**منذ صدور بيان جنيف في صيف 2012 والتفسيرات
المتعددة والمتناقضة قائمة حول مفهوم الانتقال السياسيي في سورية .. فوفد الحكومة
له تفسيراته ، ووفود المعارضات لها تفسيراتها !.. فهل المسألة بهذا الغموض والتعقيد
الذي لا يسمح بتفسير معنى الانتقال السياسي ؟.. كلا هي ليست كذلك ، والجميع يعرف
ماذا يعني الانتقال السياسي في بلدٍ كما سورية .. ولكن الإرادة للحل السياسي غير
متوفرة للآن، وغير مطروحة بعد، ولذلك لا بُدّ من تعقيد الأمور بالتذرّع أنه لا يوجد
وضوح في معنى الانتقال السياسي !..
**حينما تنتقل من بيتٍ قديم إلى بيتٍ جديد ، فهذا يعني أنك تركتَ وغادرتَ البيت القديم كلية ، وأسّستَ بيتا جديدا يتناسب مع رغبات أولادك ، ومع حاجاتهم ، ويوفر لهم المزيد من الراحة والاطمئنان !.. فالانتقال للبيت الجديد ليس وقْفا على فردٍ بالعائلة وإنما على كافة أفرادها ، وبالتالي الجميع سيكونون في وضعٍ مريحٍ أكثر !.
*الانتقال السياسي في سورية لا يعني تسليم السلطة من طرفٍ لطرفٍ آخرٍ .. فالمسألة
ليست تسليم واستلام وكتابة محضر بهذا الخصوص .. إنه يعني التأسيس لدولة جديدة
مُستقرة في سورية يعيش فيها الأبناء والأحفاد والأجيال القادمة بأمنٍ وأمانٍ
واطمئنانٍ تقوم على قواعد مؤسساتية وعلى سلطة القانون والعدالة والمعايير والمساواة
وتكافؤ الفرص ويتمتع بها كل مواطن بكل حقوق المواطنة ، ويتمُّ فيها التداول على
السلطة عبر صناديق الاقتراع ، ويخضع فيها الكبير قبل الصغير للمساءلة والمحاسبة حول
أي أمرٍ مهما كان بسيطا ، كما نرى في الدول التي تقوم على حكم القانون والمؤسسات
وليس حُكم الأفراد الذين لا يخضعون للقانون ويحكمون بأمرهم فقط وكأن الدول
والمؤسسات مزارع خاصة وحقهم أن يتصرفوا بها كيفما يشاؤون ويسندون المناصب لِمن
يشاؤون في غيابٍ كامل لكل أشكال المعايير والمنطق والموضوعية!!.
**ومن هنا، وبعد أن اطّلعتُ على البنود الإثني عشر للحل في سورية التي تضمنتها ورقة
المبعوث الأممي السيد ديمستورا (كما نشرها الإعلام)، يمكن القول أن بنود الانتقال
السياسي في سورية يجب أن تكون واضحة وجلية جدا ، دون أي غموض وتفسيرات مختلفة
ومتعددة ، لأن المسألأة تتعلق بوطنٍ وشعبٍ ، ويمكني كمواطنٍ سوري وطني لا ينتمي إلى
"منصات" ولا مسارح ، ولا وفود مشاركة ، إيجازها بالبنود الإثني عشر التالية :
*أولا : عدم التفريط بذرّة من تراب سورية ، والحرص على وحدة أرضها وشعبها حرصا
كاملا !..
*ثانيا : الاتفاق على الديمقراطية العلمانية (أو المدنية) في الدولة ، (وليس
المجتمع ) ، تماما كما هو معمول به في الغرب ) ..ففي المجتمع كل إنسان حر في معتقده
وإيمانه وعباداته وطقوسه وعاداته وتقاليده ، ولكن ليس حُرّا أن يفرض معتقداته
وإيمانه على قوانين الدولة وأنظمتها .. فالدولة تخصُّ الجميع ولا تخصُّ طائفة أو
فئة بعينها !..
*ثالثا : الاتفاق على نظام ديمقراطي برلماني ، تكون فيه صلاحيات الرئاسة كما هي في
ألمانيا ، حيث أثبتت تجربة ألمانيا السياسية نجاحا باهرا انعكس على كل مناحي التطور
في ألمانيا حتلى باتت اليوم أقوى دولة أوروبية بعد أن نهضتْ من تحت الرماد والأنقاض
..
*رابعا : التداول على السُلطة من خلال صناديق الاقتراع ، كل أربع سنوات ، حتى لا
يُتاحَ لأحدٍ أن يشعر أن الدولة ملكهُ ، وتتحول المؤسسات إلى مزارع وتلتصق الناس
بكراسيها ، مما يُكرِّس كل أنواع واشكال المحاباة والشخصنات والواسطات ، والفساد
والإفساد والروتين والبيروقراطية والترهُّل .. لاسيما في ظل غياب أي شكل من أشكال
المحاسبة على المسئولين الكبار وأصحاب النفوذ .. وغياب القانون والضمير في تسيير
عمل المؤسسات والتعامل مع الكوادر ومع أبناء الشعب!.
*خامسا : إعادة بناء المؤسسة العسكرية والأمنية على أسسٍ جديدةٍ بالكامل، لِتُصبِح
مؤسسات محايدة لكل الوطن وكل الشعب ، بعيدة عن كل أشكال التحزبات والتسييس، وعلى
مسافة واحدة من كافة الأحزاب والحكومات، ولا تتدخل بالسياسة إطلاقا ، وتخضع للمؤسسة
المدنية !..ويمكن للعسكر الإنخراط في الأحزاب والسياسة فقط بعد التسريح من الجيش
!..مع التأكيد أنني اعتبر جيش الوطن مصدر مفخرةٍ وعزٍّ وكرامة للوطن .
*سادسا : الفصل الكامل بين السلطات الثلاث ، التشريعية والتنفيذية والقضائية .. فقد
شهِدنا كيف أن القضاء الأمريكي رفض قرارات للرئيس الأمريكي بذاته تتعلق بالهجرة
والمهاجرين لأنها تتناقض مع الدستور والقوانين الأمريكية !.. ونتابعُ كيف القضاء في
الدول المحترمة يقاضي أي مرشّح رئاسي لمجرد توظيف أحدٍ من أقاربه بشكلٍ وهمي ...
وهكذا يجب أن يكون القضاء محايدا ونزيها بالكامل ولا يأتمر بأوامر أحد مهما كان ..
*سابعا : ضمان احترام حقوق الإنسان والحريات العامة كما نصّت عليها صكوك حقوق
الإنسان الدولية !..
*ثامنا : ضمان حرية الإعلام والتعبير ، وحرية المنظمات والنقابات !..
*تاسعا : خلق دولة مؤسسات تحكمها القوانين والمعايير ، وقادرة على محاسبة أكبر
مسئولين بالدولة مهما كانت صفاتهم حينما يخرقون القانون ويبتعدون عن المعايير في
التعامل مع الكوادر!..
عاشرا : احترام الخصائص الخاصّة بكل مكوِّن من مكونات الوطن ، من عادات وتقاليد
وعقائد واحتفالات .. الخ .
*إحدى عشر : يرفض المجتمع الدولي الاعتراف بأية حكومة لا تأتي بشكل شرعي وعبر
الانتخابات ، أو تأتي عبر الانقلابات والقوة العسكرية !.
*ثاني عشر : رفض إطلاق تسميات ذات طابع ديني أو عرقي على أي حزب سوري .. وكل حزب لا
تتوفر فيه شروط الانتساب لكافة أبناء المكونات المختلفة في الوطن فلا يُسمَح به ،
حتى لا تكون هناك أحزاب عنصرية طائفية أو عِرقية !..
**أعتقد هذه النقاط الإثني عشر هي شاملة وكاملة وواضحة ، وخارطة طريق للانتقال
السياسي في سورية ، بعد كل هذه الدماء والدمار والتشتُّتْ !..
**إنّ ما حصلَ في سورية يُعلِّم الصُمّ والبُكمَ النُطقَ والكلام ، وعلى كل سوري ،
مهما كانت صفته ، أن يُدرك أن سورية أكبر منه ومن الجميع ، ومصلحة سورية وشعبها فوق
مصالح الجميع الخاصة وفوق مصالح الدول التي ترعى كل الأطراف !..
**الانتقال السياسي في سورية يعني ببساطة أن تنتقل من مرحلة ما قبل الدولة التي
عشناها على الدوام بأبشع صورها وأشكالها، إلى مرحلة الدولة والقانون والأسس
والمعايير والكفاءات والمؤهلات والخبرات ، بدل دولة الارتجال والشخصنات والمحسوبيات
والفساد والثراء غير المشروع والمحاصصات الطائفية والمذهبية والجغرافية بين الأتباع
والأذيال والأصحاب والأهل والأقارب ، وتقاسم الامتيازات والمكاسب ، واحتكار السلطة
والمناصب .!. فمِن هنا تبدأ عملية الفساد والخراب والنخر في الدولة والمجتمع ،
واستفزاز الناس واستعدائها ودفعها للاحتجاج!!.
*سورية ليست مُلكا خاصّا لأحدٍ ، ولا حتى للأجيال الحالية فقط ، إنها لكل الأجيال
القادمة ، وبقدرِ ما نعمل جميعا للانتقال إلى مرحلة الدولة ونبني لأحفادنا دولة
مؤسسات وقانون وعدالة وتكافؤ فرص ، بِقدرِ ما نوفِّر لهم مستقبلا آمنا ومُستقرا
وواعدا !.. فهذه مسئولية الجميع حتى لا تلعننا الأجيال القادمة ، وتبقى تائهة
ومُشتّتة بين الانتماءات الطائفية والمذهبية والعشائرية والعُرقية ، على حساب
الإنتماء الوطني ، هذا إن لم تتورط في حروب داخلية لا تنتهي !!.
**الشعب السوري يستحق بعد هذه الدماء والدمار والنزوح والهجرة والجوع والفقر
والحرمان ،، يستحق ان يعيش في ظل دولةٍ حقيقية والانتقال من مرحلة ما قبل الدولة
إلى مرحلة الدولة ، من مرحلة الاستباحة للدولة ومؤسساتها والمجتمع دون أي رادع أو
حساب ، والتصرف بعقلية المزارع والإقطاعيات والتكتلات(حتى لا نقول كلمة أخرى) ، إلى
مرحلة القانون والمؤسسات التي تمنح كل مواطن حقه الكامل ولا يَستعبِدُ فيه أحدا
أبناء وطنهِ مُستغِلا سلطته ونفوذه ، ويتعامل مع أبناء الوطن وكانهم حشرات زاحفة
!.. ولا نرى وزيرا يعتبر الوزارة مزرعة لعائلته ومن حقه أن يتصرف بها كيفما يشاء ،
داعسا على كل أشكال المعايير والأسُس وقواعد العمل ، ويمنح صلاحياته إلى سائقه الذي
لا يحمل أي مؤهّل علمي ويمارس هذا كل عُقدهِ ضد كوادرِ وزارة بالكامل !.. هل من
تخريب في أية مؤسسة أكثر من ذلك !!.. هكذا مُخربين بالدولة لا نتقبّل أن نراهم في
سورية المستقبل ، ولا نتقبّل أن يتركوا مناصبهم دون محاسبة ومساءلة على فسادهم
الإداري وفساد ضمائرهم !..
**للأسف هناك من لم يدركون حتى اليوم أن زمن الإلغاء والإقصاء والصراع الآيديولوجي
والتنظير انتهى مع نهاية الاتحاد السوفييتي ومنظومة البُلدان الشيوعية في شرق
أوروبا ،، وأننا في زمنٍ على الجميع أن يقبل الجميع وصناديق الاقتراع هي الفيصل ،
وإرادة الشعب هي الأعلى .. وأن هذا الزمن هو زمن التنافس في البرامج الإقتصادية
والاجتماعية والمعيشية والتعليمية والخدمات الصحية والبُنى التحتية ... وكل ما لهُ
علاقة مباشرة بحياة المواطن اليومية وحياة أولاده ومستقبلهم ... زمن الآيديولوجيات
والشعارات الطنانة الرنانة انتهى ، والناس معنية بلقمة عيشها وفُرصَ العمل لها
ولأبنائها ، وليست معنية بشعارات طنانة ووهمية هدفها فقط تحويل أبصار الناس
واهتمامهم عن شؤون حياتهم اليومية البائسة !.. أنظروا إلى بلدان الخليج وما حصل بها
من تطور وتقدم وتنمية ، وكيف يعيش فيها المواطن بارتياح وبحبوحة بعيدا عن الشعارات
الوهمية والخطابات الإنشائية والعنتريات التي لم تقتل ذبابة في يومٍ من الأيام ،
وإنما أهلكتْ شعوبا وبلدانا بالكامل !.
*كفى أخذُ بعض الشعوب رهينة لشعارات جوفاء فارغة كل هدفها هو نسيان جوعها وفقرها
وظلمها والاستئثار بثرواتها وزجِّ أبنائها في فوهات المدافع وكأن أمهاتهم قد ولدتهم
وأبائهم قد ربُّوهم وتعبوا عليهم كي يكونوا وقْفاً لأهل السلطة وللحكام يقدمونهم
قرابين للعروش والمناصب في أية لحظة !..
**لو كان القائمون على الشعارات الطنّانة يعيشون كما عامة البشر هُم وأبناؤهم ،
ويعانون ضنك الحياة وضيق العيش والحرمان والبؤس والفقر والحاجة ، لتخلُّوا عنها..
فهُم يطرحون الشعارات ويطالبون الآخرين وأولادهم بالتضحية والموت لأجلها، فهي كما
سِلعة تجارية للمتاجرة بها وللحفاظ على مراكزهم ومناصبهم ومكتسباتهم وامتيازاتهم ،
وحياتهم المُترفَة ، وتسيُّدهم على عامة البشر بالقوة ، وكأن هذا حقّا مشروعا لهم!!.
**في أية دولة تجدون شخصا مدعوما يتنقل من سفارة لأخرى على مدى أربعة عشر عاما أو
سبعة عشر عاما ، وهو أساسا ليس ابن المهنة وإنما دخيلا عليها ، دون أن يخدم في مبنى
الوزارة يوما واحدا ، ليقبض مليونين من دولارات الشعب البائس الذي يعيش مئات الآلاف
منه على التسوُّل ، وثمانين بالمائة منه تحت خط الفقر؟!. لم يتعلموا بمثقال ذرّة من
كل أخطاء وأغلاط الماضي .. بل عززوها وكرّسوها أكثر وما زالوا يعتبرون الدولة مزرعة
والمناصب مكاسب وامتيازات يجب أن يمنحونها للملتمَسين والمدعومين والأقارب
والمتملقين والأتباع على أساس المحاصصات الجغرافية والطائفية !.أهكذا نحقق توزيعا
عادلا لثروات الوطن ونجعل الجميع يؤمن بأنهم مواطنين كاملي المواطنة ؟!. من أثبتوا
أنهم أعجز من أن يُصلِحوا أنفسهم فكي لهم أن يُصلِحوا وطنا !..
**في عيد القدّيس فالنتاين(عيد الحب) ، كتبَ أحدهم وهو يتساءل: ((مَن هُم أولئك
الذين أمضوا عيد فالنتاين في أفخم الفنادق بدمشق ووصلتْ تكاليف الطاولة إلى مليون
ليرة سورية؟. هل هُم من يطالبوننا بشدِّ الأحزمة ؟. ثم تابع يقول : الوطن للأغنياء
والفاسقين والنهابين ، والوطنية للفقراء )) ..
**نضمُّ الصوت إلى صوت ذاك المواطن ونسأل : إلى متى سيبقى الفقراء والضعفاء وأولاد
الفقراء هم الضحية والمدافعون عن الوطن ، بينما أولاد الآخرين يعيشون بأحضان
أمهاتهم ويرتادون المقاهي والمطاعم يوميا ،أو دفعوا البدل النقدي، أو خرجوا من
الوطن إلى بُلدان (الإمبريالية والرجعية ) التي ينعتونها بالمتآمرة عليهم!..