لماذا دم الإنسان العربي رخيص لهذه الدرجة ، ودم الإنسان الغربي والصهيوني ثمين لهذه الدرجة ؟.. لقد انبرى الكثير من المثقفين والكتّاب العرب بعد هجوم شارلي ايبدو في باريس يوم 7/1 لكشف زيف الغرب ونفاقه وازدواجية المعايير لديه وكأننا أمام حقيقة كانت غائبة عنا نهائيا ..
في تظاهرة باريس يوم الأحد 11/1/2015 والتي تصدّرها قادة دول مجرمون إرهابيون كما الصهيوني بنيامين نتنياهو، وبقربه المناضل محمود عباس ، الكل تندّر على الدم العربي المسفوك في كل مكان دون أن تهتز شعرة برأس مسؤول غربي أو تخرج مظاهرة لأجل ذلك .. تحدّثوا وفتحوا الجراح التي تتسع ضفافها كل يوم وكأننا اكتشفنا حديثاً نفاق الغرب وعدائه لنا وتحيُّزِه لعدونا الإسرائيلي واسترخاصه للدماء العربية ، وكأننا كنا نجهل ذلك بالماضي ... نستطيع كتابة مجلّدات أكبر من مجلدات الموسوعة البريطانية أو الموسوعة الأمريكية عن نفاق هذا الغرب وعقليته الاستعمارية الفوقية المتعالية التي لم تبارحه ولا لحظة
ولكن هل وقَفنَا مرّة واحدة بصدق وأمانة وشجاعة ومسئولية أمام أنفسنا لنسال : لماذا الإنسان رخيصا لهذا الحد في بلداننا العربية بالنسبة لهذا الغرب وللصهاينة، ولماذا إنسانِهم هُمْ غاليا جدا ومكانته كبيرة لهذا الحد ويستنفرُ شعبٌ بالكامل حينما يلحَق ضررَا ما أو أذَى بأحد أفراد هذا الغرب في أي مكان بالعالم ..
وينبري الساسة والحكام و المسؤولين لمتابعة قضيته يوما بيوم ، ويهرع الجميع وعلى رأسهم رئيس الدولة أو الحكومة لاستقباله حينما تنتهي محنته ويعود سالما إلى وطنه ... يقول الشاعر: إذا كان ربُّ البيت للدّفِ ضاربٌ فما شيمة أهل الدّار سوى الرقص ....وفي مكانٍ آخرٍ: إذا كان ربُّ البيت بالطبل ضاربا فلا تَلُمِ الأطفالَ فيهِ على الرقص ... فكيف سنطلب من هذا الغرب أن يحترم إنساننا العربي إن كان في بلدانه وأوطانه ذاتها لا يحظى بذرة من الاحترام ، بل يُعامل كما لو كان حشرة تزحف على الأرض ، ولا مكانة لمواطن في وطنه ما لم يكن مدعوما أو ثريا أو في موقع السلطة ....
في صيف العام 1974،وكنتُ ما أزالُ طالباً ،
سافرتُ إلى ألمانيا الشرقية في ذاك الحين لحضور دورة باللغة الألمانية في مدينة (هالي
نيو شتات) أي : هالي الجديدة .. وهناك صادفتُ شخصا عربيا يحمل الدكتوراه ويعيش بأمنِ
وأمانِ الله في ألمانيا . فقلتُ له : لماذا لا ترجع إلى وطنك وتساهم في خدمة بلدك
وشعبك ؟ فأجاب: في بلداننا العربية عموما لا يمكنك العيش ما لم تكن واحدا من ثلاث :
إما مسؤول في الدولة ، وإما ثري جدا ، وإما حمار ( يعني مو فارقة معك ولا تفكر بشيء)
...
نِفاق هذا الغرب ليس بجديد ... إنهُ يقتل القتيل ويمشي بجنازته .. هذا أمر نعرفه
جيدا ... وزعماء هذا الغرب هم من اجتمعوا في جنازة المناضل نلسون مانديلا في أواخر
العام 2013 وهم من كانوا يدعمون قبل ذلك النظام العنصري في جنوب إفريقيا الذي زجّ
بمانديلا 28 عاما في السجن ، ثم صحَا وجدانهم فجأة ليتباكوا على الثائر والمناضل من
أجل الحرية - مانديلا- وهم من كانوا أوّل عدوٍ لحريته ونضاله .... الصورة أشبهُ
بصورة داعمي الإرهاب الذين اجتمعوا في باريس لاستنكاره وشجبهِ ...
هذا الغرب هو من لم تؤثر به صورة الطفل (محمد الدرّة) وهو يبكي ويرتجف من الخوف
ويختبئ خلف أبيه كي لا تصيبه رصاصات الغدر الصهيوني في آخر أيلول 2000، في مشهدٍ
أبكى حجارة الصوّان ، بينما لم يتأثر بها هذا الغرب ، ولا حُكام العالم العربي ،ولا
الإسلامي ، لماذا ؟ لأن الإنسان لدينا رخيص في عيون حُكامنا ومسئولينا، بل وشعوبنا
قبل أن يرخص لدى الغرب .. ولنا اليوم بما يحصل في العديد من البُلدان العربية مثلا
صارخا لرُخصِ الإنسان لدى الجماعات المسلّحة التي تقطع رقاب البشر وكأنها (فراريج)
، وتغتصب النساء وتخطف البشر من الطرقات ... و و و و ...
فكيف ستكون دماؤنا وكرامتنا وإنسانيتنا
محترمة لدى الغرب إن كانت مدعوسة ومعفوسة في بلداننا .. ثم نتندّر على الغرب ونلومه
لأنه يتعامل بازدواجية المعايير ؟... يالهُ من سخافة ... هل من مسئولٍ عربي قرأ
كلمات الشاعر رفعت سعيد عن محمد الدرّة : أبي ما الذي ساءهم من وجودي ... ليس لي
غير كرّاسة الرسم ... رسمتُ بها نجمة ثم مزّقتها وجعلتُ البياض حدودي ....
من منا لا يتذكر مشهد الطفلة (هدى غالية) التي وقفت منكوشة الشعر وهي تصرخ فوق جثث
أبيها وأمها وأخوتها ، الذين مزّق أجسادهم صاروخ صهيوني عام 2006بينما كانوا يجلسون
بأمان الله بثياب البحر على شاطئ غزّة ؟... لو كان هذا المشهد لطفل إسرائيلي لقامت
قيامة العالم ، ولقتلوا مقابله ألف طفل فلسطيني ، وما ارتووا ... ولكن هل أثّر
المشهد بحكام العرب ؟ إنَّ أقصى ما فعلوه أن شيخ إماراتي تعهّد بتربية الطفلة (هدى
غالية) ورعايتها ، ولكنَّ أسْرتها كلّها أصبحت أشلاء ولم ينجو سوى - هدى- لأنها
كانت تلهو بألعابها بعيدة عنهم قليلا ...
بماذا أذكّركم بعد ، بمجزرة قانا ، أم مجازر غزّة ، أم قبلها دير ياسين وبحر البقر،
وغيرها وغيرها ، ما لا يُحصى .... الجميع يعرفُ ويعي كل شيء ، ولكن ماذا فعلنا
للانتقام والُثأر، أو لوقف ذلك ؟.. لقد أرسلوا كل إرهابيي العالم للانتقام من سورية
، وزوّدوهم بأموالٍ تكفي للقضاء على الفقر والبطالة في كل العالم العربي ... بل جاء
فلسطينيون من أراضي الـ 48 ، ومن الشَتات ومن غزّة ومن المخيمات ومن الأردن ، لا
ليثأروا من الصهاينة ، ولا من الغرب ، وإنما ليثأروا من السوريين .. هل من فسق
وفجور وعهر وزندقة وانحطاط وعمالة وخسة ووضاعة وتآمر في التاريخ أكثر من ذلك ؟.. ثم
نأتي بعدها لنلوم الغرب ونلقي بكل أوساخنا وانحطاط عقولنا وقذارة نفوسنا على الغرب،
وكأننا نحن بلا عقول ولا تفكير وننجرّ خلف حتفنا كما النعاج ، وحيث يريد لنا هذا
الغرب.. فإن كنا نحن مهازل في بلداننا فلماذا نلوم الغرب إن مارس ضدنا لعبة المآسي
والموت والاستخفاف ؟...
هنا الأسئلة ، وهنا التحدّي بكيف نجعلُ من - المخلوق المواطن- في بلداننا " إنسانا
" كما هو الإنسان الغربي ، بكل ما تعنيه كلمة الإنسان الغربي أو اليهودي ... إن كنا
قادرين فلماذا لا نفعل ، وإن كنا عاجزين فعلينا أن نلوم أنفسنا أولا ، لأننا حينها
نؤكّد لهذا الغرب أننا شعوب لا تستحق الحياة ...
هل قرأتم كيف أن البعض من المعارضين السوريين أشاروا بأصابع الاتهام للدولة السورية
في (غزوة) شارلي ايبدو؟. لم يشيروا لأية أصابع صهيونية أو غيرها ، بينما في هجوم 11
أيلول 2001 الكل أشار للموساد ، أما اليوم فقد أصبح جماعة الموساد حمائم وملائكة
وأصحاب وأحباب لا يفعلونها ، بينما الدولة السورية هي المسئولة عن أي عمل إرهابي
بأي مكان بالعالم ... هل من عقلٍ مُضحِك أكثر من هذا ؟..
الساسة الغربيون منافقون ،وهم يعرفون أنفسهم ، ولا أدلُّ على ذلك من وصية الجنرال
ديغول قبل وفاته : بأن لا يخرج أي سياسي في جنازته ...هذا كان القائد الفرنسي
الكبير قبل أن نسمع بالصغار كساركوزي وأولاند ومن لفَّ لفيفهم .... وحينما كان يسير
القائد البريطاني العظيم (تشرشل) في إحدى المقابر ، قرأ شاهدة مكتوب عليها : هنا
يرقد السياسي الكبير والصادق والمخلص ، رجل المبادئ والمواقف.. الخ.... فردّدَ
تشرشل باستهجان واستغراب : كيف يكون سياسيا ويكون صادقا ومخلصا ورجل مبادئ ومواقف
؟. هُم يعرفون أنفسهم منافقون ، ولكن هل الساسة العرب أقلُّ نفاقا ؟. هُمْ
لِنِفاقهم أهداف لاكتساب الشعبية والوصول للسلطة ولكن حينما لا يرتقون لمستوى
طموحات شعوبهم فلا يشفع لهم نفاقهم ولا يفيدهم ، يتغيّرون ...
لقد سُئِل تشرشل مرّة عن رأيهِ بالشعوب ،فقال قوله المشهور : إذا ماتَ الانكليز
تموت السياسة ، وإذا ماتَ الروس يموت السلام ، وإذا مات الأمريكان يموت الغِنى ،
وإذا مات الطليان يموت الإيمان ، وإذا ماتَ الفرنسيون يموت الذوق ، وإذا ماتَ
الألمان تموت القوة ، وإذا مات العرب تموتُ الخيانة !!... فهل قول تشرشل عن العرب
ببعيدٍ عنهم ؟.. إذا من علينا أن نلوم أوّلا ؟..
فنرجوكم لا شيئا جديدا تضيفونه لمعلوماتنا حينما تتحدّثون عن نفاق الغرب ومعاييره
المزدوجة واسترخاصه للدم العربي ، لا شيئا جديدا تضيفونه ، سوى مزيدا من الكلام
والاجترار، والمزايدة المثيرة للسخرية ... لقد سبَقكم الشاعر السوري أديب إسحاق (الذي
أمضى حياته بين دمشق وبيروت والقاهرة) بأجيالٍ حينما وضع قصيدته المشهورة في أواخر
القرن التاسع عشر المؤلفة من أربع أبيات فقط ووصف فيها العهر والنفاق الغربي الذي
لا يهتزّ برأسه شعرة لقتل شعبٍ بالكامل ، بينما تقوم قيامته إن قُتِل مواطن غربي
وهو يصطاد في غابة ... وقد تكون فريسته من أبناء الهنود الحمر الذين كانوا يتعلمون
الصيد بهم ، أو من أحد الأفارقة ، أو من أي عرقٍ آخرٍ ، لا يهم ....فوَصَّف ذلك
بالقول :
قتلُ امرئٍ في غابةٍ جريمة لا تُغتَفر .... وقتلُ شعبٍ آمنٍ مسألة فيها نظر ....
والحقُ للقوَّة لا يُعطَاهُ إلا من ظفرْ ....ذي حالةُ الدنيا فكُنْ من شرّها على
حذرْ ....
نعم هذه حالة الدنيا فلقد أدركها الغرب ، ولكن هل أدركها العرب ؟... فكِّروا كيف
أصبح الإنسان في الغرب بهذه القيمة والأهمية ، ولماذا بقي الإنسان العربي مجرّد
حشرة على الأرض ، ما هي الأسباب ، ما هي العوامل ، وكيف يمكننا التخلص منها .. فلغة
الإنشاء والخطابات والكلام البليغ والجميل في تفنيد سياسات الغرب المنافقة ، هذا
لوحده لا يكفي ... والانجرار خلف العواطف يجعل العقل دوما في حالة غياب ، ونحن أشدُّ
ما نحتاجه في عالمنا العربي هو العقل والموضوعية والمنطق ، في التحدث عن مشاكلنا
وقضايانا ، ونقد أنفسنا وأخطائنا ، وتعاملنا مع بعضنا البعض لاسيّما داخل أوطاننا
...
أسألُ كبار المثقفين العرب وحاملي الشهادات العليا : هل من مسئولٍ في بُلدانِكم
يهتمُّ بأية شكوى حول أية مظلُمَة يرفعها أيٍّ منكم ؟. فهل (المُستعمِر) الغربي هو
من طلب ذلك من المسئولين ؟. هل (المُستعمِر) الغربي هو من طلبَ من مسئوليكم أن
يُخرِّبوا بُلدانهم ومؤسساتها ويضعفونها بالاعتماد على أقلِّ الكفاءات والمؤهلات
والخبرات ، وإقصاء أحسنها وأفضلها وأخبرها وأقدرها ؟. هل (المُستعمِر) الغربي هو من
طلب من بعض المسئولين في أكبر المواقع أن يتصرّفوا بعقلية زعران الشوارع والأزقّة ،
والشللية ومنطق المافيات ويجعلون من المؤسسات ملكية لأبي - اللي خلّفوهم- ؟. هل هو
من قال لهم إدعسوا على كل المعايير والأسس والقواعد واستبدلونها بالمحسوبيات
والشخصنات والكيديات (وستِّين عمره ما يكون فيه دُول ومؤسسات) .. وكل من لا يعجبه
يضرب راسو بالحيط ؟...
يعني إن كان الإنسان في بُلداننا، حتى من (نُخَب
المجتمع) لا مكانة له ولا تقدير ولا احترام إلا بمقدار الدعم والمحسوبية والواسطة
والتبَنِّي ، فيكون الغرب هو المسئول عن ذلك ؟. نحن في بُلداننا أكبر عدوٍّ لأنفسنا
وأكبر مخرِّبين في أوطاننا وأكبر مُسترخصين للإنسان لدينا، ونحن المسئول الأول عن
مآسينا، والغرب اكتشف فقط أمراضنا وعللنا واشتغل على ترسيخها وتعميقها ، وأفلحَ في
ذلك ، ولكن أين هي عقولنا نحن ؟ أين ضمائر المسئولين وأخلاقهم ووجدانهم أولا، قبل
أن نسأل أين هو ضمير الغرب ؟...
https://www.facebook.com/you.write.syrianews