ضحكت كثيراً وأنا أتابع درس رياضيات للصف التاسع في الفضائية السورية. كان الموضوع في الإحصاء وكانت المسألة هكذا تقريباً: سئل ستة عشر طالباً من طلاب الصف التاسع عن عدد الكتب التي قرؤوها في العطلة الصيفية فجاءت الإجابات وقرأنا عددا من الكتب التي قرأها كل طالب. منهم من قرأ عشرة ومنهم من قرأ تسعة وهكذا!.
وانشغلت المدرسة العزيزة في حساب الوسيط والربيّع الأدنى والمدى لهذه "المفردات" إلى آخره.. ، لكني ضحكت عندما تذكرت الواقع.
مع الأسف لا طلاب الصف التاسع ولا طلاب الجامعة ولا طلاب الدكتوراه أيضا ولا أي نوع من أنواع الطلاب أو غير الطلاب عندنا مستعدون أن يفتحوا كتابا واحدا لا يوجد في المنهاج الدراسي ناهيك أن يقرؤوا فيه أو يقرؤوه كله.
والعداء بين المواطن عندنا والقراءة عداء مستحكم لا أفهم له سببا وهو عداء قديم. هكذا كان الحال قبل ظهور التلفاز والإنترنيت وهو كذلك بعدهما وحين أنظر إلى الموطنين حولي في باص يرلين أو قطارها وفي يد منهم كتاب أو جريدة أتساءل للمرة الألف عن سر الخصام بيننا وبين القراءة هذا علما أن أهل برلين لديهم تلفاز وإنترنيت أيضا (وهما السببان اللذان يذكران عادة لتفسير امتناع أبناء وطننا عن القراءة).
والعطلة الصيفية عندنا مناسبة لا للقراءة بل للامتناع عن القراءة إما بالعمل عند الطلاب الفقراء أو بكل ما خلق الله من نشاطات إلا القراءة عند غير الفقراء.
قيض لي هنا في الجامعة أن أحتك بالمبعوثين لدراسة الدكتوراه من أقطار عربية عديدة منها سوريا والأردن ومصر وعدد كبير من الطلاب الفلسطينيين وما وجدته مشتركا بينهم كان الفقر الثقافي المدقع، فالغالبية الساحقة منهم لم يسمعوا بأشهر الكتاب العرب ناهيك بأشهر الكتاب الأجانب وثقافتهم بأحسن حالاتها ثقافة مأخوذة من التلفزيون. وقد صرت أتسلى أحيانا بسؤالهم عن أعلام الثقافة العربية . من كان لا يريد أن يقول: لا أعرفه كان يقدم جوابا مضحكا بحق. وبصراحة تامة: لمر يمر علي أي مبعوث واحد قرأ كتابا واحدا لكتاب مشاهير مثل طه حسين أو توفيق الحكيم أو نجيب محفوظ لكي لا أذكر كتابا أقل شهرة.
كان عندي كثير من الفرضيات لتفسير هذا الحال لكن لم أقتنع بأي منها بصراحة.
يبدو لي أن مجتمعنا لا يعترف بأهمية القراءة ببساطة.
وهذا ما يجعل معظم هؤلاء يخلط بين التعليم والثقافة فثقافة المرء تقاس بشهادته حصرا فابن الصف التاسع "مثقف" أكثر من ابن الصف السادس ومن حاز على البكالوريوس "مثقف" أكثر من صاحب البكالوريا وهكذا. ذلك أن هؤلاء لم يتعرفوا بحياتهم قط على ما بدا لي على أشخاص حصلوا على المعرفة بجهود خاصة من خارج النظام المدرسي.
وإنا لله وإنا إليه راجعون!