news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
زوجتي مغرورة ومتكبرة وكثيرة الثرثرة والكلام .. ماذا أفعل .. أنصحوني ... بقلم : نبراس الصوصو

ما زالت تلك الليلة عالقة بذاكرتي بشكل قوي .. وإنني لأجزم بأنني لو تعرضت لفقدان الذاكرة فلن أنسى تلك الليلة أبدا .. كيف أنساها وهي التي رسمت معالمي وحددت خطوات مسيرتي في هذه الحياة لدرجة بأنني لا أستطيع أن أقوم بأي حركة إلا بناءً على العهد الذي فرضته على نفسي في تلك الليلة ..  


حيث أنها سبقت اليوم الأول من أيام دوامي في المدرسة .. في تلك الليلة التمهيدية للدخول إلى حياة جديدة .. تقوم على التعلم والاجتهاد والتنافس الدراسي جلسنا أنا ووالدي لنتحاور .. لقد كان حوارا طويلا .. كان والدي في تلك الليلة يحدثني عن مدى فخره بي في حال تفوقي وحصولي على الترتيب الأول وعن المكانة التي سأحظى بها بين أترابي في حال أنجزت كل مهامي الدراسية بإخلاص ..

 

وبعد هذا الحوار ورغم أن عقلي كان لا يستطيع  ومهما أجهدت نفسي في التفكير أن يكتشف الفرق بين ثلوج الشتاء والثلج المستخدم في الأعراس وبين الرقم اثنين والرقم ستة كنت مضطرا لأن أختلق نظرية جدية تجعل  والدي سعيدا من جراء اتباعي إياها وتجعلني راضيا عن نفسي كوني قادر على زرع الابتسامة على شفاه أبي فنمت في سريري ونظرت نحو سقف غرفتي .. وبلحظة ما افترضت بأن الغرفة بلا سقف وبأنني أنظر إلى السماء بشكل مباشر فأرى عددا كبيرا من النجوم فأحب نجمة ما دون أي مقدمات أو أي مبررات ..

 

أحبها لدرجة الهوس فأسعى لاقتطافها من كبد السماء .. إلا أن عملية الاقتطاف هذه تتعذر دون أن أتسلق حبل يمتد على طول المسافة بين عيني والنجمة المنشودة .. لقد أفترضت بأن كل خطوة أريد أن أصعدها على هذه الحبل للوصول للنجمة  تتطلب مني أن أكون جادا أكثر وأن أخلص لدراستي أكثر وبهذا أضمن بأن أبي سيكون أكثر فرحا وسرورا ..

 لقد كان لهذا الافتراض ورغم عدم قدرتي على شرحه للآخرين بسبب غرابته أثرا كبيرا في تكوين شخصيتي حيث استندت بتحركاتي إلى توجيهات الأهل ورغباتهم فأنا لم أكن صاحب موقف أو رأي .. لم أكن قادرا في طفولتي على صياغة الكلمات أو التعبير عن ذاتي إلا ضمن إطار واحد ومسار واحد يحدد مسبقا من قبل الأهل الراغبين بابن متفوق ومجتهد دائما

 

.. لقد كنت أسعى بما أوتيت من عقل وقوة  فقط كي أرضي  أبي ومن ثم أمي .. أذكر تماما كيف كاد والدي يطير من الفرح عندما حصلت على الشهادة الاعدادية بتفوق وكيف بكت والدتي من شدة  فرحها لنيلي الشهادة الثانوية الأدبية بمجموع شبه تام .. وحينما دخلت الجامعة حاولت تطوير نفسي أكثر .. لم أرد التفوق فقط على الصعيد الدراسي بل على كافة الصعد الأخرى ..

 

أردت أن أصبح أكثر بروزا ولمعانا وتألقا بين طلاب الجامعة .. أن يراني الجميع فيتهافتون لمصافحة ذاك الشاب الذكي الذي طغى بعلمه ومعرفته وقدرته على تطويع أجواء اللقاءات مع زملائه بما يرضي غروروه ورغبته بالظهور على أساس أنه الأفضل والأدهى والأكثر ثقافة دائما .. وقد كان لي ذلك ..

لقد كان كل أصدقائي ينظرون إلى بإعجاب ويستصغرون مقدراتهم أمام سعة علمي وقوة حضوري .. إلا هي .. رغم أنها هادئة وقليلة الكلام .. إلا أنها كانت تحرجني بالكثير من الأحيان .. لقد كانت واثقة وقوية من الداخل .. ولذلك لم تكن تهتم بنظرة الآخرين لها .. بعكسي تماما .. فأنا الذي أبدو بنظر الجميع قويا وصلبا .. كنت أشعر بفراغ رهيب في داخلي .. أشعر بمحدوديتي رغم صيتي الذي صنعته للتغطية على نقاط ضعف أخرى لم أكن أريد لأحد أن يدركها .. لقد كان التنافس الدراسي بيني وبينها على أشده ..

 

رغم أنها كانت تدرس وتقدم امتحاناتها بعفوية ودون أن تلتفت إلى موضوع الترتيب إلا أني كنت أراقب درجاتها وأشعر بنشوة عارمة عندما كنت أحصل على درجة أعلى من درجتها .. وبألم كبير عندما كنت أحصل على درجة أقل من درجتها وبنهاية المطاف تخرجنا وبفارق قليل في الدرجات كانت هي الأولى وأنا الثاني على الدفعة .. لقد جعلني ذلك حزينا للغاية وأردت أن أبرهن لها بأني الأفضل .. لم تكن تدرك ذلك .. إلا أنها كانت تسعد بلقائي أكثر من أي أحد من أصدقائها بسبب النقاشات الحادة التي تدور بيننا والتي كنا

نستمتع بها .. واستمرت علاقتنا لسنوات عديدة وربما تطورت لحب ثم قررنا الزواج .. وقد كنت أشعر بأنني من خلال الزواج بها أستطيع أن أبرهن لها أو لنفسي بأنني الأفضل .. إلا أن ذلك كان سببا بخلق أزمة نفسية حقيقية بالنسبة لي بعد الزواج .. لقد كانت تأسر جميع الحاضرين في الاجتماعات العائلية بمنطقها وحسن حديثها بينما كنت أشعر بأنها كانت تترك لي دورا ثانويا في هذه الاجتماعات مما يضطرني عندما أنفرد بها أن أتحدث معها بلهجة قاسية لأفرغ الغيظ الذي كان يكبر في داخلي كلما شعرت بأنها أفضل مني بناحية من النواحي وقد تطور الخلاف فيما بيننا بشكل كبير وحاولت البحث عن حلول لعلي أتخلص من شعوري بالغضب والغيظ ولكن بدون جدوى .. فقد كنت أتفنن باختيار الكلمات التي تسيء  لها فأتهمها بالعنجهية والتكبر والثرثرة والغرور وقد كان ذلك يزيدها ثقة وقوة ويزيدني تأزما ولكنني كعادتي كنت أخفي ذلك عن محيطي وأحاول الظهور واثقا دائما مما منعني من زيارة الطبيب النفسي لحل المشكلة وجعلني ألجأ للأنترنت كحل أخير ..

 

 فدخلت إلى موقع سوري مشهور يتضمن قسم تحت اسم اسأل مجرب يتم فيه طرح مشكلة أحد القراء ويقوم رواد الموقع بمساعدته من خلال التعليقات وبالفعل كتبت مشكلتي كما أريد أن يراها الناس وليس كما هي على الواقع ..

 

وبعد أيام نشرت في الموقع تحت عنوان ( زوجتي مغرورة ومتكبرة وكثيرة الثرثرة والكلام .. ماذا أفعل ..

أنصحوني ..)  ..

 فأمطرني قراء الموقع بوابل من التعليقات كان آخرها تعليق لشاب تحت اسم مستعار مضحك وقد كتب متهكما .. الحل الوحيد هو الطلاق .. وبالفعل وجدت بأن هذا الحل هو المناسب فتركت حاسوبي وأسرعت نحو زوجتي وقلت لها بشكل مباغت وسريع : أنت طالق ..

 

ثم ركضت إلى الغرفة الثانية وأقفلت الباب وتمددت على الأرض والدموع تملأ وجهي وبلحظة ما دققت في سقف الغرفة ثم تخيلت بأن الغرفة بلا سقف وبأن السماء مليئة بالنجوم التي أجول بنظري بينها لأصل في النهاية إلى النجمة التي ما زالت عالقة في ذاكرتي والتي تمنيت اقتطافها في أيام الطفولة ولكن هذه المرة لم أحبها أبدا بل كرهتها حد الهوس وقلت لها دون أي مقدمات : سحقا لك ِ ... سحقا لهواجس الطفولة .

قصة افتراضية جدا

2011-07-03
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد