يوم أمس انضمت إلى عائلتي الطفلة كارمن ، ومع ولادتها تقاطعت آلاف التساؤلات في عقلي ، وشطرت بوجودها خيالي بين الواقع المأساوي الذي نعيشه في سورية والآمال والتمنيات بحدوث ما يصعب علي البعض أن يتوقعه من مشهد سريالي يميزه عبق السلام وانتهاء الحرب الكونية العبثية وعودة كل المهاجرين والمهجرين إلى حضن الوطن الدافئ الحنون الذي يزيل الجراح والمعاناة وآثار العذابات والأهوال التي عصفت بنا جميعاً في لحظة غادرة من الزمن والتاريخ .
كان وجهها الناصع البياض وابتسامتها الملائكية تعكس أسمى هدية تلقيتها من أعالي السماء حيث لا وجود للمدافع والصواريخ ، وأدوات القتل والتدمير والذبح والتكفير ، وفي زحمة التساؤلات فرض علي السؤال الحاد نفسه والذي نتشارك نحن السوريون في طرحه . لمِ اجتمعت كل وحوش الأرض ومجرميها على أرضنا واستباحت سمائنا ، ولم ترحم فلذات أكبادنا وأمهاتنا وشعبنا بكل أطيافه وثرواته الاجتماعية والروحية والثقافية والجغرافية والتاريخية .
لقد ولدت هذه الطفلة كحال الكثيرين على حدود الوطن رغم أنه جزء منا ولا يمكننا الانفصال عنه ولكن هل يمكن أن نؤمن لهذه الطفلة البريئة الأمان كما حال بقية أطفالنا في كل مكان . هل يحق لهم أن يتمتعوا بشهقة هواء نظيف لا تلوثه القنابل والصواريخ والدخان والنار . وأن يحظوا بشيء من الهدوء والأمان دون أن يرتجفوا رعباً وهلعاً من أصوات الرصاص وبقية وسائل الدمار . أي مستقبل وفرح وسعادة نؤمنها لأطفالنا اليوم . ألم يحن الوقت لصحوة ضمير تجعلنا آباءً صالحين لأبنائنا ومجتمعنا والأجيال التي تنتظر منا علاقة حضارية مع الوطن ومحيطه الأممي .
لقد خضنا عبر التاريخ كل ألوان التعاون والتعامل
والفلسفات والسياسات والنظم على اختلافات مشاربها الكونية ، وتعرفنا على السيادة
والفخامة والملوك والشيوخ والسلاطين والأمراء ، ولم يتعرف العالم على جلالة الأطفال
ورقيهم ، ولم يحظى الأطفال بفرصة مسؤولية في زمن السلام الأعرج على مستوى المعمورة
فكيف في زمن الحرب ، ولم تتح لهم فرصة يتيمة تحترم مطالبهم ومشاعرهم وأفكارهم
وبراءتهم من كل ظروف الصراعات ، ولم يسألوا يوماً عن اختياراتهم ... هل تريدون
الحرب ؟ . هل تريدون أن تفقدوا آبائكم ؟ . أمهاتكم ؟. بيوتكم ؟. أصدقائكم ؟ .
ألعابكم ؟. مدارسكم ؟ . ومع ذلك يفقدون حياتهم . يفقدون كل شيء .هم ضحايا من
يتحملون وزر التعصب والأنانية والتخلف والغرور والانحطاط والوحشية ، والقرارات
المتسرعة حيث الحكمة قد تم تغييبها عن يقظتنا ووعينا وممارساتنا وسلوكيات
حياتنا ، وقد أصبحنا أشباهً لنوع غريب من البشر. فضلنا على أطفالنا دين المال
والسياسة ، واستثمار الحجر وتدمير الوطن . هل يمكن أن نرتقي يوماً إلى مستوى
الانسانية . ونبدأ بإعادة صياغة علاقتنا بالطفولة وبمكانتها وحقوقها المنسية ، وأن
نتقبل يوماً الحوار معها حيث يمكنها تزويدنا بالحكمة المفقودة ، وأن ترفع من
مكانتنا وقيمة وجودنا في مواجهة ظلمنا لها ، وتحمينا من عبثيتنا وتهورنا بأساليبها
المبدعة ، وتدفعنا للتأني وتصويب قراراتنا التي لا تراعي مستقبلنا ، وتحكمنا
بديمقراطية عدل ورحمة وانصاف لم يعرفها تاريخ البشرية . ( حقاً الأطفال هم العالم )
.
وبينما كنت أسترسل في تخيلاتي المخيفة نظرت
إلى وجه ابنتي البريئة والدموع تفيض في عيوني : (سامحيني يا جلالة الطفلة السورية
كارمن ). سامحوني يا جلالة كل طفل وطفلة في بلادي على ترهات أفكاري . سامحوني لأنكم
ككل الأطفال في العالم لن يُسمح لكم بتحقيق العدل والمساواة ، وقد تواجهون حكم
الاعدام لإيمانكم بإنسانية الانسان كما حال واقعكم اليوم . متى يستطيع الأطفال أن
يبوحوا بأسرارهم وأحلامهم والعيون تغرق في بحر الخوف والقلق والعنف والاستغلال
والموت تحت سمع وبصر العالم وصمته .
https://www.facebook.com/you.write.syrianews