يقدم لنا موقعنا المتجدد سيريا نيوز بين الفينة و الأخرى زوايا جديدة تزيد بها القراء شغفاً بهذا الموقع المميز و تعزز تعلقهم به يوماً بعد يوم حيث نجد أن أغلب قراء و متصفحي الموقع لا يستطيعون إكمال يومهم من دون جرعة كافية من القراءة فيه.
و لعل الزاوية الجديدة " اسأل مجرب" هي من أكثر الزوايا حداثة و تألقاً و ذلك لما قدمته من ميزة للقراء للتشارك و التعاون في حل مشكلة ربما تكون معضلة بالنسبة لصاحبها فأصبح بإمكانه عرض مشكلته على عدد هائل من القراء الذين بالطبع سيكون لهم رأي ربما ساعد في حل هذه المشكلة.
و بالرغم من التباين الواضح الذي نجده في إجابات القراء على سؤال السائل في هذه الزاوية و بالرغم من أن بعض الأسئلة تبدو لنا و كأنها غير منطقية أو واقعية و صاحبها له غاية معينة من طرحها؛ إلا أن السواد الأعظم لهذه الأسئلة هي أسئلة واقعية يعاني أصحابها مرارة كبيرة و يريدون حلاً.
إنني شخصياً لا أخفي إعجابي بهذه الزاوية المبتكرة حيث أنها تدعم التواصل الإيجابي بين القراء و تقدم خدمات لكل منا. و لكن ما أثار انتباهي و ربما انتباه الأخوة القراء أيضاً أن المشاكل التي تم عرضها في الفترة الأخيرة لها من العناوين ما هو مثير للاهتمام بشكل منقطع النظير، فخلال أقل من خمسة عشر يوماً مضت نستطيع أن نحصي عدداً هائلاً نسبياً من مشاكل يسأل أصحابها عن حلول لها و تحمل جميعها بعداً واحداً متصلاً بالأخلاق، و إن الاطلاع المعمق على فحوى هذه المشاكل تفضي بنا إلى أن سائليها محاصرون بجوانب مشكلة عظيمة مستعدين لبذل الغالي و النفيس من أجل الخلاص منها.
للأسف فإننا إذا أردنا أن نعتبر مجموع القراء الذين يرسلون بمشاكلهم هم عينة عشوائية ممثلة لمجتمعنا تمثيلاً حقيقياً؛ فإننا سنصاب بخيبة أمل كبيرة نظراً لأن بذلك سوف نعتبر نسبة كبيرة من أفراد المجتمع ضحايا مشاكل أخلاقية تنذر بشتات المجتمع و تفاقم و تردي وضع الأخلاق العامة به، و إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا... فأين المآل بعد ذلك يا سادة... هل فعلاً يعتبر هذا إنذاراً سيئاً لما تحمله لنا الأيام في المستقبل القريب...
أشارككم عناوين المشاكل التي ربما اطلع جميعنا عليها في الفترة الأخيرة و أدعوكم لقراءتها بطريقة دقيقة حيث ربما تقشعر الأبدان لفداحة بعضها بالفعل:
• أحببتها وأهلي يعارضون بسبب علاقاتها مع شباب قبلي .. ماذا افعل؟
• أردتها زوجة وأرادت الجنس وفقط .. تركتها وهي تعاشر غيري ولكني أحبها.. ساعدوني ؟
• ضبطتها تتكلم مع خطيبها السابق .. أأطلقها أم أتحدث معها في الموضوع؟
• تعرفت على فتاة متحررة على الانترنت لا تقبل أن تقطع علاقاتها إلا بعد زواجنا.. ماذا افعل؟
• أحب امرأة متزوجة .. هل أصارحها ؟ .. وماذا بعد ؟؟
• تزوج وليس سعيدا مع زوجته، و لا أكن أي مشاعر لخطيبي.. ما زلت أحبه و أريد حلا؟
• أحب زوجي وأعجبت بشاب أخر لكن ليس بيننا ألا النظرات.. هل أنا على خطأ؟
• علاقتي مع زوجتي جيدة ولكني لا استطيع ضبط نفسي عن العلاقات الخارجية .. أرجو الإفادة؟
• يدخل غرفتي و يغازلني في العمل وهو في عمر والدي .. واخشي صده ، ماذا افعل؟؟
• زوجي لا يهتم بي بينما يقيم علاقات مع الفتيات على الانترنت.. لا اعرف كيف أتصرف؟
• إنا على خلق واعبد الله ولكن لدي مشاعر جنسية شاذة .. ماذا افعل؟
• زوجي يخونني مع صديقة قديمة .. ماذا افعل؟
• يحب ابنة خالته وهي تحبه.. ووالدها رافض و متعنت منذ سبع سنوات.. ماذا يفعل؟
بعد أن قرأنا هذه العناوين العريضة لهذه المشاكل و التي نرجو لأصحابها أن تكون إجابات السادة القراء بالرغم من تناقض هذه الإجابات قد ساعدتهم في تجاوز محنتهم و تم حل هذه المشاكل.
و لكن هنا لا بد لنا من وقفة يسيرة نسأل فيها أنفسنا... لماذا؟؟ هل كُتب علينا أن نعمل دوماً بسياسة إطفاء الحرائق أم أن علينا أن نضع كل الوسائل الكافية لدرء الوصول إلى هذه المشاكل و من ثم طلب حلها من هذا وذاك، فمنهم من يتعاطف مع صاحب المشكلة و منهم من يهزأ به و منهم من يعطيه حلولاً تزيد الطين بِلةً عنده، و في حال كان صاحب المشكلة من الرجال نال تعاطف أبناء جنسه و قووا من عزيمته في مواجه خصمه من الجنس الآخر و أعطوه سيوفاً بتّارة يبطش بها دون هوادة، و لو كانت صاحبة المشكلة فتاة أو امرأة وجدت الدعم كله من متصفحات الموقع و رفعن من معنوياتها لأخذ حريتها و النيل من عادات و تقاليد المجتمع و الدين و التمرد و عدم الرضوخ و ما إلى هنالك من المبررات التي يسوقها هذا و ذاك، فكل إناء بما فيه ينضح..
إنه لمن الضروري أيها السادة أن نقرأ بين السطور و ندخل في المضمون الحقيقي و لا نتعامى عن أسباب المشاكل و نتجاهلها بذريعة التطور و التحرر و الرقي و العصر الحديث و حقوق المرأة و الصعود إلى القمر ( طبعاً يتم ذكر هذه قصة الصعود للقمر كلما كان هناك من يدعو للالتزام بالأخلاق المتعارف عليها، و لا أدري ما الرابط بينها إلا التضليل، و كأن الصاعدين للقمر صعدوا نتيجة انحلال أخلاقهم)
من هنا علينا أن نجد روابط مشتركة بين هذه المشاكل و نعتبرها قضية مجتمع نحن ملزمون اجتماعياً تجاهه من أجل تحصينه من الكوارث الاجتماعية و الآفات الأخلاقية حرصاً عليه، فهو الوعاء الذي يحوينا و إن تلويثه سيؤثر سلباً علينا جميعاً.
و قبل أن أختم المساهمة أود أن انوه بأنني أرجو من الأخوة القراء عدم اعتباري غافلاً عما يحصل في المجتمعات المحافظة ظاهرياً من بعض التجاوزات الأخلاقية، فأنا أعرفها تماماً و لدي الكثير من الأدلة التي تؤكد بأن هذه المجتمعات المحافظة لم يصب جانب منها بسوء الأخلاق إلا بسبب البعد عن الأخلاق المبطن و ليس كما يدعي البعض بأن ذلك حدث نتيجة الكبت.. ما هو مفهوم هذا الكبت، إن كان مفهوم الكبت هو منع الاختلاط بين الجنسين علانية و الاختلاط بالخفاء فإن هذا ليس كبتاً بل هو إشكال مثله مثل أي اختلاط علني و سيفضي بالطبع لسوء الأخلاق.
إن التعرض اليومي لمشاهد الخلاعة على الشاشات المختلفة و تبادل المشاهد و الأقراص المدمجة الملوثة بالمجون سيؤدي بالضرورة إلى المشاكل الاجتماعية الأخلاقية التي نعاني منها... إن التفلت التام بداعي الحرية و أن العصر هو عصر تحضر لا يعني أن نتفلت من قيمنا و أخلاقنا العربية الأصيلة التي سمونا بها في عصور مضت. و إن كان الغرب قد تقدم تقنياً علينا فهذا بسبب العمل الدؤوب و الدراسات المستمرة و ليس بسبب انحلال أخلاقه، فيا ليتنا قلدنا الغرب في القراءة و البحث العلمي و تطوير أكاديمياتنا. لقد قلدناهم فقط بما يستهوي بعضنا و يزيد من خدرنا و تركنا العلم فأصبحت أمتنا أضحوكة الأمم.
لنعد للأصالة و نكون صادقين للحظات مع أنفسنا، و لندع الشعارات التي لم تزدنا إلا وهناً، و لنحافظ على قيمنا... إنها دعوة للفضيلة فهل من معترض عليها؟ إنه لمن المسلمات أن وضع الشر قرب الوقود سيؤدي إلى كارثة، فهل الحل أن نقوم بإخماد الحرائق التي لا تبقي و لا تذر و نهمل سبب الحريق!..
لنكن واعيين في علاقتنا الاجتماعية أكثر و لنتبصر في حدود هذه العلاقات و لندعو إلى احترام كل منا الآخر و لنعلم أن الحضارة العربية القديمة لم تضمحل إلا بعد أن امتلأت القصور بالفسق و الفجور و خلت من العلم و العلماء.
إننا ننعم بالحياة في وطن عظيم فيه كل المقومات التي تأخذ بيدنا للسمو بالعلم و الأخلاق و الفضيلة، و إن لدينا من القوانين و الأنظمة – التي تم سنها بتوجيه من القيادة العليا الحكيمة- ما يتيح لنا أن نبحث و نطور علومنا و نرتقي في سلم الحضارة الحقيقية المبنية على العلم و ليس على المجون بدعوى التحرر.
و إنني أعلم حق العلم بأن كلامي هذا لن يروق للكثيرين ممن كان ديدنهم ذر الرماد بالعيون و ترك كل الفضائل العظيمة و الانكفاء على الاستهزاء متخذين من بول البعير و جناح الذبابة حجة لهم من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التأكد من المعلومة بطريقة ناقدة موضوعية و متناسين أن العلمانية من العلم و التسامح و الاحترام للجميع على اختلاف أطيافهم و ليس استخدام مهارات اللسان السليطة و إنكار الآخر و لو كان محقاً.
إنها دعوة مفتوحة للفضيلة و العلم و الأخلاق و مقاطعة الانحلال بكافة أشكاله و نبذ الجهل بكل وجوهه و احترام بعضنا البعض و عدم الإصابة بالهلع عندما نرى أي منا يدعوننا لحسن الخلق و الإبقاء على العلاقات الاجتماعية ضمن إطارها الصحيح و المحافظة على حرمات البيوت و النفوس.
و دمتم سالمين