الأنانية آفة ذميمة ، صاحبها صاحب نفس صغيرة ، ذا عيون عمياء لا يرى إلا نفسه ، أهدافه تخدم منفعته الخاصة فقط حتى لو كانت على حساب من هو أولى منه
فهو يفقد عنصر التضحية ، تفكيره محصور على ذاته ، وقليل بل نادر ما يفكر في غيره ، و إذا أخذ التفكير حيزاً لمصلحة غيره تبرر له تلك النفس الصغيرة أفعاله وتصرفاته فيردد ( أنا أولى ) ، ( ما عليّ من أحد ) ، ( نفسي نفسي ) ، وغير ذلك من شعارات أهل تلك الفئة .
و باختصار (أحاسيسه ومشاعره ، لذاته و آلامه ، وحبه و بغضه يحركهما الـ (أنا)).
و لها صورة أخرى و هي : منع المقدور من النصر أو الإعانة فهو يستطيع أن يقدم شيئاً ، ولكن يبخل به بسبب حبه لذاته ، و هذه تدخل ضمن معنى الشح فإن من معانيه ( البخل بما في الوسع مما ينفع الناس ) .
فالشح لا يقتصر على البخل بالمال فحسب بل هو حرص النفس على ما تستطيع من الخير لها دون حدود ، ونلاحظ هذه الكلمات (دون حدود) و لا (وازع) ، واهتمام المرء بنفسه على حساب مصالح الآخرين بل و حقوقهم .
و الشح و الإيمان لا يجتمعان و الإنسان الأناني يحب أن يستحوذ على الأعمال الهامة ، ومجالات الظهور العامة ، بل يسعي لإلغاء الآخرين و يسفه آرائهم ، و يحقر أعمالهم ، يفرض رأيه ، يحب القيادة ، و يضع العقبات أمامهم ، و يصل به الحد إلى الانتقام و الهدم .
و من الحقائق التي لابد من الوقوف عليها أن الإنسان جبل على حب ذاته و حرصه على جلب الخير لها و دفع الضر عنها ، و هذا أمر عادي إلا إذا انحرفت صورة حب الذات الذي يقوم هذا الشعور عند الإنسان حتى يتخلص من المحورية الذاتية .
(ومن حب الذات أنقل هنا بعض الجوانب :
الإنسان الأناني : منكمش و قاصر محكوم لشهواته و لذائذه .
المحب لنفسه : يفيض عطاء ، و يتحكم في نفسه وانفعالاته .
الأناني : يتحسر عند فوات شيء من الدنيا .
المحب لنفسه : يرى فضل الله عليه في كل نعمة ، و يرى في كل محنة منحة .
الأناني : تفكيره منحصر على نفسه .
المحب لنفسه : يفكر في الآخرين و يفعل ذلك في سبيل نيل الأجر الذي يعود على نفسه .
الأناني : يزين له هواه ما يريد .
المحب لنفسه : عقله تبع لهواه ، و يزن الأمور بميزان الشرع .
و للأنانية صور متعددة تظهر في السلوك على مستوى الفرد و المجتمع ، ومنها ..
• في نطاق الأسرة ، نجد أن بعض الزوجات تريد زوجها ملكاً لها ، فلا اعتبار للأم أو الأخوات وقد يتعدى ذلك إلى رغبتها في قطع علاقته بالجميع لأنها هي الأحق به .. فتبدأ المحاسبة والمراقبة لجميع حركاته مما يجعل الحياة الزوجية مرتعاً للقلق و حرمان السكن .
• أو يحدث العكس ، فالرجل بعلمه أنه هو أحق بالناس بالبر من جهة زوجته يبدأ و يسلط عليها السيف باسم الحقوق ، فيضيق عليها الخناق في علاقتها مع أهلها و والديها و أقاربها ..
بل يتعدى الأمر إلى أولاده فهو الأحق حتى لو كانوا بحاجة لأمهم ، ولو كانوا في مرحلة صغيرة من العمر
" إذا جعل الزوج غايته إسعاد زوجته ، و جعلت الزوجة غايتها إسعاد زوجها سعدا جميعاً ، و إذا جعل كل منهما غايته و هدفه إسعاد نفسه شقي و أشقى ، فالأنانية أول مسمار في نعش الزوجية " .
• و قد يكون من جهة الأم إذا كان لديها ابن واحد ، أو تحب ذلك الابن من أولادها ، فأعان الله زوجته ، يبدأ مشوار الغيرة والرضا و الغضب ، حتى يكون فيه ظلم لزوجته ، المهم أن تشعر أن ولدها ملك لها ، ولا يحق لأحد أن يشاركها فيه !!!
و هذا يوقع الأبناء في حيرة و قلق بين بر الأم و حقوق الزوجة .
وتكثر الأنانية في مجال الأعمال المشتركة ، كالمدارس بين المعلمات ، و المؤسسات ، و غير ذلك ..
و تظهر عند :
- توزيع الأعمال فالنظر فيها يكون على حساب المصلحة الشخصية فقط بغض النظر عن المصلحة العامة ، فالحرص حينها يكون على العمل الأقل و الأخف عبئا ، أو ما يترتب عليه البروز والشهرة ، حتى لو على حساب الآخرين ..
و من الدرجات السيئة في ذلك من يصل به الحد إلى إخفاء إنجازاته العلمية حتى لا يسبقه أحد ، بل هناك من يعطي معلومات خاطئة إذا سئل ليكون هو الأحسن .
ومن أعجب صور الأنانية المنحرفة و التي شوهت المعني الجميلة للأخوة الصادقة : ما ينتشر بين الأصدقاء من حب للتملك ، فمن كان له صديق فهو يريد أن يحتكره لنفسه و لا يريده أن ينفع غيره ، أو يكون علاقة مع غيره ، بسبب أنه ملك له و لا يحق لأحد أن يتعدى على تلك الملكية ، حتى لا يسمح لأحد أن يتحادث معه إلا بإذن من الصديق المالك .. ( حتى بين الزوجين لم يحدث ذلك ) !! و لا حول ولا قوة إلا بالله ..
و قد انتشرت هذه الصورة بين الفتيات و الأولاد كافة بمراحل مختلفة / مما جعل الشيطان يفتح أبوب الشر في مثل هذه العلاقات حتى انحرفت إلى اتجاه غير شرعي ..
و الـ(أنا) لها آثار وخيمة منها :
1. تفوت على النفس لذة العطاء ، فإن للعطاء انشراحاً في الصدر ، وسعادة لا يعرفها إلا من جربها ، و الأناني محروم من ذلك ، بل يجتاله القلق و ربما الحسد
و معروف بالإجماع أن إسعاد الآخرين أقصر وسيلة لإسعاد النفس .
2. تجلب الحقد بين الأفراد و تولد الخصومة .
3. تؤدي إلى دنو الهمة إذ تصبح تلك النفس قيد المنفعة الذاتية فقط .
4. بغض الناس للأناني و بعدهم عنه ، فهو لا ينال حبهم و لا تقديرهم و ذلك لضيق صدره و بخله في بذل الخير لهم ، وتقديم المعروف إليهم .
5. تجر إلى حسد الآخرين على ما أنعم الله عليهم ، فالحسود لا يستطيع أن يرى الآخرين وقد تفوقوا عليه ، أو أن يجري الخير على أيديهم ، و يقبل عليهم الناس .
العلاج
1. الوقوف على الداء ، بأن يفتش الإنسان في دواخله ، وممكن أن يعرض عليها بعض الأسئلة ، والمهم في الموضوع أن يكون صادقاً مع نفسه حتى يعرف .. هل هو ممن يتصف بهذه الصفة أم لا .. ومنها :
(1) هل آثرت نفسي في أمر يحتاج إليه أحد ؟
(2) هل يصعب علي العطاء ؟
(3) هل أشعر بالانزعاج إذا أعطيت ؟
2. القناعة بضرورة التخلص من شح النفس ، وذلك بمقت الأنانية في نفسه ، فإذا مقتها و أبغضها التزم بالإيثار .
3. أن يضع الإنسان نفسه مكان صاحب الحاجة ، ويعامل الآخرين بما يحب أن يعاملوه به .
4. تدريب النفس بمزاولة الأمور التي تخلص الإنسان من هذه الصفة ، و خاصة في لحظات الضعف التي تعتريه ، فإذا شعر بها ففي تلك اللحظة يقدم على خدمة الناس و إيثارهم بما يحبه و يشتهيه لنفسه ، ومما يعين على ذلك تذكر بعض الأحاديث التي تحث على ذلك ، و هي و الله أحاديث عظيمة منها :
- ( فعل المعروف يقي مصارع السوء) .
فمثل هذا الأمر يحقق أمنية كلنا نتمناها ألا وهي الوقاية من ميتة السوء .
ما هي إلا أعمال يسيرة و لكنها يسيرة على من يسرها الله عليه ، أسأل الله أن يجعلنا منهم ..
5. ترسيخ مفهوم الإيثار في النفس و إقناعها بأن التخلي عن الأنانية طريقاً إلى تحقيق أرقى المكاسب للذات نفسها ، ليس في الدنيا فقط و إنما في الآخرة أيضاً .
يقول تعالى " و ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً و أعظم أجراً " المزمل 20
و أخيرا ..
يا من يحمل صفة الأنا ..
اعلم أن عطاءك للآخرين دليل حبك لنفسك لأنك بذلك تجمع الأجور و الحسنات لها ..