مساحات الكآبة تكبر يوما بعد يوم . لم يجل في خاطري منذ ولدت أن أرى وطني يذبح ...
آمنت دائما أن هذا التراب لايموت ....
عندما بدأت الأزمة أصابتني صدمة كان وقعها هادرا كبحر غاضب لم أتصور أبدا أن تستقيل عصافير تلك الشجرة القديمة عن الغناء للحياة مع كل شقشقة لنور صباح جديد و كغيري من السوريين كنت أتابع الشاشات على اختلافها لعلي أفهم حقيقة ما يجري كالمجانين كنت أتابع الفيديوهات و أبكي للحظة فقدت إيماني بهذا التراب و أيقنت أن النهاية جاءت .
بكيت كثيرا عندما رأيت في أحد تلك الفيديوهات رجالا يلبسون بزات الجيش ويطلقون النار على رجل أعزل ( لم أكن يومها قد سمعت عن الفيديوهات المفبركة و التقنيات الهائلة المستخدمة لتلك الغاية ) قلت ساعتها إن الخطأ لا يعالج بخطأ و إن العنف لا يولد إلا العنف . حملت حزني و مشيت في طريق خيبتي .
ما أفظع أن ترى وطنك يموت ما أفظع أن تفقد إيمانك برجال خدمت يوما في صفوفهم لم يطل ضياعي طويلا فبعد أيام قليلة و بينما كنت أتصفح و أشاهد تلك الفيديوهات التي أدمنت البكاء و أنا أتابعها رأيت مجموعة مسلحة تدوس على جثث جنود و كان أحدهم يصرخ " قتلناهم أثناء المعركة " كانت كاميرا الهاتف المحمول تقترب من الجنود القتلى واحدا تلو الأخر .
من بين هؤلاء كان جندي يرتدي بلوزة حمراء تحت بزته العسكرية مفتوحة الأزرار . كان قد أصيب في رقبته . أفزعني المشهد خرجت من ذلك الفيديو لآخر و أخر و الموت هو الموت و الدم هو الدم قررت الخروج و ظهر أمامي فيديو آخر . فتحته و رأيت مجموعة مسلحة تقتاد مجموعة من الجنود و تضربهم و تنهرهم و فجأة ظهر ذلك الجندي صاحب البلوزة الحمراء كان يمشي متثاقلا من شدة الضرب و الألم .
أيقنت ساعتها أن هؤلاء الجنود لم يقتلوا في ساحة المعركة كما صرح أحد هؤلاء المسلحين لقد قتلوا أسرى و بدم بارد أدركت وقتها أن هؤلاء المجرمين يكذبون و يرقصون على جثث قتلاهم قلت " إن هذا الجيش الذي خدمت فيه يوما لا يمكن أن يكون قاتلا . إن القتلة الحقيقيين هم هؤلاء الذين دمروا أحلام أطفالنا و هدموا منازلنا التي بنيناها حجرا على حجر بعرق سنين طويلة من الكد و الجهد .
شكرا لك أيها الجندي صاحب البلوزة الحمراء . بموتك أحييت إيماني بهذا التراب . شكرا لك من القلب و لكل الذين سبقوك كي تبقى أحلام أطفالنا و تعود عصافيرنا للغناء للحياة .
https://www.facebook.com/you.write.syrianews