news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
الى اين ستؤدي الثورتان الصناعية والتقنية ... بقلم : عليوي الذرعي

البادية في جميع العصور والأزمان من الأماكن المحببة للنفس ,حيث الهواء النقي والحياة الطاهرة من الملوثات الصناعية والعاهات الأخلاقية.


وحتى على مستوى العلاقات الإنسانية  يتسم سكان البادية بمستوى من النقاء والبساطة  قل نظيرهما بين سكان الحضر, حيث تسود العلاقات المادية وتكون البراغماتية من أهم أُسس العلاقات بين البشر (طبعا ولكي لا اقع في فخ التعميم المغلوط فإنني أقول: ليس جميع سكان الحضر يتسمون بالمادية ولكنها سمة من السمات الأساسية المنتشرة في المدن لأسباب عديدة لا مجال لذكرها هنا

النقاء والطهر من سمات عالم البادية وحتى على مستوى اللغة ,حيث النطق السليم واللفظ الصحيح ,وخير شاهد على ذلك ما جاء بكتب السيرة من أن أهل مكة كانوا يرسلون أطفالهم إلى البادية للنشأة الصحيحة(بدنياً) من جهة, ولتعلم اللغة العربية من جهة اخرى, حتى أن رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قد أُرسل إلى البادية لهذه الغاية.

هذا الكلام ينطبق على البوادي العربية بشكل عام في العصور السالفة ولكن ماذا حدث الان ؟!!!

أمازال سكان البادية بهذا الحس الإنساني ورقة المشاعر وإكرام الضيف وغيرها من الميزات التي كان يمتاز بها سكان البادية ؟!

هل حدث تغير في أسس العلاقات الاجتماعية ... والاقتصادية... وحتى البيئية في البادية ؟!!!

للإجابة على هذا التساؤل تعود بنا الذاكرة إلى مطلع  الخمسينيات من القرن الفائت حيث تفجرت الثورة الصناعية في عام 1950ومع دخول الآلة إلى الحياة بشكل عام ,وإلى البوادي بشكل خاص ذابت الحميمية في التعاملات الاجتماعية بين سكان البادية, وتسربل وابل من الحقد والضغينة بين أفرادها, وازداد الطمع وارتفعت بورصة الجشع وانخفض مؤشر الحس الإنساني لدى الجماعات البشرية بشكل عام و سكان البوادي بشكل خاص.


كان الفلاح فيما مضى من الزمن الجميل يزرع الأرض ويحرثها  بمحراثه اليدوي القديم لذلك كانت المساحات تقتصر على بضع من الدونمات.


ولكن مع دخول الجرار الزراعي إلى أراضي بوادينا البكر بالتزامن مع ضعف السياسات الناظمة لحماية البيئة  وأحيانا غيابها أو التساهل في تطبيقها, هذا الأمر جعل الطمع يتسرب إلى الأفئدة الجاهلة بمعاني البيئة والمشبعة بحب الظهور والرغبة بإشباع الملذات .......

وهكذا بدأت الجرارات تحطم الأراضي البكر وتحيلها إلى أراضي جرداء.

تزامن ذلك مع أنتشار الأسلحة بأيدي سكان البادية الذين فطرهم الله على حب الصيد وأيام الصيد مشهورة في تاريخنا العربي.

انتشار الأسلحة مع توفر وسائل النقل الحديثة جعل الصيد يصل إلى درجات مرعبة, حيث أدى إلى انقراض بعض الحيوانات البرية وتهديد القسم الأخر بالانقراض, فغابت الغزلان البرية التي كانت تزين ربوع بوادينا وأصبحت حكراً على محميات بيئة ترصد لها المليارات دون فائدة  واضحة أو نتيجة ملموسة.

كل شيء تغير, النفوس المشبعة بالبراءة تحولت إلى وحوش كاسرة لا ترتوي من الدماء, الكرم الذي  كان أحد أهم صفات العربي بشكل عام والبدوي بشكل خاص أصبح نادر الوجود وكاد البدوي ينطبق عليه كلام الشاعر :

يقتر عيسى على نفسه               وليس بباق ولا خالد

فلو استطاع بتقطـيره                تنفس من منخرٍ واحد

هذه هي نتائج الثورة الصناعية, كانت وبالاً علينا نحن معشر العربان الذين نأخذ من التطور العلمي كل سلبياته دون ان ننعم بخيراتهِ الوفيرة .


إن ما أثمرت عنه الثورة الصناعية من وبال على الشجر والحجر فضلاً عن البشر جعل البلدان المتقدمة تبدأ سعيها الحثيث لإيجاد الحلول الكفيلة بحل الإشكالات الكبيرة التي حدثت للتربة ومن هنا تولدت الأبحاث الكثيرة في مجال مكافحة التلوث وصيانة التربة الأمر الذي تمخض عنه فيما بعد نشوء علم ( صيانة التربة ) الذي يُدَرس حالياً في أغلب دول العالم .


 طبعا نحن لا زلنا في طور البحث والتنقيب عن  حلول تتناسب مع الهيكلية الإدارية لمؤسساتنا قبل البحث عن الحلول البيئية, الشيء المحزن أن الثورة الصناعية والتي بدأت منذ ستون عاماً فقط قد حطمت بوادينا وتلالنا الخضراء , فقد  تأخر ركب هذه الثورة حتى وصل إلينا , لكن إنجازاتها التدميرية على بيئتنا كان أسرع فقد حطمت كل شيء......!

أصبحنا نَحنٌ إلى شقائق النعمان التي كانت تزين الأراضي كل ربيع, أصبحنا لا نشعر بقدوم الربيع , كل الشهور كالحة, فمن حر شديد إلى برد قارص دون فسحة أمل أو بشرى سارة بطوق نجاة.

 الإنسان الجشع والمسلح بجميع ما ابتكرته الثورة الصناعية, من وسائل تدميرية للبشر وللبيئة ,لا يزال يحكم الميدان, ولا يزال في مأمن من يد الحق و القانون.

الثورة الصناعية  ساهمت وتساهم في تحطيم كل جميل في بيئتنا , لكن لكل بداية نهاية , فقد بدأ بريقها(الثورة الصناعية)  يخفت... صحيح أنها مستمرة في غيها وعجرفتها وتكالبها علينا وعلى أراضينا وأنهارنا وكل شيء جميل في حياتنا لكن أثارها بدأت تنحسر وتتقهقر.

لتبدأ ثورة  جديدة وهي ثورة الاتصالات : من فضاءات مفتوحة واتصالات لا محدودة  بدأت  تخترق البيوت الآمنة وتحطم الأجيال القادمة .

الثورة الصناعية حطمت البيئة وجزء يسير من العلاقات الإجتماعية والروح الإنسانية.

جاءت الثورة التقنية أو ثورة الاتصالات كما يحلو للبعض تسميتها لتجعل أهم أهدافها تحطيم الإنسان تحطيم الإنسان قبل كل شيء!!!!!! تحطيم القيم تحطيم الاعراف تحطيم نواميس الحياة.

لا أنكر الآثار الإيجابية لهذه الثورة كما لا أنكر على الثورة الصناعية آثارها الإيجابية , لكن الكوارث التي تمخضت عنهما(الصناعية و الإتصالات) أعم وأشمل فقد وصلت إلى تهديد الإنسان على وجه المعمورة.

سمعت مرة أن من علامات يوم القيامة أن تعود البشرية إلى سالف عصرها الأول فيعود القتال بالسيف والرمح  وينتهي كل هذا التطور الملغوم.

البشرية تحفر قبرها بيدها فلماذا هذا السعار المتوالي إلى اين نذهب بصراحة بدأت اتخوف من هذا التطور.

خلال قرن واحد فقط هناك ثورتين في مجال التطور العلمي فما عساها الثورة اللاحقة لهما.

هل ستكون الثورة الجينية وبدء استنساخ الإنسان وبدء العبث بالمورثات لتُخلق أجيال قادمة ممسوخة من كل لمسة ربانية, وهناك بوادر قوية لهذه الثورة أخشى أنها قد بدأت فعلا بالخروف دوالي  مالئ  الدنيا وشاغل الناس.

 إذا كانت الثورة الجينية فعلاً الثورة القادمة فسوف تكون نهاية البشرية, فقد خربت الثورة الصناعية البيئة وجاءت الثورة التقنية لتحطم القيم والمفاهيم, وأخيرا ستكون الطامة الكبرى.

كم كانت الحروب إنسانية, فكان نتيجة المعارك بضع من القتلى وبعض الجرحى مهما اشتدت الحروب لم تكن هناك معارك كونية, فهل نستوعب عبارة الحرب العالمية التي نرددها كالببغاوات دون الوقوف إلى معانيها هل تعرفون معنى أن الكون كله يدخل في حرب في عراك في نزاع .

 وهل ستكون الحرب العالمية الثالثة نهاية البشرية أم ستكون سبباً في التخلي عن النتائج الكارثية التي خلفتها هاتين الثورتين (الصناعية- الاتصالات) .

 هل هذه الحروب في عالمنا تأتي بالتزامن مع الثورات العلمية, فلدينا حربين عالميتين وثورتين عملاقتين فهل ستكون الثورة الثالثة إنذار ومؤشر على احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة, أم ستكون حرب عالمية ثالثة  تنهي هذا الصراع العالمي على الثروة والسيطرة وتعود بنا إلى عهود السيف و الرمح

2010-11-10
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)