news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
قلوب الأطباء بلا أخطاء ... بقلم : مصطفى ماهر عطري

سألني مريضي الشيخ الحكيم لماذا يخطئ الطبيب أحياناً ؟


 فأجبته بلا تردد: بأن الطبيب كغيره من البشر معرّض للوقوع في الخطأ ! ...غير أن هفواته لا تنشأ بالطبع عن التقاعس أو الاهمال بل عن دوافع نفسية خارجة عن إرادته الطبيعية ، و إن التعب المتأتّي عن العمل المتواصل في المستشفى أو العيادة ، وكذلك نسيان أخذ الإجازات الموسمية للاستجمام او الراحة بصورة دورية ، هو السبب الرئيسي الذي يؤدي بالطبيب إلى ارتكاب مثل هذه الأخطاء الشاذة نسبياً .

 

فقد أثبتت التجارب العملية على أن الطبيب الذي يفني نفسه بالعمل المتواصل دون ان يأخذ القسط الوافر من النوم و الراحة يصبح في النهاية طبيباً متوتر الأعصاب ، يسيّره الاضطراب في جميع أعماله ، فيخطئ عن غير قصد و يتكرر الخطأ.....

 

وتؤكد جميع التقارير الطبيّة الحديثة في هذا المجال أن الأطباء الذين يحرمون من النوم لمدة 24 ساعة متواصلة بسبب العمل ، لا يمكن أن يعودوا الى حالتهم الطبيعية حتى بعد الاسترسال في النوم لساعات عديدة!....

 

ويجب ان يأخذ الطبيب المداوم في المستشفيات قسطاً وافراّ من الراحة الجسدية و الذهنية ليستطيع القيام بواجبه الإنساني على الوجه الأكمل ، و الطبيب الذي لا يحصل على معدل النوم الطبيعي الذي يحتاجه الجسم  يصاب على المدى البعيد بالتبلّد الذهني و النفور من مهنة الطب بحد ذاتها ، و هنا يجثم الخطر نحو المرضى في هذا النوع من الاطباء ... ولقد اختلفت الآراء في مسؤولية الطبيب عن أخطاء المهنة ، فذهب فريق من القانونيين إلى أنه يجب اعفاء الأطباء من تبعية أخطاء المهنة على أساس أن هذا يقلل من شأن الشهادة العلمية الرفيعة التي وصلوا اليها ، و يضر بسمعتهم المهنية ، و يجعلهم يخافون من الإقدام على عملية جراحية معقدة مخافة الخطأ او المحاسبة ، و في هذا تعطيل لقدرات هذه الفئة الفنية المميزة ، وذهب فريق آخر إلى ضرورة إخضاع المسؤولية الطبية الى القواعد العامة على أساس أن القانون لا يعفيهم او يستثنيهم من تلك القواعد ، و خلص رأي القانونيين انه يجب ان يكون الطبيب مسؤولاً عن تصرفاته و أخطائه سواءً كان خطأً فنياً أو مهنياً  جسيماً أو يسيراً ، و لكنهم اختلفوا في تحديد معيار الخطأ الطبي الذي يُسأل الطبيب عنه ، و لقد عرف بعض فقهاء القانون هذا الخطأ بأنه تقصير في مسلك الطبيب و لا يقع على طبيب يقظ ، و هو في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب المسؤول .

 

و يرى علماء الشريعة الاسلامية أن الطبيب يكون ضامناً اذا جهل القواعد العامة للطب أو قصّر في تطبيبه أو قام بالتطبيب بغير إذن من المريض أو من ولي أمره إذا كان فاقد الأهلية ، وأدى فعله الى تلف او عيب و استدل على ذلك بما رواه عمر بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( من تطبب و لم يعلم منه طب فهو ضامن ) رواه ابو داوود و النسائي و ابن ماجه .

 

ومن هنا نرى قدراً مشتركاً من حيث المضمون بين القوانين الوضعية و الفقه الإسلامي بالنسبة للخطأ الطبي و مسؤوليته المباشرة و غير المباشرة .

وحين تتحرر الأخلاق الطبية من الدين او من قسم أبقراط ، تفقد جذورها الأصلية في النفس الانسانية و هي جذور تمتد في ضمير الإنسان إلى أبعد آماد تاريخه في بعض الاوقات ، التي لم يشرق فيها نور الأديان السماوية ، أو نفحات من الضمير الانساني الحي ، فما أحوجنا الى التذكرة و العظة و العبرة و صدق الله العظيم اذ يقول في محكم كتابه العزيز :

 

( و ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين )

فمهنة الطب كان لها منذ فجر التاريخ و بداية الحضارة الانسانية حتى يومنا الحاضر آداب و أخلاقيات للممارسة .

 

د مصطفى ماهر عطري

حلب في 22/6/2011

2011-07-21
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد