في حجرته التي كانت تختبئُ في نهايةِ
الشارعِ ,وقد احتضنتها الأشجارُ مثل أمٍ تحتضن رضيعها, تعكسُ قطراتُ المطرِ
الملتصقةُ على ورقِ الشجرِ ضوء النافذةِ.
كان منهمكاً في البحثِ عن ورقةٍ ضاعت بين أثاثِ غرفتهِ القديم كُتِبَ عليها رسالةٌ
من أِمه, وهي الرسالة الأخيرة قبلَ وفاتها.
عندما كان الريحُ يصارعُ الأشجارَ في الخارج, كأن شيئاً لم يعجبهُ في شكلها فيحاولُ إعادة رسمها من جديد أو ارادَ العبث باستقرارها.
يرعبه الريحُ وما يفعلُ بالأشياء,لكن يد الريح اختارت هذه الليلةَ أن تضربَ زجاجَ
نافذته ,توقفَ عن البحثِ واقترب يتأكد من إحكام النافذة وهو يحدث نفسه :ما هذه
الريحُ التي ما فتئت تدخلُ الخوفَ إلى صدري,وتزيد في كرهي لها ,يغير في كل شيء
يعترضه ويحركَ السكونَ من حولنِا ,ثم نظرَ إلى أثاثِه ,متسائل ماذا ستفعله قوةُ
الريحِ بهذه الأشياء البالية لو كُسِرت النافذةُ ؟أيُ رعبٍ يعتريني ؟وكيف ستحطم
غرفتي وتُحطِّم ما بنيته وتقضي على أملي بشراءِ أثاثٍ جديد.
قال بتوسل المرعوب :اهدئي أيتها الريح ولا تفعلي بي مثلما فعلتي بجاري المسكين
فحولتي بيته دماراً ,ولا تقلعيني مثلما اقتلعتي شجرةَ السرو عندما كنت صغيراً , وقد
كانت مسرحَ طفولتي ,وكيف كانت أمي تمنعُني من اللعبِ في الأيامِ التي تشتدُّ بها
الريحُ ,وتقول:ربما يقضي عليكَ لأنها لا تعرفُ طفلاً ولا كهلاً ,مازالت ذاكرةُ
الخوفِ من الريحِ وما يغّيُره معلقةً بذهني أو بالأحرى مازالت ذاكرة التغير معلقة
بالريح .
اقترب من كوبِ الماء الذي بقي فيه الماءُ يومين أراد أن يشرب كي ُيهدّئَ نفسه,لكن
رائحةَ الماءِ كريهٌ,فبقاءُ الماءِ في الوعاء دون تغيير افسد طعمها,قرر: سوف
استبدلُ الماءَ صمت قليلاً "استبدال" ! إنَّه ماءُ فقط.
اشتدت قوةُ الريحِ, وأخذت النافذة تصارع جبروته ,"لم تستطع العين أن تقاوم المخرز
", كيف تُوقِف القشةُ مجرى النهر ؟وفجأة وبينما كان يتخبطُ في أفكارهِ فُتحت
النافذة على مصراعيها ودخل الضيفُ الثقيل يعبث بكل شيء في الغرفة ,وما كان من
المُضيف إلا أن يمسكَ بما يقدر من أغرضه لكنه لم يستطع السيطرة تقدم نحو النافذة
ودموعه تنهمر مثلما كان يبكي وهو صغير في حضن أمه عند اشتداد الريح.
لم يقدر على إغلاقها, جلس على الأرضِ يراقب بحسرةٍ ما يحصل,لكن شيئاً أنساهُ حزنَه
وخوفَه , كانت قد طارت ورقةٌ والتصقت بجسمه نظرَ إليها ,أنها الرسالة التي كتبتها
له أمُه,يا الله كم تعبت من البحث عنها,أهذه الريح بجبروتها أوجدتها لي ,أتصنعُ
خيرا لي ؟هل افتح بابي ونافذتي لها دوماً؟ كي يساعدني بالبحثِ عن ضالتي .
راح يتأمل ورحَل ذهنُه إلى بيته,الى السيف الذي يزّينُ الحائطَ كم تحمّلَ سيفُ جدي
المعلق الطرقَ حتى أخذَ شكله, وكم طُرِقَ جدي حتى أصبح له سيفٌ.
https://www.facebook.com/you.write.syrianews