فكرت كثيرا بكلمات زلزلت عالمي طوال النهار، ثم قررت إرسالها لكم، فما ستقرؤونه ليس قصة قصيرة، وليست خيالا، إنها حكاية طالب وشكوى يبوح فيها علها تصل آذان المسؤولين في وزارة التربية التي أسقطت عنها كلمة التعليم، فخرجنا بلا تربية ولا تعليم، لهذا أرجو نشر وتوجيه هذه الشكوى لعل أحدهم يسارع لمعالجتها.
رأيته جالسا مقابل المدرسة يتأمل ذلك الباب الأسود العملاق أمامه، يضع كتبه بجانبه، كان ساهما تماما، تمتد يده إلى كتاب ما، يقلب صفحاته بسرعة ويعيده ليأخذ غيره من رزمة الكتب التي استلمها اليوم.
راقبته مدة كافية، ثم قررت التحدث معه، وقفت أمامه مباشرة، سألته بأي صف أنت، لم ينظر إلي، أجابني بصوت مرتجف، البكالوريا، هللت له قليلا، رفع عينيه، حدق في وجهي، ابتلع ريقه قائلا وفي العام القادم والذي يليه والذي بعده سأكون بنفس الصف، إذا لم اترك المدرسة وأبحث عن مهنة ما متجاوزا حلمي بدخول الجامعة.
صدمني الجواب، سألته لماذا؟ وأنت شاب ذكي، أعاد التحديق بوجهي، قائلا لأن كل هذه الكتب يجب أن تقرأ وتفهم وتحفظ.
أجبته مسرعة بالتأكيد، أنت قادر على فعل هذا. قال لي مستنكرا وحدي! لم افهم قصده بالضبط، قلت نعم وحدك وهل تحتاج لقبيلة تحفظ معك.
قال أقصد وحدي دون أن يتعب أحد بشرحها لي، أو يساعدني على فهمها، كان جوابي حاسما، سيساعدك المدرسين وسيشرحون كل شيء وستجتاز البكلوريا ببساطة كما كل الصفوف، وتصير جامعيا.
ضحك ضحكة قصيرة، وقال في هذه المدرسة؟!، أجبته بنزق نعم في هذه المدرسة، وأكملت، هذه ليست أية مدرسة، إنها مدرسة مرمريتا التي خرّجت مئتا شهادة دكتوراة، وما يقارب ألف شهادة تعليم عالي، إنها من أفضل مدارس القطر، وكانت مثالا لكل المدارس.
أجاب باستهزاء واضح قائلا، ما كان لا يصح لكل الأزمنة، انتم جميعا ترتدون ما كان وتنسون ما أصبح.
تخرج منها مئتا شهادة دكتوراة ، حين كان فيها مدرّسون يتعبون ليعطوا أفضل ما عندهم. قاطعته متسائلة والآن، قال من يتخرج هو من يلجأ لمدرّسين خصوصي، معظمهم أساتذتنا، يدرّسون في البيوت بأجر عالي، وهنا في المدرسة، يحاولون تجفيف أنفسهم من رطوبة الشتاء خلف المدفأة، أو بأشعة الشمس يركضون خلفها ويتركونا نلهو.
أنا لا استطيع جلب مدرسين، لا يمكن لأهلي دفع تكاليفهم، لهذا سأعلق خلف جدرانها للأبد، قاطعته لا.. إنه مستقبلك، ضحك، وقال، مستقبلي لكنه متوقف على مدرس مفتول العضلات يقول لي "أنت حمار وجحش لما سأعلمك، انقلع من وجهي" متبوعة ببعض اللكمات والركلات والإهانات. وأخرى تمد أقدامها أمام المدفأة بالشتاء القاسي، وتقول اقرؤوا الدرس وحدكم،" يا حيوانات". وآخر يعطيه طالب دفتر الرياضيات فيضع له "اكسلنت" لأنه يريح عيونه من نظارته السميكة، ويشخر بقية الحصة. وأخرى.. وأخر.. جميعهم يطلبون ألا نصيح، ويعاقبوننا بكتابة الدرس، بعد الكثير من التسفيه والاهانة....
سألته مسرعة لما لا تشتكون للمدير، فاجأتني ضحكته الطويلة، المدير يتشدق بعلكته ويقول لأحدهم إذا أردت أن تهرب لا تهرب وحدك اهربوا جميعا، لتريحوا المدرسة منكم.
وأكمل، انه مديري ليس أي شخص، قد يكون مدعوما ما، وله أسهم مرتفعة في مديرية تربية حمص، احتل المدرسة هو وزوجته وأخيه وزوجة أخيه وابن عمه، توزعوا الأدوار، وحولوا المدرسة لاستقبال زوارهم، إنها عائلة واحدة تتحكم بمصيرنا، لا نستطيع أن نشتكي من أحد المدرسين للمدير لأنه يهز برأسه ويقول لو لم تكن حمارا لفهمت الدرس. وجهت له سؤالي الأخير، ومديرية التربية ما دورها، قال ببطء ترسل موجهين ليشرفوا على بعض الحصص، حين يأتي أحدهم، يعيد المدرس أسهل درس أخذناه، يشارك فيه طلاب يدرسهم خصوصي، يقدم للموجه درس ناجح، قد يقلده عليه وساما.
صمت قليلا ثم قال، لا نستطيع أن نشتكي لمديرية التربية لأننا سنتعرض لعقوبة شديدة، وسيعاملنا المدرسين على إننا مجذومين من نوع ما، ففي زمن الفساد يصح ما لا يصح أبدا، ونحن نتوه بين الكتب ولا نحصل على أي تعليم من أي نوع.
انتهيت من السمع ولم تنتهي شكواه الموثقة بالصور والتسجيل رأيتها مع رفيق له شاركه الحديث، لم أصدق ما رأيت وما سمعت، لكنها حقيقة عليكم متابعتها.
ولأن ما كان لا يصح دائما، ولأننا قررنا الخروج من عباءة الفساد والمفسدين، كل ما أرجوه منكم أن تولوا الموضوع الاهتمام اللازم، فأولاد هذه المدرسة المقيمون في مرمريتا أو بالقرى المجاورة مستقبلهم بخطر وهو أمانة في أيديكم.