سمعت ما طرحه الرفيق أبو جوهر ، مسؤول المكتب الفكري المنطقي للحزب الشيوعي السوري في محاضرة باسم (الماركسية و الدين ), و كانت محاضرة شيقة و جميلة , و لكني انتبهت أن الكثير يخلطون بين العلمانية و الشيوعية
في البداية اذكر أن العلمانية ليست ديانة كما ذكرت في عنوان مقالتي و لكني كتبت كلمة (دين )بشكل مجازي لتقريبها للقارئ لست بصدد شرح الشيوعية هنا و لكني سأتكلم قليلا عن العلمانية كوني علماني و من وحي حياتي و كيف عشت شبابي في أحضان العلمانية و في مدرسة القائد المناضل الملهم حافظ الأسد و حزب البعث العربي الاشتراكي في عصره الذهبي, ذلك القائد الذي منح سورية أربعون عاماً من الهدوء و الاستقرار و جعل منها قوة إقليمية و منح الشعب السوري هدفا ساميا يسمو إليه و سعادة لا توصف , و هنا اذكر البعض من أفراد الشعب السوري مما تناسوا عقائد ذلك المعلم النبيل و اقصد الراحل حافظ الأسد الذي عشت أجمل أيام شبابي في كنف عهده و كيف إن ذلك المعلم العلماني منح العلم بشكل مجاني لجيلنا وقتئذ و تسامى عن مسلمات العالم المعاصر من اللهث نحو المال , كيف انه عندما كسرت يدي وجدت ألف مشفي يعالجني بالمجان و ليس معي ليرة واحدة و كيف اندهشت عندما خرجت من مشفى المجتهد احمل صورة شعاعيه و جبيرة تلف يدي و لم يطالبني احد بدفع فاتورة , فقط لأني سوري , بل فقط لكوني عربي و أتكلم العربية
البعض يظن أن العلمانية هي عدم الاعتراف بالأديان أو إنكارها و عدم إشراكها في الحكم , أقول لكم هي العكس تماما , العلمانية تعني إشراك كل الأديان و لكن في مؤسسات الدولة المناسبة , كوزارة الأوقاف أو البطريركيات إلى ما هنالك , مع معاملة كل الأديان و المذاهب بكل احترام ضمن مؤسساتها , و لذلك كان المعلم حافظ الأسد مدرسة في العالم العربي بل و العالم , هو من بنى صوامع الحبوب التي نشاهدها في كل مكان في سورية , و التي أخرجت سورية في السنوات العجاف من الحصار الاقتصادي او الجفاف الطبيعي من خطر المجاعة , و بليرة و نصف في عهد ذلك القائد الخالد بإمكانك شراء كيلو من الخبز من أي مخبز , و في كل حارة مخبز .
القائد الراحل حافظ الأسد كان بحق كمال أتاتورك العرب , و قامت في عهده الأديان بدورها الطبيعي و الصحي ضمن مؤسساتها , و لذلك العلمانية ليست نفسها الشيوعية التي تقمع الأديان و تمنعها و التي تدعو إلى الإلحاد , سأشرح سيدي القارئ العلمانية بشكل أعمق , العلمانية دين المثقفين و القادة لأنها تتعامل مع جميع الأديان و جميع الطوائف في المجتمع بحياد و لكن باحترام و كتراث إنساني و جميل فالمجتمع المتنوع هو ثروة منحها الله عز و جل لسورية لاغناءها فكرياً و ثقافيا ,
هكذا اعتبرناها في حزب البعث العربي الاشتراكي و في مدرسة القائد الراحل , علمانيتنا السورية تقول انه لا يجب أن تكون مسيحياً كي تحترم الديانة المسيحية أو من طائفة معينة كي احترم تلك الطائفة , فالتعصب أو الميل لأي معتقد سيكون على حساب باقي المعتقدات حتماً .
و العلمانية أيضاً لا تعني أن أتعصب لذلك المذهب أو ذاك و أن اكفر كل إنسان لا يتبعه و تعني أن لا ادخلها ضمن حساب قراراتي التي احكم أو أدير بها مجتمعي المتنوع و الغني بجميع الاتجاهات أو أقيم بها ذلك الشخص أو ذاك, بل الدين يجب أن يكون شأن خاص محصور و بدون مغالاة , و أن لا أوظفه لتحقيق منافع سياسية أو شخصية , وان لا ادعه يطغى على محاكمتي العلمية و المنطقية في النهاية و اشطب به كل بديهيات العلم و نظرياته , و الغي به قواعد المجتمع الحديث و العلم الحديث الذي منحنا العلاج الحديث و السيارات و الطائرات ,وخلافه, و بالتالي المساجد و الكنائس في الفكر العلماني هي أماكن مبجلة , كيف ذلك ؟ لأننا احترمنا وظيفتها و عرفناها كأماكن للعبادة فقط و تنئينا بها عن التوظيف السياسي , فمن يريد ذكر الله فلن نمنعه من دخولها وممارسه طقوسه و عباداته و لكن من سيشوه وظيفتها لتحقيق مأربه الشخصية فتلك كبيرة و إثم في الدين و جرم في القانون المدني .
في العلمانية كل أديان المجتمعات الإنسانية جميلة و لكن دون تفضيل إحداها على الأخرى , سوار كانت سماوية أو غير ذلك حتى , و قد يفهم البعض مقولة السياحة الدينية بشكل خاطئ , و لكنه شيء تحض عليه العلمانية و في صميمها , و هي تقوى الروابط بين أفراد المجتمع الواحد المختلف الاتجاهات و مارسناه في حزب البعث العربي الاشتراكي في عهد الراحل حافظ الأسد
فكم خرجنا في رحلات لمعلولا و كنائسها و مغاراتها و كم نشدنا نحنا العلمانيون البعثيون مع إخوتنا المسيحيون بدون تحفظ في كنائسهم و ابتهلنا لله مصدر جميع الأديان و كم ذهبنا إلى صديقنا البعثي الذي ينتمي لمحافظة السويداء العريقة لنعيش في قريته و نتنعم بكرم ضيافة أهل السويداء و رؤية رقصات إخوتنا من الشراكسة في محافظة القنيطرة و قد يهم بعضنا في مشاركتهم الرقص أو بالقيام برحلة مع احد رفاقنا من مدينة السلمية و لنتمتع بتقاليدهم و كم ذهبنا إلى جبال اللاذقية لننعم بمشاهدها الخلابة و ليدعونا احد الرفاق لزيارة ضيعته الوادعة و لنأكل خبز التنور مغمس بزيت الزيتون تلك الشجرة المباركة التي تزدهر في الساحل السوري المعطاء , و لنسمع لهجتهم و أغانيهم الجبلية المحببة ,و كذلك الأمر تكرر في كل المحافظات السورية , و كلما سألنا احد في الكنيسة أو المسجد , في الجبل أو في السهل , من انتم , و قد لاحظ انه رغم اختلاف المناطق التي جئنا منها فأن هناك رابطة و صداقة و مزاح و لغة خاصة تجمعنا , أقوى من أي رابطة طائفية أو دينية , قلنا له : نحن بعثيون .
ليتها تعود أيام الشباب الآن متعصبين لطوائفهم للأسف يتعسكرون -لا أجد الكلمة المناسبة - يتهيئون لمواجهة مع بعضهما مما سيجر بلدنا الحبيب سورية للهاوية و للأسف هناك من هرع بشماتة يسقف و يهلل من أنصار التعصب لهؤلاء من دول عربية خليجية شقيقة أو من غير عربية مجاورة ولذلك كتبت رسالتي هذه او مقالتي لضمائر شعبنا و جيلنا الشاب السوري الواعي هل سندعهم يحطمون الحلم , هل سندع قائدنا الراحل حافظ الأسد يتململ في ثراه الندي و نحن نحطم كل ما صنع و صنعنا هل ستكفرون بالوطن هل سندع سورية لقمة سائغة لمصالح مجتمع دولي لا يأبه إلا لمصالحه
أتمنى أن لا يحدث ذلك خلال حياتي دعوني أموت و في مخيلتي سورية الجميلة المتآلفة كما هي و لنبتعد عن التقليد الأعمى لما يجرى حولنا في عالم هائج سورية لنا وحدنا دعونا نصيح للعالم بصوت واحد :
انا بعثي سوري
لحم جسدي من عنب شهبا و زيت زيتون طرطوس
تداويت بنارنج الشام و بصل السلمية .
هذه رغبتي فهل تحققون أمنية كهل في نهاية أيامه قالت بحزن مرتاع عجوز بريئة اعرفها بعدما رأت المستحيل يحدث : و الله لنندم على هي الأيام أتمنى أن لا يحدث ذلك و أن نتعلم من مدرسة القائد الراحل كيف نتعايش سوياً .
م . غ