لم يعد إلا دقائق معدودة وأصل إلى الصيدلية على الضفة الأخرى من نهر الراين في دوسلدروف بألمانيا وأضع بذلك خاتمة لقلقي وهمومي : سأتخلص من حَملي فأنا غير مستعدة لمزيد من الأطفال في عالم يسوده العنف ، والقسوة ، واللامبالاة.
لن أربك مشاريعي وطموحاتي ويكفي أني قمت برسالة الأمومة ... وإن زوجي يشجعني في قراراتي وينتظرني في الفندق .
وأسأل الصيدلانية عن حَلٍ لمشكلتي وأنا اعتقد أنه لا مانع هنا في بلاد الغربة من التخلص من رقم زائدٍ للنفوس طالما هناك الأخريات من النساء يلدنَ كل يوم وأنا غريبة في هذا البلد والأمر يخصني بالنهاية .
وأعود إلى سؤال الصيدلانية "هل أجد عندك نوع من الإبر تجهضن ، وتجيبني بسؤالها أين روشتة الطبيبة؟ ، آسفة لن استطيع مساعدتك ، ولن نقدم لك شيئاً إلا بموافقة الطبيبة."
وشعرت بالخيبة والندم ، لقد فشلت كل المساعي وخرجت من الصيدلية أجر أذيال....
كان الوقتُ متأخراً والشمس تميل إلى المغيب والمحلات التجارية تغلق أبوابها .. فعبرت الجسر إلى الضفة الثانية من النهر
وهنا وجدت نفسي في مكان على مستوى من الرقي وبدأت استعرض واجهات المحلات ودور الأزياء ، والصاغة ، والبنوك .
إنه لمكان متميز لإبداعات الفن وذوق المصممين وقد عُرضت البضائع بشكل جذاب .
لفت نظري حلقٌ من اللؤلؤ فقرأت سعره عليه وعددت ما معي من نقود ، إنه يساوي ما أملك في الجزدان .. إذن سأبتاع هذا الشيء الجميل .
لم أكد أضع قدمي على ردهة باب الدخول حتى دوى صوت هائل تلاه صوت طلقات نارية قريبة تخترق أذني .. وبدأت الضوضاء تعم ، وتكاثر الناس .. خرجت من محل الصياغة ألوذ بالفرار لأرى شاباً في مقتبل العمر وقد طوقه رجالٌ مسلحون وأداروا وجهه ناحية جدار البنك ولم ابتعد سوى خطوات حتى أطَلق رشاشُ حربّيٌ وابلاً من الرصاص فلمحت الشاب المطوق وهو يهوي إلى الأرض مضرجاً بدمائه . إنه شاب في مقتبل العمر .. لقد اغتالوا شبابه .
ما أقسى هذا العالم ، عالم العنف والقتل والقسوة ! والكوارث الطبيعية :
في أفريقيا أطفال تموت من الجوع باستمرار .
وفي فلسطين شباب يستشهدون بالآلاف .
وآخرون في مختلف الأعمار ضحايا للزلازل والعواصف والسيول .
وصلت إلى الفندق وأنا أشعر بالآلام المبرحة في بطني ، ولم أهدأ حتى دخلت إلى الحمام .. وبعد حين خرجت منه لأزف إلى زوجي الخبر السار : "لم أعد حامل" .. لقد أجهضت .