news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
عن الحوار... بقلم: عطيــــــة مســـوح

 أصبح النزيف يومياً، واتسعت رقعته إلى حد كبير. وكل مواطن يحمل هم الوطن والشعب يؤرقه ذلك، ويخيفه ما يمكن أن يؤول إليه، فبعض السيناريوهات المحتملة خطير، والوطن في حاجة اليوم إلى المحافظة على كل قطرة من دماء أبنائه.


لم يعد مفيداً الاستمرار في المضامين والأشكال والأساليب السابقة، التي عشناها ودرجنا عليها عقوداً. وثمة قضايا كبيرة تحتاج إلى معالجة، وفق رؤية تغييرية عميقة، تنطلق من تقديم مصلحة الوطن والشعب على كل مصلحة أخرى.

 

وإذا اتفقنا على أن جوهر الأزمة التي تعيشها بلادنا هو جوهر سياسي، له أبعاد ومظاهر ونتائج اقتصادية ـ وثقافية، فإن معالجة هذه الأزمة ستكون معالجة سياسية ـ بالدرجة الأولى، تتناول ـ إضافة إلى القضايا السياسية ـ قضايا اقتصادية واجتماعية وثقافية.

أما اتجاهات هذه المعالجة، وتفاصيلها، فلا يحددها إلا الحوار الوطني الشامل، والوصول إلى مؤتمر وطني يتوّج هذا الحوار، وينتشل البلاد من الأزمة ويضعها على طريق التغيير التقدمي الآمن.

 

في ثقافتنا ما يعزز النزعة الأحادية. لكن إحدى المشكلات السياسية والثقافية والتربوية العربية في العصر الحديث هو لجم الأصوات الداعية إلى الانتقال من الأحادية إلى التعددية، من هيمنة الرأي الواحد والصوت الواحد إلى الحوار، بل الصراع الحضاري بين الآراء والأصوات. والمجتمع سيكون أقرب إلى النهوض والتقدم إذا وصل إلى صيغ حضارية للعلاقة بين أطرافه وقواه وأطيافه ذات المصالح والرؤى المتباينة والمتناقضة.

 

الأحادية راسخة في حكوماتنا العربية، ومؤسساتنا السياسية والثقافية، وإداراتنا، وهي واسعة الحضور في أفكارنا وسلوكنا اليومي. ولعل أبرز تجلياتها وأكثرها خطراً هو رفض الآخر والسعي إلى إلغائه.

 

وأشد مجالات هذا السعي الإلغائي ضرراً هو المجال السياسي، فإلغاء الآخر على المستوى السياسي يوصل إلى إخلاء الساحة السياسية من القوى المنظمة الفاعلة، وإفراغ المجتمع من الحركة السياسية، وإبعاد التناقضات الاجتماعية عن التجلي سياسياً لتتجلى بأشكال أخرى، طائفية أو عشائرية أو عائلية أو إقليمية ضيقة. وهذا ما حدث في مجتمعاتنا العربية في نصف القرن الأخير.

 

ولم تدرك الحكومات العربية أن إضعاف المعارضة السياسية يؤدي إلى إضعاف الذات، لأن النقيض يقوى بنقيضه، والحراك السياسي بوسائله الحضارية هو قوة للمجتمع وغنى للتجربة يؤدي إلى نضج سياسي ويحصّن المجتمع من الانقسام على أسس غير مدنية أو حضارية، أي على أسس ما قبل السياسة.

 

لقد أصاب الداعون إلى الحوار، وها هي ذي دعوتهم تتسع وتلقى أصداء طيبة، ويكثر المعبّرون عن رغبتهم في أن يكون الحوار طريق الخروج من الأزمة. وعلى الرغم من وجود لجنة أو لجان لتنظيم الحوار، فإن كل ظاهرة حوارية هنا وهناك ينبغي تشجيعها، وكل مفكر أو سياسي أو مثقف أو مهتم بالشأن العام، سواء أكان معارضاً أم مؤيداً أم بين بين، مدعو للتعبير عن رأيه، لأن الحوار السلمي الحضاري لم يكن عبر الزمن إلا مفيداً، ولم يُحسم صراع سياسي حسماً يحقن الدم ويحمي وحدة الوطن إلا من خلاله.

 

وكي يكون الحوار فعالاً ومفيداً، ويصل إلى غاياته الوطنية، من المفيد أن يكون له مرتكزات، وتراعى فيه أمور أرى أن أهمها :

1ـ التكافؤ ففي الحوار حول القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية يتساوى المتحاورون من حيث الحقوق، وإن تباينوا من حيث القدرات والكفاءات.

في الحوار المتكافئ توضع الصفات والمناصب جانباً، ويتبادل المتحاورون الرأي باحترام وجدية، ويكون كل منهم مستعداً للاستفادة من رأي غيره. وهذا هو جوهر فكرة ما يسمى بالطاولة المستديرة.

 

2- الطمأنينة فمن الضروري أن يكون المشارك في الحوار مطمئناً إلى أنه لن يحاسب أو يلاحق أو يتعرّض للمضايقة بسبب رأيه المخالف لرأي الدولة أو القيادة السياسية أو الإدارية، وتجارب المواطنين في العقود الماضية تجعلهم يتوجسون ويتهيبون، إذ كان التعامل الأمني مع الآراء هو السائد، وكان المواطن يُعاقَب بسبب آرائه التي لا تنسجم مع الرأي الرسمي.

 

3ـ الحرية، أو نزع السقوف. فلا سقف للحوار من حيث القضايا التي تطرح، ولا فكرة خارج إطار الحوار، إنه حوار وطني، وقد يرى بعض المتحاورين أن هذه القضية أو تلك هي مادة أساسية من مواد الحوار، بينما لا يراها آخرون كذلك. إن طرح كل شيء على طاولة الحوار ضروري، ومن ذلك مواد الدستور ذاتها، ومنها المادة الثامنة.

 

4ـ العلنية. فالحوار شيء والتفاوض شيء آخر. التفاوض قد يجري بعيداً عن الأضواء، وقد تحدث فيه مساومات وتسويات. وهو مفيد بعد أن تكون القضايا واضحة ومحددة والآراء حولها متبلورة بين قوى تحاورت واقترحت حلولاً. أي، إن الحوار المطلوب، والمتوّج بمؤتمر وطني، سيحدد اتجاهات الخروج من الأزمة والمحافظة على السلم الأهلي ودفع البلاد نحو التقدم والوصول إلى صيغ سياسية حضارية جديدة تسير وفقها العلاقة بين السلطة والشعب، وسيكون ذلك عبر التباحث أو التفاوض بين ممثلين للاتجاهات الرئيسة التي برزت خلال الحوار.

 

إن علنية الحوار، ونشره بشفافية ودون تحيز عبر الوسائل الإعلامية، أو إجراء الكثير من أجزائه وفصوله أمام الملأ وفي أماكن مفتوحة، يجعله مقنعاً وغنياً.

وأظن أن الحوار المنطلق من هذه الأسس، سيسهم إسهاماً كبيراً، بل حاسماً، في تحديد اتجاهات الإصلاح المطلوب، وهو إصلاح لم يعد من المقبول أن يكون جزئياً أو ترقيعياً.

 

النمطية هي آفة المجتمعات، والحياة في تغير مستمر، وإذا لم تواكب الحركات السياسية هذا التغير، فستكون عبئاً على المجتمع بدلاً من أن تكون رافعة له.

ولعلنا كلنا نطمح إلى الوصول إلى حالة سياسية يكون فيها الشعب قادراً على إقرار ما يريد، ودفع التطور والمواكبة في الاتجاه الذي يخدم مصالحه،  عبر صناديق الاقتراع، وحرية العمل السياسي والإعلامي، ومن خلال علاقات ديمقراطية بين القوى السياسية المختلفة.

 

2011-09-16
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)