ ثم لماذا تتفاخر الأسر بإنجازات الذكور وتعتبر إنجاز الفتاة ضرباً من تحدي الواقع أو زرعاً في أرض الغير؟ لماذا تفتخر العائلات بالصهر إذا كان طبيباً ناجحاً أو محامياً لامعاً أو مهندساً بارعاً ولا يفخرون بالكنة الطبيبة الناجحة أو المحامية اللامعة أو المهندسة البارعة؟ لماذا يسمح المجتمع للرجل بأن يتكبر ويتباهى بإنجازاته ولا يسمح للمرأة بأن تتباهى بأكثر من طبق تجيد إعداده أو منزل أحسنت ترتيبه وانتقاء أثاثه أو مولود ذكر أبصر النور بعد عملية قيصرية؟!
في كل مرة تحاول المرأة فيها أن تخرج من تلك القوقعة تكتشف أنها تجاوزت كل الحدود المرسومة لها لذا لا تجد من سبيل سوى غض الطرف ومتابعة المسيرة بصمت دون إزعاج الآخرين بأفكارها التي سيثبت الآخرون فشلها حتى قبل التجربة، والأدهى من ذلك مؤامرة النساء من حولها عليها إذ تشترك كل من أمها وأختها وجارتها وصديقتها لإقناعها بالعودة إلى مطبخها وحياتها الأسرية الهادئة بعيداً عن الأضواء ومزاحمة الرجال في أي مجال، فهذا مجتمعهم وحدهم وهم فيه أحرار، وبذلك تكتب أسطورة الرجل على الحور العتيق، ويأتي الغبار ليكنس بعيداً ما أنجزته أي امرأة مع رمل الطريق.
كلمة أخيرة لكل من يفكر بهذه الطريقة: إنني لست من دعاة تحرر المرأة بلا قيد أو شرط، كما أنني لا أتهم الرجل بأنه السبب الرئيسي في كل ما يجري لأنه هو الآخر ضحية.. أجل ضحية الغرور الذي يودي به إلى الجحيم المتمثل بظلم الآخرين، وإلى كل من يؤمن بمقولة: البنت إذا ماتت بتوفر صرة (حصتها بالإرث) وبتموت حرة وبتطالع العدو لبرا (أي الزوج) أحب أن أقول: عليكم أن تتداركوا ما فاتكم لأن حظوظكم عاثرة ونجمكم إلى أفول.