أبتدئ بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم {تبسمك في وجه أخيك صدقة}.
كم نتمنى أن نكثر الصدقات بمبلغ من المال، كيف لو استطعنا دفعها دون أن ندفع شيئاً مادياً.
لقد ازدادت الهموم والضوائق المادية والمعنوية في أيامنا هذه لاسيما من غلاء المعيشة ومتطلبات الحياة الكثيرة التي باتت صعبة المنال وأدت هذه الهموم إلى البؤس والشجار والخلاف الدائم سواء بين أفراد المجتمع الموظفون.. الطلاب .. أفراد العائلة.. وقد تكبر هذه الخلافات وتصل إلى أروقة المحاكمة، أو تسبب حقداً دفيناً صامتاً يزداد مع الأيام، وقد تصغر وتتجلى في الوجوه الكالحة والعابسة.
وإذا عدنا أصل المشكلة نجد أن معظم هذه المناوشات والشجارات نجد أنها تبدأ بالسخرية واللؤم في تجاذب الحديث والعبوس الدائم والتجهم في النقاش مما يؤدي إلى عدم احترامنا لأنفسنا ولا مبالاتنا بمشاعر الآخرين وتلقي همومهم ومشكلاتهم الحياتي.
لِمَ لا نتذكر هذه الصدقة في تعاملاتنا اليومية، لِمَ لا نتحدى مشكلاتنا بحركة بسيطة لا تتعبنا ولا تجهد أكثر من خمس عضلات في وجهنا ونبتسم؟؟
لقد وصل علماء البرمجة اللغوية العصبية بأن أحد أساليب النجاح الأقل كلفة هو الابتسامة وأن الإنسان الذي يتبسم في وجه من حوله فإن ذلك يمنحهم شعوراً بالاطمئنان، ويزيل الحواجز بينه وبينهم، وبعبارة أخرى فإن تكرار الابتسامة يكسب الآخرين الثقة بهذا الشخص المبتسم، إن ما يسميه العلماء بالانطباع الأول هو أمر مهم جداً، فأنت عندما ترى إنساناً للمرة الأولى فإنه يترك أثراً ما فيك، قد ترتاح إليه وقد لا ترتاح للتعامل معه، ولكن على أي أساس يتم هذا الارتياح؟ إن كل إنسان منا لديه مواد كيميائية خاصة تفرزها أجهزة جسمه عندما يتعرض للخوف أو الحزن أو الكآبة أو القلق. هذه المواد تكون في أدنى مستوى لها عندما تنظر لشخص قدم إليك وهو يبتسم في وجهك!!! لماذا؟ لأن هذه الابتسامة قد أزالت من ذهنك أي خوف أو قلق حول هذا الشخص. وبالنتيجة نستخلص أن الابتسامة هي أسلوب مهم للنجاح في الحياة..
فلِم لا نرسمها على أفواهنا ولو كنا غير صادقين إن لم نكن بحال يروق لنا فيه الضحك؟؟.. ولِمَ استبدلناها بالتكشير عن الأنياب والسخرية والخفة دون أن نعي أن هذه الصفة منبوذة ومحرمة شرعاً لقوله تعالى: [يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابذوا بالألقاب بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون]
لقد وصفهم الله تعالى بأنهم ظالمون ..لأنهم يؤذون من حولهم ولا يكترثون لمشاعرهم.
وهذا لا يتعارض مع المزاح المقبول الذي يضفي روح الدعابة لأحاديثنا وينمق جو مجالسنا فهو يبعث الابتهاج والفرح في نفوس البشر كمزاح سلفنا الصالح .
ولنتأسَّ بمزاح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بشمائله وخصاله المحمودة فمثلاً حين أجاب عجوز سألته أأدخل الجنة؟ بأنه لا يدخل الجنة عجوز وهو يقصد بأنه من يدخل الجنة سيعود إلى سن الشباب مهما بلغ من العمر في الدنيا.
ولنأخذ روح الدعابة والملاطفة منه في تعاملنا مع أزواجنا حين كان يسابق سيدتنا عائشة رضي الله عنها فتارة يسبقها وتارة تسبقه فيقول لها هذه بتلك..
فالبسمة لا تكلفها أي مجهود مادي بل تعطينا الكثير من القيم التي نفتقرها ونسمو بها وتنسينا جل همومنا بل تزيلها.
والبسمة تصح مع جمع أفراد المجتمع كبيراً كان أم صغيراً ذكراً أم أنثى .. فقيراً أم غنياً.. جميلاً أم دميماً .. ومهما كانت مكانته الاجتماعية فهي تلغي الحقد والنميمة بين الناس وتنشر الحب والسعادة.. فلنؤدي هذه الصدقة بيننا ولنتعامل مع الناس الذين نلقاهم كما نتعامل مع من نتعرف عليهم لأول مرة على موقع فيسبوك ونرسم بسمة على ثغرنا وثغرهم دون أي تكليف أو تقيد.
وهل نعمل بالهدي النبوي الشريف ونتصدق ونوزع الابتسامات على كل من نقابلهم، ليس لكسب ثقتهم أو رضاهم، بل لكسب رضوان الله تعالى، لأننا إذا استطعنا أن نصلح العلاقة بيننا وبين رب العالمين، فإنه سيسخر الدنيا بأكملها لخدمتنا.