news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
الحزن السعيد.. بقلم : الكنار الحزين

جالسٌ قرب نافذة المقهى .. ينظر من نافذةٍ ملأتها سيولٌ من مياه المطر المنهمر خارجاً يفكر في قلبٍ ملأتهُ سيولٌ من دموع اليأس و الحيرة..

كيف سيعيش بعيداً عنها, أغمض عينيه و عاد بالذاكرة الى الوراء, يسترجع دقائق كانا يمضيانها معاً متلاصقين, متداعبين..

و عندما يتذكر انها ستبعد عنه أميلاً و أميال , يعيد اغلاق عينيه ليمحي هذا الكابوس المزعج و يعيد الذكريات الحميمة..


قدمت له فنجان القهوة الذي طلبه و رحلت, تاركةً و رائها الطاولة الملتصقة بالنافذة التي تغسلها مياه المطر, و العجوز الذي تغسل و جنتيه الذي حفر عليهما الزمن بوادر الشيخوخة دموع ملتهبة..

 

أمسك الفنجان بيد مرتجفة تنطق بأعوامه الستين و أنامل قاسية من كثرة ما مر عليها من قساوة الايام..

 

رشف القليل من القهوة, و أعاد اغماض عينيه مسلّماً افكاره للذكريات ثانيةً,,

 

في هذه اللحظة بالذات تذكر كيف كانت تثور عليه و تغضب حين تراه يشرب القهوة.. وهو يبتسم مسرورا يستمتع بتوبيخها و ينتظر ان تهدأ و تبدأ بالضحك على نفسها كالعادة.. ثم تملأ فنجان من القهوة لنفسها لتشرب معه و يتسامران كما في كل ليلة..

 

و حين تذكر انها سترحل, أعاد اسلام خياله للماضي.. و تذكر كيف كانا يتراقضان في الحديقة حتى تسقط          لاهثةً مستنجدة تطلب منه إيقاف اللعب.. و كيف كانت تعود من المدرسة مبعثرة الشعر, متسخة الملابس, مبتسمة..

  أجل كانت طفلة صغيرة شقية..

قالها بصوت مسموع ثم ارتشف القهوة..

في هذه الاثناء دخل صديق له الى المقهى و اقترب من طاولته قائلاً..

_  بحثت عنك في المنزل و لم اجدك فتوجهت الى هنا مباشرةً لمعرفتي بك جيداً..

فأنت منذ أشهر تقضي معظم أوقاتك قرب هذه النافذة و على هذه الطاولة

 

_ أشكرك يا صديقي.. فأنت لم تتركني لوحدي في محنة منذ ايام شبابنا..

_ ما بالك تغيرت منذ وضعت أحلام خاتم الخطبة في يدها!!

(زفر زفرةً طويلةً و مؤلمة.. و كرجت من مقلتيه دموع تودع ماضيٍ جميل و تنادي مستقبل مجهولةٌ احداثه..)

_ أنت تعلم انها كانت حياتي كلها منذ وفاة والدتها, و تعلم كم تعبتُ حتى كبرت و أصبحت شابة.. و الآن في لحظة واحدة يأتي شاب ليأخذها بعيداً عني..

 

_ هذه هي سنة الحياة يا صاحبي.. كلنا نربي أولادنا و نتعب حتى يكبروا و من ثم يتركونا و يذهبوا لتكوين عائلاتهم الخاصة بهم..

 

_ انت تعلم ان احلام ليست ابنتي فقط......

منذ ان توفيت والدتها وهي تعتني بي و كأنها هي والدتي.. فقد عوضتني عن كل ما فاتني من الحنان و السعادة و لم تشعرني يوماً بغياب امها عن المنزل

 

_ ها انت تقولها.. لقد منحتك السعادة..

اولا تستحق هي ايضا السعادة!!

ألا تستحق ان تكمل حياتها مع شاب احبها و احبته!!

 

كفاك حزنا ايها العجوز و تمنى لها حياةً هانئة ملؤها الحب و الحنان و السعادة الابدية..

_ لكنها ستسافر و تتركني للوحدة.. هذه الوحدة ستقتلني..

_ امسح هذا البؤس عن وجهك, لقد أتت أحلام..

 

اقتربت منهم فتاة ذات شعر طويل بلون الليل منثور على ظهرها و كأنه عباءة حريرية, قامتها طويلة, خصرها نحيل, سمراء كأنها احدى جنيات الجمال..

تملك لؤلؤتين عسليتين براقتين تفتنان كل من ينظر اليهما.. و بكفين صغيرتين و أنامل حنونة, أمسكت يد والدها دامعةً, و بشفتين تكاد الحروف تخرج منهما قبلت والدها على جبهته

و قالت:

_ أتبكي يا والدي الحبيب!!

 

يا الهي.. أبسعادتي أهدم سعادتك و أؤلم قلبك الحنون الكبير..

_ لا تبكي يا أحلام فدموعك غالية..

_ و كيف لا و أنا أرى الحزن و البؤس على وجهك الذي لطالما كان مبتسماً..

_ حبيبتي الصغيرة..

كنت اتذكر فقط ايامنا الجميلة سويا و أودع لحظات الماضي..

 

_ آه يا ابتي كم اتمنى لو اني استطيع العيش معك, لكنك تعرف ظروف عمل وائل و ....

_ لا تبرري يا حبيبتي, فقد اتى خطيبك ولا احب ان يرى الدموع في عينيك الجميلتين..

اقترب ذاك الشاب الطويل الاسمر الذي يتغنى بجسد واضح عليه انه جسد رياضي محترف..

لقد كان عداءً هاوٍ و حاصل على ميداليات ذهبية وفضية, و طبيب اطفال ناجح

_ آه يا صغيرتي, أمازالت عيناك مغرورقة بالدموع..

 

لقد احزنتي والدك بعيناك الباكيتان..

صمت الجميع مع حضور النادلة لتسألهم طلبهم, فقال الشاب

_ أرجو ان تزيلي هذه القهوة عن الطاولة لانها تضر بصحة هذا العجوز العنيد و أحضري لنا

بعضاً من العصير الطازج لو سمحتي..

 

جلسوا جميعا بصمت تام ينظرون الى المياه التي ترسم اشكالا مختلفة على زجاج النافذة..

و أخيرا تكلم وائل مع حضور العصير..

_ انه الذ عصير شربته.. ربما لاني سعيد جدا..

 

آه لو تعرفوا كم مدى حبي لهذه السمراء الصغيرة الشقية..

لقد زرعت في قلبي مشاعر لم أكن أتوقع في حياتي أن اشعر بمثلها تجاه اي شخص..

و لكنها.. ( صمت برهةً ثم تابع) .... لا استطيع وصف ما فعلت بقلبي المتحجر..

ابتسم الكهل الحزين لفراق ابنته وقال..

_ سعيدٌ بأن اسمع هذا الكلام منك يا ولدي..

 

هيا بنا الى المنزل حتى نكمل تحضيرات الزواج..

نهضوا جميعا و رحلوا تاركين و رائهم الطاولة تنتظر و الأمطار تغسل الاحزان التي تركها العجوز على حافة النافذة

بعد ايام قليلة كان يوم الزفاف.. أمام المذبح سلّمَ الرجل الكهل ابنته لخطيبها و الدموع تكاد تغرق و جهه السعيد الحزين في آن, و تكاد تلون فستان الزفاف الابيض بلون من الحزن السعيد..

قبلها والدها على جبهتها وقال:

 

_ كم تمنيت لو كانت والدتك موجودة لترى جمالك بثوبك الابيض..

كانت أحلام و بلا مبالغة احدى حوريات الجمال في ذلك الثوب الرائع, بشعرها المرفوع وعنقها المغزول كانت اجمل عروس شقية..

تمت مراسم الزواج بسرعة اكبر مما كان يتوقع الوالد الحزين..

هنأ الجميع العروسان , ثم اقترب والدها منها و ضمها لصدره كأنه يحضنها للمرة الاخيرة..

_ اتمنى لك السعادة مع هذا الرجل الرائع يا فتاتي الصغيرة..

هيا اصعدوا الى السيارة لقد تأخرتم عن موعد الطائرة كثيرا.. (حاول الكهل ان يخفي حزنه عن ابنته بأكبر قدر مستطاع)

 

وفي المطار و دعها و الدها و صديقه الحميم..

قالت أحلام: عماه, ارجوك لا تتركه وحيداً ابدا..

انا مسافرة و بالي مطمئن قليلا انك قربه و ستعتني به..

ثم ودعت اباها بعينان محمرتان من كثرة البكاء..

 

ابتلع الكهل العجوز دموعه بغصة ملحوظة ثم قال:

_ وائل, ستعتني بها جيدا يا بني اليس كذلك!؟

_ أكثر بكثير مما سأعتني بعينيَّ فهي نورهما كن مطمأن يا عماه..

 

صعدا الى الطائرة بأيدٍّ مشتعلةً تلوح مشتاقةً حتى قبل الفراق..

هدرت محركات الطائرة معلنة الرحيل و حلقت بجناحيها في الفضاء..

و حمل الوالد معه اخر نظرة حب رآها في عيون ابنته الصغيرة مع امل بـ لقاء قريب

 

اغمض عيناه عله يستطيع افراغ ما في روحه من الم و تذكر انها سنة الحياة

2011-06-20
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد