"مقالة للكاتب سامي كليب في صحيفة السفير لما فيها من معاني رائعة احببت ان تكون مساهمة واتمنى من موقع سيريا نيوز نشرها "
سامي كليب – صحيفة السفير
لا يمكن لرسام كاريكاتور أن يكون خطراً على الأمن القومي. الخطير هو من يضرب رساماً برقة علي فرزات وذكائه وطرافته. والخطير هو من يقدّم للعالم ذريعة لمهاجمة بلاده في محنتها الراهنة. هي اليد الخشنة الظلامية تواجه أنامل الفن لتزيد في تشويه صورة بلاد الحضارة العريقة في وقتها العصيب.
يعرف العرب كثيراً من رسوم علي فرزات، ولكن قلة منهم يعلمون ان للرجل قصة لافتة مع الرئيس بشار الاسد. جرى اللقاء الاول بينهما قبل وصول الاسد الى الرئاسة. كان يزور مركزاً ثقافياً فرنسياً، وكان فرزات يعرض فيه رسوماً كاريكاتورية ناقدة بما فيها لأهل السلطة. هي رسوم كانت ممنوعة من النشر وجدت طريقها الى المعارض، حيث عين الرقابة نادرة والأيادي الخشنة لا تعرف إليها سبيلاً. توقف الاسد عند إحداها، تمعن في اللوحة، أدرك أنها تعنيه. خاف فرزات، لكن سرعان ما فوجئ بالرئيس يضحك.
راح الأسد يجول في المعرض، يتوقف عند الرسوم الناقدة لرجال الاستخبارات. يستدير الى أحد هؤلاء من بين مرافقيه، يضحك ويقول: «هذه عنكم». يبتسم الرجل الاستخباراتي ابتسامته الصفراء المعهودة. يكمل الرئيس جولته، يتوقف أمام علي فرزات، يسأله ما اذا كانت رسومه هذه تنشر، يجيب الرسام بالنفي، فالرقابة تمنع كل ما ينتقد هيبة الدولة. يصافحه الرئيس ويطلب منه أن ينشرها، لا بل يتصل الأسد نفسه بوزير الإعلام، وسرعان ما يكتشف السوريون ان رسوم علي فرزات الناقدة لكل شيء باتت تنشر في صحيفة «تشرين». زادت مبيعات الصحيفة. تنفَّس الناس.
كان ذلك اللقاء بين الأسد وفرزات مقدمة لشيء من صداقة كادت تتعمّق. يؤكد رسام الكاريكاتور أن الاسد كان يزوره في بيته أو معارضه ويشجعه.
علي فرزات رجل طريف ودمث. رافقته الطرافة منذ نعومة اظافره. كان والداه يخرجانه من البيت خجلاً من الضيوف فهو لم يكن يتوانى عن تقليد اي زائر او ضيف. يضحك أهله ويخجلون، لكن أحداً لم يضربه وهو صغير السن لهواية التقليد او الرسم. وحين التقى فرزات بالأسد اكتشف هو الآخر أن الرئيس يتمتع بروح النكتة حتى في أكثر الأوقات حراجة.
صدَّق علي فرزات أحلام الطفولة. صار رساماً شهيراً. انتشرت رسومه في معظم الصحف العربية. رأت مجلة «الدومري» النور على يديه. انتعش النقاش بين المثقفين. أرخت الحرية شيئاً من اشعتها على المناخ الدمشقي. شعر المثقفون بأن سنونوات كثيرة صارت ترفرف فوق ربيع دمشق.
لو استمر الربيع لتفادت سوريا الكثير مما يصيبها اليوم. مهما رسم علي فرزات ومهما انتقد فهو يبقى أقل خطراً من الذين تسببوا في كسر يده وتشويه وجهه وتشويه صورة سوريا. من مصلحة النظام السوري الكشف عن الفاعلين. هذا سكين في صدر الإصلاحات قبل ان تولد