news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
هل تجعل الانترنت عمرنا أقصر ؟ ... بقلم : د.فيصل شحادة

الانترنت سلاح ذو حدّين ، لقد سمعنا هذه الجملة كثيراً عند بداية دخول الانترنت إلى حياتنا ، وظلت تتسرب إلى حياتنا شيئاً فشيئاً إلى أن أتى اليوم الذي لم نعد  نستطيع الاستغناء عن الانترنت فيه في أدنى تحركاتنا


في كل القرارات التي نتخذها خلال يومنا وفي كل المعلومات التي نبحث عنها وفي كل خبر نستطلع البحث عن مزيد من تفاصليها وأشياء كثيرة لا يتسع المجال لذكرها ..

 

هل هي ميّزة اننا أصبحنا نصل إلى مبتغانا بشكل أسرع ، وعلى وجه الخصوص بشكل أدق ؟ هل ازدادت مساحة تفكير الكائن البشري لتستوعب هذا الكم  الهائل من المعلومات التي تصل كل يوم عن طريق الانترنت  ام تغير طريقة تفكيره في البحث عن مبتغاه.

لم يعد في هذه الأيام من الصعب الحصول على أي نوع من المعلومات في أي مجال من المجالات ، لم يعد يتطلب الكثير العودة إلى المراجع الكبيرة في مجالات العلوم والتاريخ والجغرافيا  أمراً صعباً على أي شخص  لم يعد البحث عن إحداثيات مدينة في السويد أو عدد سكان نيبال أو الطعام اليومي لقبيلة في أميركا الجنوبية ذلك الأمر العصيب .. ثواني وتجد المعلومة حاضرة أمامك

 

إيصال فكرة إلى شريحة معيّنة من الناس أو غير معيّنة ، الأمر الذي كان يستغرق من الشخص أسابيع وأشهر لطرح فكرة والبحث عم يعارضها ... أصبح يتم في ساعات في أي منتدى يناقش هذه الفكرة ، في عالم كبير من المنتديات التي تتنوع من المواضيع العامة إلى أصغر القضايا التي قد تخطر على بال المرء.

لقد مرّ على وجه الكرة الأرضية أجيال وأجيال من الذين سبقونا والذي لم يوفّروا جهداً أو تعباً في البحث عن معلومة أو تطوير فكرة مهما استغرقت وقتاً ، وقبل عشرات السنين  (لن نقول مئات السنين ) كان الوصول إلى نتيجة بحثية أو علمية عملاً مضنياً يستغرق الكثير من الوقت والجهد .

أما الآن وأمام هذا البحر الهائج من مصادر المعلومات (لن نناقش هنا مقدار تراوح موثوقية المعلومات ) ، أصبح وقع الحياة سريعاً وتحوّلت آلية تفكير الدماغ البشري من طريقة البحث عن المعلومة التي لم تعد عائقاً إلى آلية أخرى وهي السيطرة على المعلومات التي قد تهم المرء في مجال عمله أو هوايته أو مجالات الثقافة المتنوعة التي تهم كل شخص على حدا .

 

كما ظهرت آلية جديدة في التفكير البشري أمام الكم الهائل من المعلومات وهي آلية ترتيب الأفكار حسب أولويتها لدى الشخص وذلك بالاستناد إلى مجاله الاختصاصي والمجالات الأخرى ، فلم يعد أحدنا يمتلك متسعاً من الوقت لقراءة مقالة لا تهدف إلى شيء كتلك المقالات التي كنا نجدها في آخر صفحة في الجريدة وكنا نستمتع بقراءتها فقط لكوننا نقرأ شيئاً جديداً لا يضيف لمخزوننا البشري سوى بعض المصطلحات الجديدة أو بعض الأفكار الطريفة أو خبر غريب من أقاصي الأرض.

فقد أصبح كل منّا بوجود الانترنت يدّخر كل طاقة يملكها في قراءة ما ينفعه في تطوير مخزونه الفكري ضمن حيّز اهتماماته ، وأصبح المرء عندما تتطوّر لديه وبشكل جيد آليه البحث الصحيحة عن معلومة في الانترنت  أصبح بإمكانه الوصول إليها بوقت لا يمكن حتى البدء بمقارنته مع ذلك الوقت الذي كان سيتطلبه قبل عصر الانترنت في البحث عن تلك المعلومة .

 

والسؤال الذي لن نجد له جواباً إلّا بعد سنوات من استخدام جيلنا الحالي للانترنت ، هل ستتغير طاقة استيعاب العقل البشري بتغير طريقة البحث وإمكانية الوصول إلى المعلومات ؟ أم أنها مرحلة انتقالية ملأت فيها الانترنت ذلك الحيز الشاغر من عقولنا والذي كان من غير تقديرنا يتسع لهذا الكم الهائل من المعلومات ؟

هل سيتوقف العقل البشري بعد فترة طويلة كانت أم قصيرة من البحث عن المعلومات نظراً للكم الهائل من المعلومات الدقيقة ، أم أننا سنكتشف بعد بضع سنوات إمكانيات جديدة للعقل البشري تتلخص في استيعاب قدر أكبر من المعلومات وكنتيجة طبيعية استخلاص نتائج جديدة بناء على هذه المعلومات تمكننا من استكشاف خلاصات جديدة وأبعاد جديدة في بحور العلم ؟

 

أسئلة كثيرة أترك الإجابة لها لخيال القارىء ، ولكن أسمح المجال لنفسى بطرح افتراض لهذه الأسئلة الغامضة وهو أن العقل البشري لن يتوقّف في مرحلة معيّنة عن اكتساب المعلومات مهما كبر حجمها ، بل سيصبح تطوّر العلم أسرع ، وسيصبح اثبات  ( أو دحض ) النظريات والافتراضات أسهل وأدق  ، وستظهر دائما نظريات وأفكار جديدة بناء على المعلومات التي سنكتسبها يوماً بعد يوم ، وسيصبح البحث العلمي والتفكير المنطقي والتسلسل الذهني للأفكار أجمل وأمتع ، ولن تتسبب الانترنت كما ذكر عنوان المقال التشاؤمي في تحجيم عمرنا الفكري وإنما سنكتشف أبعاداً جديدة لأفكارنا وطاقات جديدة لإبداعنا .

2011-04-25
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)