على مدى السنين والشهور بحثت بحثاً دقيقاً متواصلا إلى أن توصلت إلى معرفة سر الحياة والموت وما إذا كانت النفوس تعود إلى التجسد بعد مفارقتها أجسادها البالية.
بالنسبة لمعظم الناس تلك تبدو فكرة ليس أكثر، أو محض اعتقاد نظراً لانعدام البرهان. لكنني لا أتحدث من منطلق الاعتقاد وحسب، إذ وجدت الدليل على الحياة بعد الموت وعلى العودة إلى التجسد. ولذلك أستطيع أن أؤكد هذه الحقيقة من تجربتي الشخصية.
ومع أن الإنسان ينظر إلى الموت برعب وحزن، فإن الذين سبقونا إلى تلك العوالم السعيدة يعتبرون الموت تجربة رائعة من الفرح والسلام والحرية.
ما أروع الحياة بعد الموت! إذ لا ضرورة لنتع هذه الحزمة الثقيلة من العظام مع كل ما يرتبط بها من آلام ومشاكل.
النفوس في العالم الأثيري تحتفظ بوعيها وتسعد بتحررها من كل العوائق الفيزيقية المادية.
عند الموت ينسى الإنسان محدوديات الجسد المادي ويدرك كم هو حر طليق. هناك إحساس بالخوف لبضعة ثوان.
الخوف من المجهول.. الخوف من شيء غير مألوف بالنسبة لوعي الإنسان. لكن بعد ذلك تختبر النفس معرفة عظيمة وتحس بفرح غامر للإنعتاق من كل القيود، لا سيما الإحساس بالوجود خارج القفص الجسدي.
ليس هناك ما يدعو إلى الخوف، لإنه ما لم يمت الإنسان فهو ما زال حياً، وعندما يموت تكون النهاية ولن يبقى عندئذ من شيء يستحق الخوف.
الموت تجربة عامة:
تغيير يمر به كل إنسان.. فلنعزّ أنفسنا بأن الموت يحدث للجميع.. وأنه بمثابة فترة استراحة من أعباء الحياة وهمومها الموت تجربة ممتعة، ولكن يجب أن لا يتمنى الإنسانُ الموتَ هرباً من دروس الحياة القاسية في مدرسة الحياة هذه.
فالهروب خطأ ومهما كانت ظروف الإنسان على هذه الأرض يجب أن يواجهها بجرأة وشجاعة. وعندما ينجح في مواجهته الحياة هنا يكون الموت بمثابة جائزة مستحقة عن جدارة.
الموت ليس نهاية، بل تحرر وقتي يمنحه قانون العدل الإلهي (الكارما) للنفوس عند أدائها وظائفها خير أداء، أو عندما ينهك الألم قواها فلا تقوى على تحمل العيش ومواصلة السير.
الموت بالنسبة للمتألمين (والمتأملين) هو بمثابة انبعاث من عذابات الجسم الأليمة إلى حالة من السكينة واليقظة والسلام. بالنسبة لكبار السن هو بمثابة معاش (تقاعد) مستحق بفعل العمل والكفاح المتواصل على مدى سنين طويلة. وبالنسبة للجميع هو بمثابة راحة مرحب بها. لكن أثناء تلك الراحة تستيقظ الرغبات المتناومة التي لم يتم تحقيقها أثناء الوجود الأرضي فتشعر النفس بضرورة تحقيقها. وعندما تصبح تلك الرغبات قوية بما فيه الكفاية تنجذب النفس إلى الأرض فتتجسد بالولادة من جديد.
إن ذاتنا الحقة أو روحنا هي خالدة في جوهرها. فقد نهجع لفترة بفعل ذلك التغيير الذي يدعى موتاً ولكن مستحيل أن تفنى هويتنا الذاتية. إننا موجودون ووجودنا هذا أبدي. الموجة تأتي إلى الشاطئ ثم تعود إلى البحر دون أن تفقد جوهرها، بل تتوحد مع المحيط أو تعود ثانية على شكل موجة أخرى.
الجسم بزغ من المحيط الكوني وسيتلاشى لكن جوهر الروح الذي يقطن الجسد لن ينعدم طوال الأبدية. لأن فناء ذلك الجوهر الإلهي هو أمر مستحيل.
لماذا نبكي عندما يموت أحباؤنا؟
لأننا نشعر بالحزن لخسارتنا. إن فارقنا أحباؤنا للدراسة في مدارس أفضل من مدارس الحياة فينبغي لنا أن نفرح لهم بدل الحزن عليهم. فالحزن على النفوس المفارقة يبقي تلك النفوس مشدودة إلى الأرض بحبال أحزاننا مما يعيق تقدمها في مستويات أعلى من آفاق الله الرحبة.
الموت يأتي للعاملين بجد واجتهاد في الحياة كترقية إلى حالة ومرتبة أعلى. وبالنسبة للفاشلين يأتي أيضا ليمنحهم فرصة جديدة في بيئة جديدة لإعادة الكرة وإحراز النجاح.
غير المستنيرين يبصرون في الموت جداراً سميكا يواري للأبد أصدقاءهم وأعزاءهم وراءه. أما المتحررون من التعلقات والرغبات الأنانية.. الذين يحبون الآخرين كتعبيرات بشرية لله، يدركون أنه في الموت يعود أحباؤهم إلى الله ليتنفسوا في فضائه الرحب أنسام الحرية والسعادة النقية.
يجب أن نرسل أفكار المحبة للمفارقين وأن نسأل الله أن يمتعهم بالسلام والراحة في عالمهم الجديد. هذا يمكن أن نفعله بالتركيز العميق على النقطة ما بين الحاجبين وإرسال رسالة روحية إلى أحبائنا في العالم الآخر. كما يجب أن نبعث بأفكار التشجيع والمحبة إليهم. فإن كانت رسائلنا متواصلة لا بد أن يشعروا بها ويبادلونا نفس المشاعر. إذ هم بدورهم يفكرون بنا ويشتاقون لنا مثلما يفرحون كلما تذكرناهم وبعثنا لهم برسائل الحب والشوق.
وسيأتي اليوم الذي يجمع الله به شمل المحبين، وسنعرف عندئذ أن هذه الحياة البشرية ليست كل ما في الوجود، بل هي مجرد حلقة في سلسلة العلاقة الأبدية التي لا تنقطع مع أصدقائنا وأحبتنا في هذه الحياة وما بعدها
والسلام عليكم