نشر أحد الصحفيين ما مفاده "أما في الشأن الدبلوماسي، فالواضح ان الحكومة السورية انتقلت من الدفاع إلى الهجوم بعد ان ضمنت نتائج حسمها العسكري وسرعته، بحيث ردت سوريا على بيان مجلس التعاون الخليجي ولفتته إلى ممارسات المسلحين الشاذة عبر القتل والتنكيل بالقوى الامنية، فضلا عن تعرضها للمقار الحكومية ومراكز الشرطة في المدن التي تشهد توترات امنية. كما واكبت موقف جامعة الدول العربية الداعي إلى ضبط النفس والامتناع عن استخدام العنف بالطريقة ذاتها، وهذا ما يحصل للمرة الاولى بحيث كانت الردود تأتي على لسان الاعلام الرسمي او المصادر.
غير ان الرد الاعنف جاء على الموقف التركي الرسمي الذي اطلقه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي صرح بان تركيا فقدت صبرها وهي ستحمل موقفا حازما إلى سوريا عبر وزير خارجيتها الذي سيزور دمشق غدا الثلاثاء، بحيث اشارت بثينة شعبان مستشارة الرئيس بشار الاسد إلى ان الوزير التركي سيسمع مواقف سورية اشد حزما، في اشارة إلى ان سوريا غير مكترثة للموقف التركي ولا لسواه من المواقف التي لا تأخذ بالاعتبار حزمة الاصلاحات السياسية التي رفضها المعارضون ولا الممارسات العسكرية التي يمارسها المحتجون." ثم يلفت الصحفي النظر إلى أن العلاقات الدبلوماسية بين أنقرا ودمشق لم تنقطع، بل على العكس تماماً، فهي تشهد مزيداً من الحراك.
وهذه النظرية تتفق مع النظرة القائلة أن القائد الأسد قد بدأ مرحلة الهجوم السياسي على المعسكر الأمريكي والأوروبي ومن لف لفهم من العصابات الدولية.
والناظر إلى الأحداث مع بعضها وتزامنها، يرى أن القائد الأسد وحتى الآن لم يستخدم أياً من الأوراق الرابحة المتوفرة لديه، بل يقوم بتوزيع أوراق احتياطية خلقتها الأحداث على بعض الأطراف، تكسبها تنازلات معينة من المعسكر الأمريكي والأوروبي، لكسب بعض هذه الأطراف وتحييد بعضها الآخر عندما يتحول الهجوم السياسي إلى معركة سياسية.
فتعليق الرئيس الروسي جاء بعد أن تم اختراق ما يسمونه بالتنسيقيات في حماة، وإلقاء القبض على بعض أكبر الرؤوس المنظمة والممولة للإرهاب داخل مدينة حماة.
أما بيانات دول مجلس التعاون الخليجي وأمين عام الجامعة العربية فقد جاءت بعد أن تم تطويق دير الزور، وحصر أماكن المسلحين، مع ممارسة أقسى أنواع الحرب النفسية عليهم، تمهيداً لما حصل لاحقاً من حسم الموضوع على الأرض وإلقاء القبض على الكثيرين منهم.
ما (البيان التاريخي) للعاهل السعودي، فلم يأت عند اشتداد أزمة حماة، ولم يأت أثناء اشتداد أزمات درعا وبانياس وتلكلخ وجسر الشغور، ولا حتى عند اشتداد أزمة دير الزور، بل أتى بعد حسم الموضوع، ودخول عناصر جيشنا الباسل إلى المدينة، مع الآليات التي تكفلت بإزالة الحواجز من شوارع دير الزور، شارع شارع، زنقة زنقة. (يعني بالعامية، تنظيف دير الزور وحصر المجرمين في نقطتين "الحويقة والجورة" لا ثالثة لهما).
وكأنها كانت إشارة من القيادة السورية إلى الأطراف المذكورة بأن الأمور على الأرض قد تم حسمها، ولم يبق في الأمر سوى عدة أيام، فمن كان منكم يريد أن يحصل على تنازلات من المعسكر الأمريكي مقابل (خطابات إعلامية وتحركات إعلامية لا تسمن ولا تغني من جوع) فليستغل هذه الفترة.
وأتوقع شخصياً (وهو مجرد توقع) أن العاهل السعودي حصل على تنازلات معينة فيما يخص الجناح المضاد داخل العائلة الحاكمة (بندر ونايف) مقابل (البيان التاريخي) الذي لم يعرف له رأس من رجلين، فلم يتضمن إدانة صريحة لأي طرف، ولم يتضمن نفياً لوجود أطراف أخرى مسلحة، وأقسى ما مر فيه من كلام هو أن المطالب بإيقاف عمليات القتل هو الحكومة السورية (وهذا ما تقوم به الحكومة السورية من إيقاف لعمليات القتل الطائفي والتخريبي والإجرامي، وبالتالي فكلام البيان بهذا الشأن تحصيل حاصل)، مع رمي ملاحظة عن مطالبة الحكومة السورية بإجراء الإصلاحات الشاملة (لا أحد يسمع الراقصة عندما تتحدث عن الشرف والعفة، مع احترامي لمنصب العاهل السعودي الموقر).
ودعونا لا ننسى الخطوة التي قام العاهل السعودي بها مؤخراً من تعيين نجله معاوناً لوزير الخارجية السعودي، وتسليمه شخصياً ملف العلاقات السعودية الإيرانية، التي تشهد للمرة الأولى منذ الثورة الإيرانية مفاوضات جدية لإحياء العلاقة الدبلوماسية دون وجود وسطاء، عدا عن الحركة السعودية غير المعلنة بإيقاف (العرعور) عن العمل على هواء القنوات في الداخل السعودي مما أدى إلى انتقاله إلى القناة الجديدة (سورية الشعب) والتي لا تتمتع بنفس المتابعة الجماهيرية بعد. (فهل يتفق كل ذلك مع بيان ملكي فعلي يعكس موقفاً حقيقياً بإدانة للحكومة السورية؟)
أما الرئيس الروسي وبيانه المعلن (والذي تلاه تصريح لرئيس لجنة الصداقة السورية الروسية يؤكد أن روسيا ثابتة على موقفها فيما يتعلق بالأحداث السورية)، فمن الواضح حصول روسيا الصديقة على تنازلات معينة من المعسكر الأمريكي مقابل بيان كهذا، (قد تكون متعلقة بالأزمات في الدول المتاخمة لروسيا مثل جورجيا وغيرها.. وقد يكون غير ذلك) وينسحب الوضع على مجلس التعاون الخليجي، ولا يخلو الأمر من أوراق الدعم المقدمة لنبيل العربي مقابل تصريحه الكريم (أما بيان الأزهر، فينسحب عليه ما انسحب على ما سبقه من بيانات وفتاوى من نمط إرضاع زميل العمل.. إلخ).
أما الصين والتي تمتلك في الأصل ورقة الضغط الفعلية على الولايات المتحدة الأمريكية (سندات الخزينة الأمريكية بقيمة تزيد عن 1.7 تريليون دولار أمريكي) فلا مكاسب حقيقية لها من هذه الأزمة، حيث لا يمكن لأي ورقة سياسية أن تكسبها شيئاً ضد الولايات المتحدة الأمريكية أكثر مما لديها، ومع ذلك، فقد تسجل الأيام القليلة القادمة بياناً يستنكر القتل أو يدعو الحكومة السورية لتفعيل الإصلاحات (ولو أني برأيي المتواضع أستبعد ذلك).
وكذلك لبنان على سبيل المثال لا يستطيع تحقيق مكاسب سياسية من المعسكر الغربي حالياً (لم يكن الرئيس الأسد ليقف في وجه أي مكاسب لبنانية على المستوى الدولي مقابل بعض التصريحات)، وبالتالي كان تصريح وزير خارجية لبنان واضحاً وصريحاً.
في النهاية، مجموع ما حصل هو عبارة عن (تسجيل مواقف)، مقابل مكاسب ربما قد تكون حققتها الأطراف التي سجلت هذه المواقف،
وبالمقابل، فما نوع الرسالة "الحازمة" التي يستحي أردوغان أن يقولها شخصياً ومن داخل أنقرا؟؟ وقد سبق أن تحدث بأسوء ما يمكنه خلال المرحلة الأولى من الأحداث؟؟ وإذا كانت زيارة وزير الخارجية التركي سلبية كما يهدد ويتوعد صاحبنا التركي، فلماذا تستقبله الحكومة السورية؟ وقد سبق لها أن تجاهلت طلبات خليجية باستقبال وزير خارجية قطر، انتهت هذه المطالب بتعليق أعمال السفارة القطرية ومغادرة السفير القطري للأراضي السورية.
وقد سبق لأردوغان أن (طالب الأسد بإجراء إصلاحات حقيقية وشاملة) عبر الهاتف، فما هي الرسالة التي لا يستطيع نقلها عبر الهاتف؟؟ ما دام يستعرض عضلاته بأنها حازمة، حتى من قبل أن ينطلق وزير الخارجية من تركيا؟
ومن كل ما سبق، أستطيع الاستنتاج أن القيادة السورية، وبعد أن تأكدت من حسم الأمور بشكل شبه نهائي على الأرض في الداخل السوري، بدأت عملية التحضير لهجوم المعاكس على المعسكر الغربي، وينطوي هذا التحضير على تحقيق بعض المكاسب لبعض الأطراف إما لتحييدها أو لكسبها إلى الصف العربي عندما تبدأ المعركة السياسية.
مرة أخرى، يثبت هذا الشبل أنه من ذاك الأسد، والمتمعن في تحركات القائد الخالد حافظ الأسد السياسية، وطريقة تعامله مع الأمور، يتأكد عندما يقارنها بسياسة القائد الشاب أن سياسة الأسد لم تتغير قيد أنملة، بل ربما قد زادت حنكتها مع الخبرات الناتجة عن التجارب السياسية خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية (الحالة الأمريكية عند غزو العراق، اغتيال الحريري، القرار 1559، اتهام سورية باغتيال الحريري، المحكمة الدولية، حرب تموز.. إلخ).
ومن كل ذلك، أستطيع برأيي المتواضع، ومن منبري هذا أن أهنئ الشعب السوري على نهاية الأزمة بشكل شبه كامل، مع توقعي لاستمرار بعض مظاهرها (غير الخطرة) حتى يتم البت بشكل نهائي بوضع الجيش الأمريكي في العراق وأستطيع القول، عاشت سورية، وعاش شعبها الصامد الأبي، ولكل من خدعتهم عقولهم الفارغة بأنهم يستطيعون فعلاً الحصول على تنازلات من القيادة السورية (سواءً كانوا داخل أو خارج سورية)، أعود لأذكر:
إنها سورية يا أغبياء!!!!