news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
ونَبقى ... بقلم : كورين أورتشانيان

أن تذكُرَ الأرمنيَ، فكأنكَ تُبحرُ في يومٍ عاصفٍ..

إن سمِعتَ، أو تَصَفّحتَ شيئاً من تاريخِ هذا الشعب الصغير، تنسمتَ عبَقَ العنادِ العجيب لَديه، برفضهِ فسْخَ قِرانهِ الأبدي مع الحياةِ، مع البقاءِ، مع الغناءِ والعطاء.


إنه يتأبّى إحناءَ رأسهِ المُدمّى مهما تعاظمت، واشتدت ضرباتُ هراواتِ الطواغيت عليهِ؛ كالعنقاء، كطائرِ النارِ، ينفضُ رمادَ الخمودِ عنه، ليحلقَ ثانيةً في رحابِ الحياةِ، فتغدوا الطموحاتُ الأثمةُ لإبادتهِ بَدَدَاً في الأرضِ تذروها الرياحُ؛ وإن مخرتَ عُبابَ تاريخهِ، تجدُ نفسكَ وسطَ مصطَخَبِ مشاعرَ هي مزيجٌ من الألمِ والأسفِ الشديدين، والذهولِ والإعجابِ الأشديّنِ.
 


فعبرَ تاريخٍ طويلٍ من هجماتِ الاعاصير الهوجاءِ التي تقتلعُ حتى الثابتَ في دنيانا، والحرائقِ التي تلتهِمُ بهَوسٍ، خُضرةَ ورونقَ الرياضِ التي حاكتها أناملُ هذا الشعبِ، تنتصبُ هامةُ الأرمني مجدداً، عقبَ نائبات الأيامِ والدهورِ، كثباتِ الراسياتِ من جبالهِ العزيزةِ، (كآرارادَ) الأسيرِ، ليبدأَ مع نفسهِ دورةَ حياةٍ جديدةٍ، يُضمّدُ جراحَهُ البليغةَ، وعِصا الهدايةِ والرعايةِ لكريكور المنوِّر، والشجاعة الوثابةِ لفارطان ماميكونيان، واشعاعاتُ صلواتِ نرسيس شنورهالي وابتهالاتِ ناريكاتسي كلُ ذلك يشحذ الهمَمَ ويستنهضُ العزائمَ

 

 

 فتتصاعدُ ثانيةً من مداخن الأكواخِ والبيوتِ الجريحةِ الأدخنةُ، رافعةً مرةً أُخرى رايةَ الحياة.. رايةَ النصر؛ ومع أنينِ أوتارِ كَمنجةَ كوميداس يشقُ الاخضرارُ طريقهُ إلى السهولِ المحروقةِ، فتكتسيَّ ثانيةً ثوبها القشيبَ المحاكَ بسواعدِ الرجال السُمرِ وأكُفّهم الخشنة، وخريرُ المياهِ يعيدُ إلى الطواحينِ تنهُّداتِها وهي تستعدُّ لعُرسِ التلاحمِ مع حنطة السنابل، التي استقامت بعد احديدابٍ واحتراقٍ؛ ويعود الدفءُ ضيفاً عزيزاً على التنورِ يعانقهُ ويخلعُ عنهُ قميصَ الصقيع

 

 

 قميصَ القهرِ فيُهَدْهِدُ الاحمرارُ ثانيةً في جوانبهِ فيبتسمُ فاتحاً ثغرَهُ بلهفةٍ لاستقبالِ عجائن النِسوةِ وهو يتراقصُ طرباً على إيقاعات أكُفهِّنَ وهنَّ يربتن على رقائق العجينِ التي تنداحُ إلى جوفِ التنورِ الذي براهُ الشوقُ الى رائحةِ الخبزِ؛ ومع صفيرِ السماور، وأصداء ارتشافِ الشاي الساخنِ، يُلملمُ الشعبُ آلامهُ وجراحهُ، وتبدئُ غيومُ الوحشةِ الداكنةِ بالارتحالِ مفسحةً المكانَ لليالي السَمرِ الحميمة.
 


ولكن متى كانت الذئابُ تُؤْتمنُ؟ ومن يفترشُ غافياً والأفاعي تحومُ حولهُ بفحيحها المقيت؟
 


ومرةً أُخرى تتكالبُ قوى الشر التي يسوئهَا زهوةُ الزهرةِ الأرمنية اليافعة، اليانعة، وتعدُّ العُدّةَ لتُسجي الظلمة على الفجرِ المُنبلِجِ.. ويحلُ اليوم المشؤوم، يوم 24 من نيسان 1915..

وتقعُ الكارثةُ على الشعبِ المسالم، وتحيقُ به ظلمةُ أولِ وأهولِ مجزرةٍ في القرن العشرين.. الجرحُ كالأخدودِ عميقٌ بليغٌ، والمصابُ جللٌ، والفديةُ غاليةٌ غالية.. مليون ونصف المليون شهيدٌ.. وطريقُ التهجيرِ المروعةُ عبرَ صحراءِ دير الزور.

وماذا بعدُ؟!

ليس الأرمنيُ من يَحنيَ رأسهُ المُدمّى.. ليس الأرمنيُ من يسمحُ للطواغيتِ أن يُلبسوهُ رداءَ الموتِ.. فالشعبُ.. والشعبُ الأرمنيُ وحدهُ المتحدُ مع القائمِ من بين الأموات، كتب ويكتبُ وسيكتبُ قدَرَهُ بريشةِ الخلودِ، ونَفَسِ الإيمان؛ وستكونُ السطورُ _كما عَهِدْنَا_ سطوراً ألقةً، وضاءةً على صفحاتِ التاريخِ.
 


أصيخوا السمعَ جميعُكم، لتاريخِ وحاضرِ هذا الشعب العريق، الذي يقفُ راسخاً كالطودِ الشامخِ، لتوقنوا أنَّ الغد لنا؛ أصيخوا السمعَ جميعُكم، لنبضِ ولثغةِ وابتسامةِ وتجهمِ كلِّ مولودٍ أرمني، لتوقنوا أنَّ كُلَّ مولودٍ أرمني هو انفجارُ حياةٍ مشرقةٍ وتضحيةٍ مُشرّفة، فكلُ نفْسٍ ونَفَسٍ أرمني يحيكُ بإبرِ الإرادة ونول الكرامةِ الفولاذيين عَلَمَ أرمينيا التاريخية، الحرة، المستقلة.
 


فأينما كنا، تصدحُ حناجرُنا مرتلةً التراتيلَ الملائكية، والأغاني الوطنية المضمخةَ بدماءِ الشهداء الأرمن، وتتصاعدُ بخوراً منبأً ومعلناً للعالم أجمع، بأن وجيبَ قلبِ الأمة الأرمنية ما زال ينبضُ.
 


فكل من رَصَفَ أو أعلى حجرةً في الواحةِ الأرمنية أودعهُ قلبهُ، وذاكرةَ آلاف السنين من التاريخ والحضارة؛ وبدماءِ وعرقِ كُلِّ واحدٍ منا تماسكت أركانهُا، فمع كُلِّ رنةٍ من رنين نواقيسِ الكنائس الأرمنية، ومع كُلِّ نشيدٍ وطنيٍ أرمنيٍ، تعلو أصواتُ الشعبِ الأرمني في أرجاءِ المعمورةِ مُرددةً منبأةً بعنادٍ: كنا.. باقونَ.. وسنبقى.
 


ولأرواحِ ودماءِ شهدائنا نقولُ: قسماً لن نخذلكم.. من جلجلةٍ إلى جلجلةٍ لن نخذلكم وعلى دروبِ النصرِ أو الشهادةِ قسماً نلقاكم.

 

 

https://www.facebook.com/you.write.syrianews

 

2015-05-07
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد