تقدم وفد الأهالي بجملة مطالبهم ، اصطف الوفد الممثل بشكل أفقي أمامي بينما ترادف القطيع الممثل خلفهم .
لم يسئني نعتهم لي بـ " كلب الملك " ، بل لقد أطربتني قناعتهم بأن " كلب الملك ملك " فلا ضير من أن ينعتوني بالكلب ما دمتُ " الكلب الملك " .
كنت أشعر في قرارة نفسي بأني عاجزٌ عن تحقيق مطالبهم ، فقد أضحى الإصلاح أكثر كلفةً من الهدم وإعادة البناء ، أحببت أن أكون الملك الذي يريدون ، فقدمت لهم احترامي :
- ما رأيكم في أن نتجاهل هذه المدينة ونبني مدينة جديدة ؟.
- صف لنا هذه المدينة .
- المدينة الجديدة لا حاكم فيها سواكم ، لا عملة فيها سوى نتاج سواعدكم ، بناؤها من حجارتكم ، طعامها من زراعتكم ، لباسها من نسيجكم ، أدواتها من صناعتكم ، حراسها شعراؤكم ، قُضاتها حكماؤكم ، سجونها مدارسكم ، قلاعها حضارتكم ، أسوارها تضامنكم .
لم أكد أنهي ، ووسط تصفيق القطيع ، اندسَّ جنود الملك واقتادوني إلى هذه الزنزانة بتهمة التمرد وتشكيلِ عصابةِ أشرار .
***
الرؤيا رقم -6- من وجهة نظر
عندما فكر الأمير أن يفكر في زيارة إحدى الزنزانات
كان الصمت يطبق على زنزانتهم رغم دأبهم على الحركة ، كانت أعينهم شاخصةً ، وآذانهم تتراقص ، وأنوفهم تتحرك في كل الاتجاهات ، وألسنتهم تكرُّ وتفرُّ عائدةً إلى مكامنها .
أدرك الأمير أنه في ساحة المساجين النفسيين ، فسألهم عن الجرائم التي أودت بهم إلى هذه الزنزانة .
قال الأول :
- فكرت ألا أفكر .
قال الثاني :
- لم أفكر بألا أفكر .
قال الثالث :
- فكرتُ أني أفكر .
قال الرابع :
- لم أفكر أني أفكر .
قال الخامس :
- أنا الحارس المكلف بردع الفكر لذا فقد فكرت أنهم غير قادرين على التفكير بمغافلتي كي يفكروا .
- وهل حقاً غافلوك وفكروا ؟
- لم أتمكن من مغافلة تفكيري للتفكير بأنهم فكروا أن يفكروا .
وبينما كان الأمير يتهاوى مغمياً عليه هتف الجميع بصوت واحد مشفقين عليه :
- ليته فكَّر بألا يفكر .
***
الرؤيا رقم -7-
فَتْوى قَتْلِ " المُفْتِي والقَاتِلِ بالفَتْوى "
ما إنْ أَنهيتُ الاشتباكَ بينَ أقلامِيَ وأوراقِي سأَلَنِي طارقٌ :
- هل تَمَخَّضَ الاشتباكُ عنْ ضحايا ؟ وهلِ الضحيَّةُ قَصيدةٌ أم قِصَّة ؟
لم ينتَظِرْ مِنِّيْ جَواباً ، بلْ راحَ يَقرأُ القِصَّةَ بصوتٍ عالٍ :
(( تَفَاجأ المُتَوفَّى اللاحِقُ حينَ وَقَعَ نظَرُهُ على المُتَوَفَّى السابقِ فبادَرَهُ بالسُّؤالِ :
- أراكَ سَبَقْتَني في الآخِرَةِ يا سيِّدي ؟
- كما سَبَقتُكَ في الدنيا .
- ولكنْ يُدهشُني وجودُكَ في جَهَنَّمَ وأنتَ المُفتِيْ !
- وأنتَ القاتِلُ الذي أفتَيتُ لهُ بقتلِ ربِّ عَمَلِهِ .))
وما إنْ أنهى طارقٌ قراءةَ القِصَّةِ حتَّى مازَحَني ببراءتِهِ المَعهودةِ :
- بابا ... أتَمَنَّى أنْ أذهَبَ إلى جَهَنَّمَ لأقتَصَّ مِنَ الاثنينِ معاً !
مازَحْتُهُ بِقَسْوَتي المَعْهُودَةِ :
- أتشُكُّ بِقَصاصِ اللهِ ؟! اذهبْ إذاً .
أجَابَنِي كَما لَوْ أَنَّهُ فِي الطَّرِيْق :
- ولكنِّي سأشتاقُ إليكَ يا أبي .
واسَيْتُهُ قائلاً :
- سَتَلقاني هُناكَ بِما أَفْتَيْتُ يا بُنَيّ ، فَقَدْ أفتَيْتُ بِكفرِ " المُفتِيْ بالقَتْلِ " ، وكفْرِ " القاتِلِ بالفَتْوى " ، وكِفرِ " القاتلِ للمُفتِيْ والمُسْتَفْتِي " .
- أَبِهَذا تَدخُلُ النَّارَ يا أبَتَاه ؟
- لِنَسْتَفْتِ المُفْتِي : مَاذا يُفْتِي في فَتْوَايَ بِتَكْفِيْرِ المُفْتِي وَالمُسْتَفْتِي