news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
مدينة طرطوس في عهد الصحوة ... بقلم : علي سلمى

العلم هجرة وجهاد ورباط وصبر


 منذ بداية شهر رمضان المبارك خرج بعض الشباب في مظاهرات مختلفة عقب صلاة التراويح، فأنشأت على صفحات موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك عدة صفحات تدعي تمثيل الشباب المتظاهر، وتنشر بيانات باسمهم. وهناك بين الفينة والفينة "تنسيقيات ثورية" جديدة تطلّ علينا على صفحات الفيس بوك، تعلن عن بيانات أو طلبات مقاطعة، وأنها ترفض التدخل الأجنبي ، وأنها تعمل على ترسيخ مبادئ الوحدة الوطنية، وقتل الفتنة الطائفية، وغيرها!!!.

 

 وهناك الكثير من الصفحات على الفيس بوك تدعي أنها تمثل المتظاهرين، لا شك أنها جميعًا لها تكاليفُ ومصروفات، لا يستهان بها في علم الحسابات، سواء جرى تمويلها بالتبرعات أم غيرها!!!.

 

 والمهم في هذا وذاك في مدينة طرطوس ليس الكمّ، ولا كثرة "التنسيقيات الثورية"، ولا عدد الذين يخرجون في مظاهرات. المهم أن يكون العمل على قدر الإمكانات، وإلا تسلل إليه من ليس أهلاً له دينًا ولا علمًا، سواء عن طريق الفكر، أو عن طريق العمل، أو عن طريق الإدارة. وكل ذلك ربما أدى إلى تراكمات شيئية وفقاعات صابونية لا تترك أثرًا علميًا ولا عمليًا رصينًا على مستوى هذه المدينة.

 

فإن إمضاء عدد من الشهور في كشف بؤر الفساد ومحاربة الجهل والأمية والفقر والمرض في المدينة خير من إنتاج عشرات البيانات المكررة والمعادة، والتي ربما تتقزز منها النفوس، سواء أعلم هؤلاء أم لم يعلموا، وربما هُزئ بهم وهم يحسبون أنهم ممدوحون. أريد أن يكون الجميع في هذه المدينة يدا واحدة، لا أيادي متعددة، وشعارات مختلفة كلٌ منها بعنوان، وكلٌ منها بإعلان، وهي واحدة بادية للعيان!

 

من المهم أن يحاسب كلٌ منا نفسه، وألا يهتم بكثرة الحركات العقيمة كمقص الحلاق . أجدر بنا أن نهتم بمظهر الرصانة والقوة والابتكار، أمام باقي المدن والمحافظات، وأمام زملائنا، وأمام المسلمين، وأمام أعدائنا، وأمام الناس أجمعين .. بل أمام الله، فإنه سبحانه سيحاسبنا عما استرعانا.

 

المهم أن يتخصص كلٌ منا في مسألة، في ثغر على جبهة الوطن ، لا يغادره، مقدّرًا أن لو احتلّ آخرُ مكانه لما استطاع أن يُحرز مكانته. نريد إنسانًا لا يغني عنه إنسان، وكتابًا لا يغني عنه كتاب. نريد مدينة تُمتع رجال العلم وتنفع رجال العمل، تشرح صدور العالِمين، وتيسّر أمر العاملين، تنشّط الأذهان وتحرّك الأبدان، تجدّد العزائم وتذكي الهمم. لا تعمي البصائر والقلوب، ولا تدعو التقيؤ والغثيان. تشهّيك متابعة العمل ولا تفطمك عنه.

 

فكثيرون يعملون كل شيء، ويكتبون في كل شيء، وتراهم في كل مؤتمر وفي كل ندوة وعلى كل مائدة، وأحيانًا كثيرة لا بحكم معارفهم وعلومهم، بل بحكم أشياء أخرى، كأن يخدم بفكره أحدًا بغير حق، وإذا فعل ذلك لا يعود فكره فكرًا ولا صاحبه مفكرًا، بل إن تلميذًا من التلاميذ يستطيع أن يحكم على هذا الفكر الهزيل، أو كأن يتوسل للانتشار بوسائل الضغط أو الإكراه أو الحيلة أو الاستغلال، أو كأن يحسب أن الناس لا تقرأ، وإذا قرأت لا تفهم، وإذا فهمت لا تتكلم، وإذا تكلمت لا يُسمع لها.

 

فكم رأينا متضعًا في القانون أو السياسة أو غيرها، لا يعرف لغة أمه، بلهَ لغة علمه، يتهجم على إمام، ويضع كلامه في غير محله، أو يتطاول على عالم، أو يمدح فقيهًا ليعمل بخلاف فقهه، أو يمدح الإسلام ليشوّه صورته، أو يمدح المواطنين ليأكل أموالهم بالباطل، أو يأخذه الحماس الأعمى فيجعل من الصغير كبيرًا، أو من الحقير خطيرًا، أو يزايد مع المزايدين، فينسب إلى شريعة الإسلام ما لم يأتِ به أهلوها، أو يحمّل النص معنى هو موقن بأنه لا يحمله.

 

نريد من المواطنين والدولة صلات مستمرة، أساسها أن المواطن اليومَ في مدينة طرطوس وفي كل سوريا هو مواطن مثقفٌ واع، يريد أن يعرف بالأدلة المحكمة والمحاكمات الرصينة لماذا منع هذا وسمح ذاك؟ لا بادعاء أن فلانًا أجاز ذلك أو جهة. يريد أن يعرف بعد ذلك مدى التطابق بين الأقوال والأفعال، بين الشعارات المعلنة والحقائق المبطنة. يريد أن يعرف الأعمال التي تقوم بها الدولة... يريد أن يعرف هل تخدم مصالحه أم أنها جسر وسيط بين أمواله ومشروعات الآخرين؟ يريد أن يعرف كيف وظف الناس من قرية واحدة في مديرية واحدة، وكيف غيبت عدالة التوظيف في الدولة بين الريف والمدينة، فغلب الريف المدينة!!! ومن أين جُمعت الأموال، وفيمَ أنفقت. يريد دراسات وانتقادات ومكاشفات، لا تكلفًا وهوسًا وهذيانًا. يريد فكرًا مسؤولاً لا طائشًا مُدانًا.

 

إننا نريد بحق أن يضع هذا الجيل الأمور في مواضعها، يتعلم كيف يعرف الحق بالأدلة والبراهين، لا بالاعتماد على فلان وفلان من أي جهة كانوا. نريد أن يكون هذا الجيل من المفكرين الأحرار المستقلين، لا من المخبولين المقيدين التابعين.

 

نريد أن نرى باحثين مجتهدين، لا مقلّدين ولا ملفّقين، نريد أن نرى أناسًا صادقين لا يفْرطون في تعظيم الأنبياء والعلماء والمصلحين، ولا في الخوف من الطغاة والبغاة والشياطين.

 

نريد أن نرى كُتّابًا يقولون : هذا ما علمنا، وهذا ما لم نعلم. هذا ما قاله فلان المسلم، أو فلان غيره. لا نريد مدحًا ولا قدحًا، ولا دجلاً ولا صياحًا، ولا تصفيقًا ولا غرورًا.

 نريد أن نرى عقولاً أقوى من عقول الغربيين المتقدمين، لنفكر كما يفكرون، وإيمانًا عميقًا  لا يملكون، لنرجو من الله ما لا يرجون.

  إن مدينة طرطوس ستظل آمنة مطمئنة كما هي عليه الآن بسبب وعي أهلها لشر الفتنة ولشر ما يحصل من جرائها، فبعد نهاية هذه "الأزمة" التي طرطوس لا يمكن أن تؤثر فيها بأي شكل من الأشكال لا بد من منتصر و لابد من مهزوم، فينبغي علينا مراعاة بعضنا البعض ومحبة بعضنا البعض والنأي بهذه المدينة عن كل قطرة دم ستزهق فيها، ويجب أن ينال المذنب عقابه أمام القضاء العادل و من دون ضرب أو تعذيب أو إهانة لكرامته البشرية ، وإن تعفوا وتصفحوا  أقرب للتقوى، وإن مدينة طرطوس هي بلد أمن وأمان واطمئنان ستظل هكذا مادامت الدنيا بإذن الله. 

 

 وأخيرا فالتقدم لا يُنال بأذكار المتبطلين، ولا بصيحات المتعاطفين، ولا بصرخات المتوجعين، إنما يُنال بالسعي والاجتهاد والدأب والإصرار والصبر، ومغالبة الخصوم في كل الميادين، حتى نكون في عهد الصحوة بحق مبين، وحتى نُحرز الفوز العظيم، والحمد لله عالم الغيب والشهادة، والمفسدين من المصلحين!

 

علي سلمى

 

 

طرطوس

17/آب/2011 ميلادي

17/ رمضان/ 1432 هجري

 

2011-08-22
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)