news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
زكا الأول عيواص ... ودور السريان في الحضارة العربية ...بقلم : الدكتور دارم طباع

كانت اللغة الآراميـة السريانية هي اللغة السائدة في سورية والعراق وفلسطـين منذ القرن السـادس قبل السيد المسيح، والسريان من الشعوب السامية التي عُرفت فى التاريخ القديم بالآراميين، والآراميون هم بنو آرام بن سام بن نوح عليه السلام، كانوا يعيشون في "آرام"، المنطقة المعروفة اليوم ببلاد الشام والعــراق، وأضحت اللغة السريانية في العصر المسيحي امتداداً للغة الآرامية كتمييز لها عن اللغة التي تكلمها الوثنيون بعد أن قاموا بتحريف بسيط في نهايات كلماتها.


كانت بلاد الآراميين مسرحاً للنزاع بين الفرس والروم، ولم تكن الآرامية لغة الإمبراطورية الفارسية الرسمية فحسب، وإنما كانت لغة دولية يدل عليها ما جاء فى سفر الملوك الثانى 18-26، "كلم عبيدك بالآرامي لأننا نفهمه، ولاتكلمنا باليهودي" وكان ذلك عندما حاصر سنحاريب بيت المقدس فى أوائل القرن السابع قبل الميلاد.

 

تأثر السريان تأثراً ملموساً بالثقافة اليونانية، وذلك فى أعقاب غزو الإسكندر الأكبر لمنطقة الشرق الأدنى سنة 312 ق م، إذ كان دخوله للشرق وما تلاه من تكوين إمبراطورية يونانية في الشرق بمثابة نقطة تحول في التاريخ السياسي والاجتماعي والفكري بها، وأدى هذا الالتحام المباشر بين السريان وعلوم اليونان إلى جعل الثقافة اليونانية تعيش فى كيان هؤلاء القوم، فتمكنوا منها، وأصبحوا معلمين لها، ولذلك كان من السهل عليهم نقل العلوم اليونانية إلى السريانية، وعندما ظهرت المسيحية لم تكن مدينة أنطاكية السورية أقل مكانة من الإسكندرية المصرية التي وفد عليها المبشرون الأوائل، ومنهم القديس بطرس، أحد الحواريين الأثني عشر، الذي أسس كنيستها عام 34م، فأصبحت أحد المراكز الرئيسية لنشر الدعوة المسيحية، ولأنطاكية فى تاريخ الشرق الأدنى أهمية عظيمة بفضل مدرستها اللاهوتية التي كان علماؤها يركزون دراستهم على التفسير الحرفي للكتاب المقدس، ويبدون اهتماماً كبيراً لإنسانية المسيح الكاملة، تماماً كما ذكرت في القرآن الكريم، ويرجع الفضل في تأسيس مدرسة أنطاكية إلى كاهن يدعى لوسيان، وذلك في عام 290م، وإليه يرجع الفضل في المكانة التي بلغتها هذه المدرسة، والتي جعلتها تنافس مدرسة الإسكندرية خلال القرن الرابع والنصف الأول من القرن الخامس الميلادي.

 

كان للسريان فيما بين النهرين نحو خمسين مدرسة تعلم العلوم السريانية واليونانية، وكانت هذه المدراس تتبعها مكتبات أشهرها: مدرسة نصبين الأولى والثانية، والرها، وقنسرين، وجنديسابور، إذ كانت هذه المدارس بمثابة جسور عبرت فوقها علوم الأوائل كالفرس واليونان، وساهمت في مجموعها في بعث النهضة العلمية التي شهدها العالم العربي في صدر الإسلام.

 

حارب السريان جنباً إلى جنب مع العرب المسلمين، مع المحافظة على نصرانيتهم، فحرروا البلاد من المستعمرين، وشاركوا في توطيد أركان الدولة الجديدة، ويشهد التاريخ بإنتاجهم الخلاق في جميع ميادين الفكر والحضارة.

 

حظي السريان بالثـقة والاحترام عند الخلفاء الراشدين، والأمويين، والعباسيين، وأول من نال منهم منصباً في زمن الفتوحات العربية منصور بن يوحنا السرياني، الذي أصبح وزيراً للمالية في عهد الخلفاء الراشدين، أما ابنه سرجون وحفيده يوحنا المشهور بالقديس يوحنا الدمشقي فقد تولّيا ديوان الأعمال والجبايات في عهد الخلفاء الأمويين، وكان للسريان مكانة مرموقة لدى الخلفاء الراشدين ثم الخلفاء الأمويين الذين استخدموا العديد من السريان في الدواوين، وابتدأت على عهدهم النهضة العلمية العربية، التي ساهم بها علماء السريان وكتّابهم، وترجموا علومهم وعلوم اليونان إلى العربية، ونالوا مراكز عالية في الإدارة، وشغلوا وظائف مرموقة فيها.

 

واليوم فقد السريان واحداً من ألمع رجالاتهم، وأكثرهم وطنية والتزاماً بالنهج المشرف لأبناء هذه المنطقة الذين جعلوا من إيمانهم رسالة محبة لأوطانهم وشعوبهم، فهاهو البطريرك الراحل زكا الأول عيواص يقول: نحن السريان نفتخر بأننا أحفاد أولئك الذين وهبوا العالم الأبجدية، وشقوا الطريق إلى الحضارات والعلوم، فنحن وسورية نسيج واحد، هي أخذت منا اسمها، ونحن أخذنا منها اسمنا، وهذه علاقة دائمة أزلية وأبدية، فلا نحن نتخلى عن وطننا سورية، ولا سورية تتخلى عنا، إن السريان لم ينفصلوا عن سورية أبداً، وأينما ذهبوا في العالم، كانوا ولا يزالون يحملون في قلوبهم وطنهم سورية، وحضارته، وأما لغتهم السريانية فهي لغة سورية القديمة التي انتقلت إلى جانب شقيقتها اللغة العربية إلى كل أطراف العالم.

 

ولد قداسته في الحادي والعشرين من شهر نيسان سنة 1933، والتحق بديوان الكتابة في دار البطريركية بحمص في كنيسة أم الزنار كسكرتير ثان عام 1955، في عهد البطريرك أفرام الأول برصوم، وعندما جلس البطريرك يعقوب الثالث على الكرسي البطريركي، عيّنه سكرتيراً أولاً للبطريركية، ورسمه كاهناً عام 1957، وقلّده الصليب المقدس بتاريخ 15/4/1959، تدرج في مناصبه الكهنوتية إلى أن انتخبه المجمع الأنطاكي السرياني الأرثوذكسي المقدّس بالإجماع بطريركاً لأنطاكية وسائر المشرق ورئيساً أعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم أجمع بتاريخ 11/7/1980، وتمّ تنصيبه في كاتدرائية مار جرجس بدمشق في 14/9/1980 باسم مار إغناطيوس زكا الأول عيواص، انتخب رئيساً لمجلس كنائس الشرق الأوسط بتاريخ 22/1/1990 (أحد الرؤساء الأربعة)، وانتخب رئيساً لمجلس الكنائس العالمي بتاريخ 14/12/1998 (أحد الرؤساء السبعة)، وله عشرات المؤلفات والكتب أهمها كتاب «السريان والإسلام تاريخ مشترك» وهو مجموعة من المقالات والمحاضرات والمقابلات والتصريحات لقداسته في مناسبات شتى، جمعها ووثقها الربان متى الخوري السكرتير البطريركي، وصدر عام 2009، إضافة إلى مجموعة أبحاث متنوعة في شؤون مسكونية عدة.

 

برحيل زكا الأول عيواص فقدت سورية بمسلميها ومسيحييها واحداً من أهم رجالاتها المخلصين لله الواحد الأحد، ولتراب هذا الوطن الذي خلق الله منه الإنسان وعلمه البيان.

 

https://www.facebook.com/you.write.syrianews

 


 
2014-04-02
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب