news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
أمرٌ رائعٌ أن تحارب روسيا الإرهاب في سورية ولكن الأروع أن يكون لديها مشروعٌ سياسيٌ للحل .. بقلم : د. عبد الحميد سلوم

*لم يفتأ القادة الروس ، ولاسيما وزير الخارجية سيرجي لافروف بكثرة الحديث مؤخرا عن محاربة الإرهاب في سورية ، وقد وضع لافروف مع نظيره الأمريكي اتفاقا لذلك يوم الجمعة 9/9/2016 في جنيف، ولكن هل أدركَ السيد لافروف أنه حتى لو قضى على الإرهاب اليوم فسوف ينبتُ إرهابا جديدا من تحت الأرض ، كما ينبت نبات العلِّيق المؤذي الذي يلتفُّ على سيقان المزروعات كلما قطعتهُ ، ما لَمْ يكُن هناك مشروعٌ سياسيٌ لسورية يقوم أخيرا على الديمقراطية والتعددية والانتخابات الحرة والتداول على السلطة عبر صناديق الاقتراع .. وإلا سيبقى الروسي يتعامل مع النتائج والأعراض للمشكلة دونما وضعَ الوصفة الصحيحة للعلّة ..


**الروسي يعرف قبل غيرهِ أنه لم يكُن هناك إرهاب حينما اندلعتْ الاحتجاجات في سورية في آذار عام 2011 (ولكن كانت هناك شعارات طائفية في بعض الأماكن منذ البداية) ، وكانت مطالب الاحتجاجات واضحة لا تختلفُ عن المطالب التي رفعها المحتجون في العديد من البلدان العربية ، وكلها ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية تتعلق بنقلِ البلد نحو الديمقراطية والتعددية وإلغاء قانون الطوارئ ومكافحة الفساد ، وتحسين أحوال الناس المعيشية ، وإنهاء احتكار حزب البعث للسلطة (وأنا أساسا ابن البعث ولكن لم يكن ، ولا يوجد ، حزب بعث إلا بالاسم منذ عقود ، ومن الظُلم القول أن حزب البعث كان يحتكر السُلطة ، بل أعداء البعث كانوا سفراء ووزراء وأبناء البعث كانوا مقصيون ، والغدر وانعدام الوفاء كان شيمة الرفاق إزاء بعض، فضلا عن العصبيات الطائفية والجغرافية ، وهذه تجارب خبرتها بنفسي في مكان عملي السابق) ،.. الخ ..

 

ولا يمكن تجاهُل الحقيقة الساطعة وهي أن الاحتجاجات في سورية كانت بتأثير الاحتجاجات الأخرى في بعض البلدان العربية التي خرج فيها الشباب يطالبون بالتغيير وإرساء الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان ، ومكافحة الفساد وإيجاد فرص عمل وحل مشكلة الفقر والبطالة ... الخ , فكل مصائب الشعوب العربية واحدة ..


**هذه المطالب كانت مُحِقة ، وفي سورية كان هناك اعترافٌ بأحقيتها من طرف أهل السُلطة ، ولكن باعتقاد الكثيرين لم يكُن هناك عملا جديا كافيا نحو إنجاز تلك المطالب يعادل حجم الأحاديث والتصريحات إلإعلامية .. وتعديلات الدستور لم تُضِف شيئا جوهريا جديدا يتناسب مع مستوى المطالب والاحتجاجات ، واستبدال قانون الطوارئ بقانون مكافحة الإرهاب كان أسوأ بأضعاف من قانون الطوارئ ، وبات بالإمكان اعتقال أي شخص وكل أقاربه بتهمة دعم الإرهاب أو تشكيل حاضنة للإرهاب ، وكل من يُعتقَد أنه يؤيد ذلك ، فأصبح الحُكمُ حتى على النوايا !. وإن صدفَ أن أحدا من عائلةٍ اعتقلوهُ ، أو اتهموه (دون محاكمة) وظُلما بالإرهاب ، فإنهم يعتقلون كل العائلة بحجة أنها حاضنة للإرهاب ، وهُم لا ناقة لهم ولا جمَل بشيء ، وقد يكونُون من المؤيدين للدولة وبعضهم يقاتلون مع الجيش السوري الرسمي على جبهات القتال ، ولكن هذا لا يشفع لهم !. وهذا ليس كلاما إنشائيا وإنما الشواهد موجودة وأستطيع سردها !. فهل من ظلم أكثر من هكذا قانون !. يرحم زمن قانون الطوارئ!.

 


*ولذلك أمام اعتقاد الكثيرون بأن هناك استهلاك للوقت وعدم جدية في الاستجابة لتلك المطالب ، اتّجهت الأوضاع نحو التصعيد ونحو العُنف ، والعُنف جرّ العُنف ، وتعقيد المشكلة في الداخل سمحَ لكافة الدول الإقليمية والدولية في ممارسة اللعب في الميادين السورية ، وتصاعدت الأمور إلى مجموعات مسلحة ثم تنظيمات مسلحة ، ثم تنظيمات إرهابية ، وهكذا كانت تتفاقم الأوضاع إلى أن بدأ القتال والحرب وبدأ التراجع للدولة وسيادة الدولة من كافة المعابر مع تركيا ، ومن ثم بدأ توسُّع التنظيمات المسلحة على حساب سيادة الدولة السورية ، وكان ما كان إلى أن وصلنا إلى ما نحنُ فيه اليوم من مآسٍ وكوارث !.. فسورية كانت أشبهُ بِمن أصيبَ بِجرحٍ عميقٍ لم تتم مداواته بالشكل الصحيح فتقيّحَ وامتلئ بكتيريا وجراثيم وسموم ووصلت سمومه إلى الدّم ، فبات العلاج أصعب بكثير!..

 


*إذا ،هناك أساسٌ وأسبابٌ لكلِّ ما حصل وذلك من قلبِ الداخل السوري ، والحديث عن مؤامرات الخارج ليس سوى ذريعة ، بنظر البعض ، للهروب من المسئولية الداخلية عن الأسباب التي دفعتْ الناس للشوارع ، ومسئولية الدولة ومسئوليها عنها !.. قد يكون البعض في الخارج استغلوا أحداث الداخل من أجل مآربهم وخدمة مصالحهم ، وهذا حصلَ ، ولكن ليسوا هُم من خلقوا أوضاع الداخل وتسببوا بالاحتجاجات ، فهذه كانت لها كل مبرراتها وأسبابها ومنذ سنين طويلة !. فهل كانوا في الداخل يتآمرون على أنفسهم ؟. لا أعتقد ذلك ، ولكن لم يكونوا مدركون للنتائج الخطيرة التي ستنجم عن كل ممارساتهم ، مع أن الكثيرين من الناس العاديون من داخل حزب البعث من أصحاب الرؤية الصحيحة كانوا يحذرون من النتائج الكارثية لكل تلك الممارسات ، ولكن لم يكُن أحدٌ يعيرهم اهتماما !. هل لأحدٍ أن يُفسِّر من أين جاء أولئك المسؤولون السابقون المقيمون في باريس ، وأولادهم ، بكل تلك الثروات ؟. أولئك ليسوا استثناء وإنما نموذجا عن غالبية من تولوا مواقع المسئولية على مدى عقود طويلة !.

 


*هناك من يجادل أن كل المشاريع السابقة للتسوية في سورية فشلت لأن الروسي تجاهلَ حتى اليوم الأسباب الحقيقية لأصل الداء في سورية ، ولجأ أيضا للمناورة والالتفاف على الأسباب الحقيقية ، وركّزَ أيضا على نظرية المؤامرة ، مُتحدثا عن حق الشعوب وحدها بتغيير الأنظمة (وهذا صحيح تماما) ولكن دونما أن يضع آليات تسمح للشعوب بممارسة ذاك الحق بشكلٍ ديمقراطي حرٍّ وشفاف وبإشراف دولي !. يعني انطبق عليه القول ( صحيح لا تقسُم ، ومقسوم لا تاكول ، وكول لتشبع.. !. ) !.

 


*الروسي على ما يبدو حكمتْ مواقفه في سورية معادلات المقايضة في جزيرة القرم وفي أوكرانيا ، وفي تمدُّد حلف الأطلسي شرقا نحو جورجيا وأوكرانيا ، وفي نصب الدرع الصاروخي ومستلزماته في بولونيا وتشيكيا وبلغاريا ورومانيا ، والعقوبات الغربية ، فرسَمَ استراتيجيةُ مواجهةٍ لذلك وكان من ضمنها محاصرة شرق أوروبا والأطلسي من مياه المتوسط ومن شرق المتوسط ، من سورية !.. وطالما الروسي لم يقبض حتى اليوم الثمن الذي ينتظرهُ ، فإن موقفهُ سيستمر يدور في ذات الدائرة مع بعض المناورات التي توحي ببعض التغييرات الشكلية وغير الجوهرية !. وهذا يعني أن الحل في سورية ، والانتقال نحو الديمقراطية والتعددية والحريات العامة ليس أمرا قريبا !. وقد جاءت تصريحات الرئيس بوتين لوكالة بلومبرغ في 2 أيلول ، لتَصُبَّ في هذا الاتجاه حينما قال : أنهُ ( من الأفضل أن نتحلى بالصبر ونعمل على المساهمة في تغيير هيكلية المجتمع، وننتظر حصول التحولات الطبيعية في داخل البلاد... ) !!. ولكنه لم يُحدد لنا كم سنة أو كم عقدا من الزمن سوف يستغرق ذلك !.

 


*دوما يتحدثون عما آلتْ إليه الأوضاع في العراق وليبيا ، ولكن لا يعترفون أن صدام حسين والقذافي هُما المسئولان الأساس عما آلت إليه الأوضاع في ليبيا والعراق بسبب التعنُّت والحماقة ، واستراتيجية : إما أنا الحاكم وإلا لِتفنى البلد .. ولذا احترقت ليبيا والعراق .. وإلا لماذا لم تحترق تونس ومصر ؟. الجواب سهلا ، لأنه لم يكُن هناك تعنُّتا وحماقة كما كان لدى القذافي وصدّام !. ورغم ما يجري في ليبيا والعراق فلا أعتقد أن هناك ليبيا واحدا (إلا ما ندر) ولا عراقيا واحدا ( إلا ما ندر) يحنُّ لنظام القذافي أو صدام حسين !. فما حصل في ليبيا والعراق كان أشبه بالزلزال وكل ما يجري هي ارتدادات لهذا الزلزال وسوف تستقر الأرض بعد ذلك مهما طالتْ الارتدادات!.

 


*الروسي يخشى من غلبة الإرهاب في سورية (ومعه الحق في ذلك) ، ولكن لا أعرف إن كانَ يؤمن بأن الحل السياسي على قاعدة الديمقراطية والتعددية والانتخابات الحرة وتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع، سوف يساهم كثيرا في تقصير عُمر الإرهاب !.


*للأسف الرئيس بوتين على ما يبدو لم يسمع هتافات الشعوب في تونس وليبيا ومصر ، وقبل ذلك بزمنٍ في العراق ، بأن هذه الشعوب تريد تغيير هذه الأنظمة نحو أنظمة عادلة وديمقراطية وتعددية وحُكم القانون والعدالة وتكافؤ الفرص ويأخذ كلٍّ دوره بحسب أقدميته وتراتبيتهِ ومؤهلاته في الدولة ، بدل تقفيز الناس على بعضها بعضا ، والتمييز بينها بحسب الواسطة والدعم والقرابات والشخصنات والكيديات ودونما أدنى معايير وأخلاق وضمير !. وعلى أثرِ أصواتِ الشعوب ، ارتفعتْ أصوات القادة في الغرب مطالبة الأنظمة بالرحيل ، ولكن لم يكُن قادة الغرب هُم أصحاب هذا الشعار ، وإنما هُم عكسوا ما رفعتهُ الشعوب في وجه أنظمتها !..

 

وحينما يتمسّك أي شعبٍ بنظامِ حكمهِ فلا يستطيع كل قادة الغرب أن يتحدُّوا إرادة الشعوب ، ولكن هل هناك من يعتقد أن قادة الغرب ساذجون ولا يدركون أن الشعوب العربية (إلا ما ندر) مغلوبٌ على أمرها ومحكومة من أنظمةٍ مفروضة عليها فرضا بالقوة ؟. وهل من شعبٍ يُفرضُ عليه نظام الحُكم فرضا بالقوة ، فسوف نتوقع منه أن يحب أولئك ويرغب في بقائهم ؟.أعتقد أن الرئيس بوتين يعرف الجواب أكثر من الجميع ، لأنه عاش تجربة سقوط نظام الاتحاد السوفييتي الذي كان مفروضٌ بالقوة ، وحينما كانت هناك فرصة للخلاص منهُ فقد رفضتهُ كل شعوب الإتحاد السوفييتي ، بل كان في مقدمة من رفضوهُ وتخلوا عنه هُم القيادات الشيوعية السوفييتية قبل غيرها !. وشاهدنا آخر وزير خارجية الاتحاد السوفييتي إدوارد شيفرنادذة رئيسا لدولة جورجيا المستقلة وتخلّى عن كل شيوعيته ، وهكذا كانت كافة القيادات السوفييتية !.

 


** سورية رهينة للصراعات الإقليمية والدولية ، صراع روسيا والغرب في أوكرانيا والقرم والدرع الصاروخي وتمدد الأطلسي شرقا ، والعقوبات الغربية ، كل ذلك انعكسَ على سورية !!. وصراع السعودية وإيران على النفوذ والزعامة في المنطقة انعكس على سورية .. والشعب السوري هو من دفعَ ويدفع الأثمان .. ولذلك، الحل ليس بهذه البساطة ولا بهذا القُرب ، ما لمْ يتخلى الجميع عن أنانياتهم لمصلحة خلاص الشعب السوري من هذه المأساة !! فهل سيفعلون ؟. سننتظر لِنرى على ضوء اتفاق لافروف – كيري يوم الجمعة 9/9/2016 ومدى نجاح هذا الاتفاق ...


*قد يقول قائلٌ : ولماذا تتحدث عن روسيا ومسئوليتها ولا تتحدث عن الولايات المتحدة ؟. والجواب بسيط ، وهو أن الولايات المتحدة أعلنت موقفها منذ البداية وهو أنها مع الديمقراطية والتعددية والحريات .. ولسنا هنا بصدد تحليل النوايا وفيما إن كانت الولايات المتحدة صادقة أم كاذبة ، وإنما هذا كان موقفها المُعلَن ،، بينما لم يكن هذا موقف روسيا ،، ولم يكن كذلك موقف إيران !. نأمل أن تكون روسيا وصلت للقناعة ، وهي أن أي حل عسكري لا يمكن أن يحل المشكلة ولا بُدّ من ترسيخ حلٍّ سياسي يقوم على الأسس التي أشرتُ إليها آنفا !. ومشوار الألْف ميل يبدأ بخطوة ، ولكن متى ستبدأ هذه الخطوة ؟. وهل إتفاق كيري – لافروف هو بداية الخطوة ؟. نأمل ذلك !..


**وأنوِّه أخيرا أنني قرأتُ أن مجلس الشعب السوري يسعى لإصدار قانون يحمي المواطن من التقارير الأمنية الكيدية ولا يسمح بتوقيف المواطن لدى الأجهزة الأمنية إلا لبضعة أيام من دون إحالته للقضاء ، ولكن السؤال كيف يمكن تطبيق ذلك في ظل قانون مكافحة الإرهاب ، فليس أسهل من اتهام أي شخص بالإرهاب في هذا الزمن ، أو أنه حاضنة للإرهاب أو داعم للإرهاب ، أو غير ذلك !.

 

 

https://www.facebook.com/you.write.syrianews/?fref=ts

2016-09-24
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد