*الأمر يكاد أن لا يُصدّق حينما تسمع أن الشرطة
في إسرائيل تحقق مع رئيس وزراء إسرائيل القوي والمُنتخَب بقوة من قبل مواطنيه ..
والأغرب أن التُهمة هي تلَقِّي هدايا يُشكُّ بانها رشاوى .. نتنياهو الذي يسير
متماهيا ومختالا كما الطاووس متحديا حكام العرب جميعا وضاربا عرض الحائط بكل ما
يصدر عنهم من مبادرات وعن اجتماعاتهم من قرارات .. وطائراته تسرح وتمرح على راحتها
فوق سماء سورية ولبنان ، وتقصف حيث تشاء ومتى تشاء ,، نتنياهو هذا يحقق معه شرطي في
بلاده بتُهمةٍ تُعتبرُ في البلدان العربية ولدى حكام العرب ومسؤوليهم مسألة تافهة
وسخيفة ومُضحكة !!.
**نحن ننعت إسرائيل بالكيان ، ولا نعترف عليها كدولة ، ولكن هذا الكيان ( الإجرامي المُحتل) يحكمه القانون ولا يوجد فيه من هو أكبر من القانون ، وأكبر مسئول به يودعُ السجن إن ثبتت التهمة بحقه ، كما حصل مع أولمرت رئيس الوزراء السابق الذي حُكِم بالسجن سنة ونصف بتهمة تضليل التحقيق .. وكذلك مع رئيس هذا الكيان السابق كاتساف .
*لو كانت البلدان العربية محكومة بالقوانين والمعايير والقضاء المستقل والنزيه فكم
حاكمٍ عربي ، وكم مسئول عربي سنراه خارج السجن ؟؟. أعتقد ولا واحد ، وجميعهم سيُحكم
عليهم بالسجن مدى الحياة !!. منهم من وصلوا للحكم واستلموا مواقع السلطة من قلبِ
الفقر المدقع ، ولكنهم باتوا بفضل السلطة ومواقع المسئولية من اثرى اثرياء العالم
!.. وكلما تكاثرت ثرواتهم كلما تكاثر الفقر والحرمان والجوع والبطالة في بلدانهم ،
ولم يخضعوا للتحقيق لا من شرطي ولا من قائد شرطة .. شعوبهم لا تعنيهم بمثقال ذرة ،
لأنها لا تملك من أمرها شيئا ، وهي شعوب مُستباحة ، وثروات أوطانها مستباحة ،
والدولة وقوانينها مستباحة ، وكل شيء مستباح لأنه أولاً لا توجد دولا إلا بالاسم ،
وحتى الشعوب حولوها إلى أرقام بعد أن دجّنوها بالجزمة والسجون والقمع ، وصارت فاقدة
لكل اشكال الإرادة والمشيئة والمقدرة .. فالقانون معدوم والدول مستباحة والشعوب
مدعوسة ، والأخلاق والضمير لدى الحكام ومسئوليهم معدومة (مع وجود استثناءات بالطبع)،
فكيف لن تهوي هذه الدول إلى الهاوية ، وكيف لن تنهزم أمام الكيان الإسرائيلي ، الذي
يحاسب أكبر مسئولية بأسخف التهم !.
*الهدايا في بلدانهم ممنوعة لأنها شكلا من اشكال الرشاوى .. في الولايات المتحدة
ممنوع أن يمتلك الرئيس هدية يزيد ثمنها عن خمسين دولارا ، وأكثر من ذلك فيجب
تسليمها للدولة وتوضع في متحفٍ خاص بهدايا كل رئيس !..
*في فرنسا تمت محاكمة الرئيس جاك شيراك بعد نهاية رئاسته بتهمة تأجير شقة تابعة
لبلدية باريس، حينما كان رئيسا للبلدية ، وذلك لأحد أبنائه بسعرٍ أقل من السعر
المعمول به !. يعني هو لم يهدي الشقة لإبنه ولا لأحد الأصحاب والمقربين والمدعومين
، أو أحد الفاننين والفنانات ، وإنما الجريمة هي تأجير شقة بأقل من الأجرة الفعلية
!!.
*كان رئيس جمهورية الأورغواي "موخيكا" يوصف بأنه أفقر رئيس بالعالم .. فقد رفض
السكن بالقصر الرئاسي وفضّل أن يبقى مع زوجته في بيت ريفي خارج العاصمة "
مونتيفيديو" ، ولا يوجد إليه طريق مُعبّد !!. وكان لا يركب إلا سيارة الفولكسفاكن
التقليدية المعروفة (الخنفسة) أو الصرصور ... كان يتبرع بـ 90 % من راتبه البالغ 12
ألف دولارا بالشهر للجمعيات الخيرية التي أسسها لمساعدة الفقراء ويبقى له 775
دولارا !!. وبعد أن ترك الرئاسة ، ذهب إلى تركيا بدعوة من الحزب المعارض فكان شرطهُ
أن يخصصوا له سيارة فولكسفاكن كما سيارته في بلاده ، وأن يحجزوا له في فندق 3 نجوم
!..
**أصغر ابن مسؤول عربي ، ولا نتحدث عن أولاد الحكام ، لا يقبل أن يركب إلا أحدث
السيارات الفارهة ، طبعا ليس من جيبة والده وإنما من جيبة أخيه المواطن التعيس
المنكوب ، يعني من جيبة الشعب ، ويسير بها بجنون ويدعس على ابناء الشعب إن عرقل أحد
سرعة السيارة ، والويل لِمن يعترض !!.
**كل مسئول (عموما) يرأس مؤسسة ، يديرها حسب ما يرتأي مزاجه أو مزاج شوفيره أو
سكرتيرته .. تصوروا لو أن وزير خارجية إسرائيل مثلا (وهو نتنياهو ذاته) فوّض سائقه
بإدارة أمور الوزارة ومنحَه صلاحياته الشخصية بفعلِ وتقريرِ ما يريد ؟!. كيف سيكون
موقف الكنيست منه ؟ وكيف سيكون موقف القضاء منه ؟. هذه فَعلها وزير خارجية عربي
ومنحَ صلاحياته لسائقه الذي بقي ثمان سنوات الآمر والناهي في الوزارة !!. هل من أحدٍ
حاسبهُ أو ساءلهُ ؟. كلا لم يُسائله أحدٍ .. دعس في وزارته على كل مفهوم القانون
والمعايير ، فهل من أحدٍ ساءلهُ ؟. كلا ... لماذا ؟. لأننا في دولٍ مستباحة من طرفِ
بعض المسئولين، فلا القانون ينطبق عليهم ، ولا الضمير ينخزهم ، ولا الشعور
بالمسؤولية الوطنية متوفر ، إلا بالمزايدات الفارغة ، ولا توجد المؤسسات الفعلية
القادرة على المساءلة !!. فكيف بربكم يمكن لهكذا دول أن تتقدم خطوة للأمام ؟. وكيف
لهكذا مسئولين غير أمناء على مسئولياتهم أن يصنعوا دولة مؤسسات ؟.
*وزير خارجية عربي من ذوي الوزن الثقيل يذهب بمهمة رسمية إلى أنقرة لتهنئة رئيس
تركيا المُنتخب حينئذٍ (عبد الله غول) ، ويضع معه بالوفد رسميا سائقه ، بعد منحهِ
لقب مستشار على الجواز ، ثم يجلس هو والسائق مقابل رئيس تركيا ... لم يجد أرفع
مرتبة ، وأكثر اعتبارا ومكانة من السائق حتى يصطحبه عضوا في الوفد ويجلس بجانبه ،
مقابل رئيس تركيا !!. هل من مهزلة أكثر من ذلك ؟. هل من ازدراء لمفهوم الدولة أكثر
منذ لك ؟. هل من تصغير لكوادر الوزارة أكثر من ذلك ؟.
**عند حكام العرب يوزعون البيوت المبنية من أموال الشعب ، للأصحاب والأحباب والأهل
والأقارب والمدعومين ، كما يوزع بابا نويل السكاكر في عيد الميلاد !!.. أما
السيارات ، فهذه لا تستحق الحديث ، إنها شربات ماء!..
**أحيانا تصاب بنوبة من الضحك وأنت تسمع مسؤولة أو مسؤول يقول لك : يا اخي نحن في
دولة قانون ... وكل شيء يتمُّ وفق معايير وأسس !!.. بينما الجميع يعرف لو أن هناك
قانون ومعايير وأسس ، لما كان هذا المسئول أو المسئولة في مواقعهم .. ولو كان هناك
حكم القانون والقضاء المستقل ، لكان غالبية الحكام العرب(حتى لا نعمم) ومسئوليهم
محكوم عليهم بالمؤبد !!.
**صحيفة الغارديان البريطانية تشير في افتتاحيتها يوم 3 كانون ثاني 2017 ، أن
الفساد في الدول العربية أدّى إلى إهدار كم هائل من الموارد.. وتقول الأمم المتحدة
إن ما يقرب من 11 تريليون دولار نُهِبت خلال نصف قرن كان يمكن لهذه المبالغ أن
تستثمر في إيجاد فرص العمل وتحسين الخدمات الأساسية ... وتضيف الصحيفة ( أن الأسباب
التي فجّرت الثورات العربية لم تتبدد ولم تختفِ ، بل لعلّ الظروف اليوم أشدُّ وأنكى
من عدة جوانب .. والأوضاع أكثر قابلية للانفجار مقارنة بعام 2011 ) ... والصحيفة
حصلت على معلوماتها من تقرير التنمية الصادر عن الأمم المتحدة مؤخرا !..
**لا ندري من نهب 11 تريليون في الدول العربية خلال نصف قرن ؟. طبعا إن فُتِحت
التحقيقات الرسمية فسوف يظهر مع الحُكام أن الشعوب العربية (العميلة الخائنة
المتآمرة على أوطانها) ، هي من نهبتْ هذه الأموال ... وتركَت الحكام ومسئوليهم
يعيشون العَوز والحاجة والفقر والحرمان !.. ولذا فهذه الشعوب تستحق التأديب ، وذلك
بشهادة جيوش من المتملقين والمنافقين واللاعقين الذين مهمتهم الدفاع عن كل خللٍ
وعَوَجٍ وإهمالٍ وتقصير !..