كانت السيارة تسير وصوت المطربة يصدح: "تعبت من الغرام ومن كذب الأحلام" فقلت في نفسي: ومن منا لم تتعبه الأحلام؟!!! حلم يتبعه حلم يلحق به آخر، لينتهي الأمر في نهاية المطاف دون تحقيق تلك الأحلام أو تحجيمها ومسخها إلى شكل غريب عن شخصياتنا وأهدافنا وطموحاتنا.
وأفكر في الناجحين: ترى كيف كانت أحلامهم؟ هل كانت على قدهم؟ أم أنها كانت أكبر من إمكانياتهم لكن الصبر والأمل والمثابرة هي العوامل التي ساعدت أولئك الناجحين على تحقيق ما صبت إليه نفوسهم؟ أكان هناك شخص يدعمهم باستمرار؟ أم أنهم اعتمدوا على أنفسهم فتكللت جهودهم بالنجاح؟ وبعد طول تفكير أتوصل إلى نتيجة مفادها: لربما كان الناجحون أيضاً يعانون مثلما نعاني نحن تماماً بل لربما كانت أحلامهم هم أيضاً تختلف تمام الاختلاف عن النجاح الذي حصدوه، لابد وأن كل واحد منهم قد تعرض لمعاناة مستمرة أو فقد شيئاً مقابل حصوله على شيء آخر فلعل بيتهوفن الذي ألف أجمل السيمفونيات كانت أقصى طموحاته أن يستمع إلى لحن حنون، مفارقة بحد ذاتها، أليس كذلك؟!
أن تفقد شيئاً مقابل حصولك على مكسب على صعيد آخر تلك هي المفارقة بعينها... لكن هذه هي الحياة كما تقول أليسا: "لما بتدي حاجات تاخد حاجات"... الكل يتمنى أن يحصل على ما حصل عليه الآخرون... بحسد أو بدون حسد، لا يمكن لأحد أن ينكر هذه الحقيقة: مسار أحلامنا هرمي تصاعدي يعلو سقفه شيئاً فشيئاً إلى أن ينتهي في قمة تمثل رأس الطموحات، أما القاعدة فتشمل أساسيات الحياة: شهادة- وظيفة - أسرة- بيت- أطفال... وغيرها
ثم تأتي الدرجة التي تليها من الأحلام البسيطة والتي تضم مثلاً: شهادة باختصاص معين- وظيفة في مركز معين- زواج من شخص معين- أطفال أصحاء مثلاً وغيرها.. بعد ذلك تأتي الدرجة التي ترتبط فيها تلك الأمور برفاه المجتمع وهكذا تصبح الأحلام على النحو الآتي: شهادة بالاختصاص الذي أحبه حتى أستطيع أن أخدم بلدي- وظيفة في مركز أو منصب معين لأتمكن من خلاله أن أقدم خدمة للمجتمع الذي أعيش فيه- زواج من الشخص الذي أريد حتى نتمكن سوياً من إنجاب أطفال وتربيتهم تربية صالحة ليكونوا في المستقبل عماد نجاح المجتمع الذي نعيش فيه، ثم تأتي الدرجة الرابعة التي يحاول من خلالها المرء الموازنة بين هذه الأمور وبين الحفاظ على كينونته وخصوصيته كفرد، ويمكن للدرجة الرابعة أن تتقدم على الدرجة الثالثة ويعود ذلك لمدى أنانية الفرد أو اهتمامه بشخصه والتركيز على ذاته، وتتنوع بعد ذلك الأحلام والطموحات لتصبح ذاتية وشخصية أكثر منها عامة ومشتركة بين جميع الأفراد وصولاً إلى قمة الهرم، وقد تتحول جميع تلك الأحلام إلى أمور مادية بحتة، لكن ليس هذا ما يهمني الآن لأن ما أود التركيز عليه هي فكرة وجود أحلام بحد ذاتها وخصوصاً بالنسبة لفئة الشباب في مجتمعنا.
وبعد ملاحظة طويلة، ومحاولة لتكذيب كل ما رأيته بأم عيني عبر استخدام عدستين تفاؤليتين لاصقتين وجدت التالي: أن تحلم في مجتمعنا = الانتحار البطيء، لذا فمن الأفضل ألا تحلم، أن تبقى بدون أحلام مهما كانت أحلامك بسيطة، والسبب هو أن الأحلام في مجتمعنا لم تعد تتجاوز قاعدة الهرم الذي تكلمت عنه آنفاً، ويعود ذلك إلى الأمور التالية:
إذا كنت شاباً:
- الدراسة: لابد أن تفكر بعمل آخر تكسب منه رزقك إلى جانب متابعة الدراسة إذا كنت ترغب بذلك، أما إن لم تكن مهووساً بالدراسة فوضعك أفضل ويمكنك أن تجد لك عملاً وتركز فيه حتى تبني مستقبلك (المادي طبعاً) وبذلك سينخفض سقف طموحاتك وأحلامك ليصل إلى تدبير قوت اليوم ولقمة العيش، أما إذا رغبت بمتابعة دراستك فيكفيك الشهادة الثانوية لتقف حائلاً أمام طموحاتك، وحتى وإن تجاوزت تلك المرحلة فعليك إما أن تفكر باختصاص يدر عليك مالاً وفيراً بعد التخرج وهذا يقتضي وجود اختصاص مطلوب بكثرة في الوظائف (وهذا بحد ذاته مشكلة كبيرة) أو أن تختار فرعاً يساعدك على العمل والدراسة في آن واحد، وقد يكلفك هذا المزيد من سنوات شبابك، لكن هذا هو الحل الوحيد لأن الخدمة العسكرية بانتظارك وستكون من المحظوظين لو درست في أي معهد متوسط ثم أديت خدمة العلم وأنت لازلت تزاول المهنة التي اخترتها لنفسك مهما كانت بعيدة عن موضوع اختصاصك.
- الوظيفة: عليك بعد التخرج إما أن تحافظ على المهنة التي تعلمتها أو أن تبحث لنفسك عن وظيفة باختصاصك وهنا تكمن المعضلة لأنك لن تجد تلك الوظيفة فستختار حينها أن تكسب قوتك بعرق جبينك دون أن تحتاج لمساعدة أحد وبذلك ستعيش غربة عن ذاتك وسيتحطم أحلى وأبسط حلم فكرت فيه يوماً.
- الزواج والأطفال: قد تحلم بالزواج من إحدى زميلات الدراسة لكن ما يمنعك من البوح لها بحبك هو عدم امتلاكك لعش الزوجية وعدم وجود أي أمل يلوح في الأفق ويبشر بتحسين أوضاعك المادية، فتتخلى سريعاً عن هذا الحلم اللذيذ الذي سيبقى في مخيلتك إلى الأبد، وتبدأ بإقناع نفسك بعدم جدوى زواجك منها وبأنها لا تناسبك وفقاً لرأي والدتك الذي سيصبح يهمك كثيراً في تلك الحالة وما إلى هنالك من هذا الكلام الذي سيجعلك شخصاً متكتماً لا يبوح بسره حتى لو قطعت أوصاله، ثم تتغير نظرتك إلى سائر زميلاتك في الجامعة فجميعهن يمثلن التفاحة المحرمة بالنسبة لك، حتى ولو أحببت إحداهن أو بحت لها بحبك فإن ذلك لن يغير في الأمر شيئاً إذ طالما كنت لا تملك بيتاً تسكن فيه معها فهذا يعني أن زواجكما باطل باطل باطل برأيك وبرأيها وبرأي من حولكما من الأهل والأصدقاء، حتى لو انتظرتك طويلاً فلن يزيد هذا الانتظار إلا من مرارة العذاب وتحجيم الأحلام لدى كل منكما، وستبقى تحلم بتأسيس أسرة وإنجاب أطفال حتى الثلاثين وقد تقطع شوطاً طويلاً من عقدك الرابع قبل أن تحقق هذا الحلم البسيط!!!!
أما بالنسبة للفتيات:
- من الأجدر بك أن تبحثي عن فرع دراسي سهل بمدة دراسية قصيرة حتى يتسنى لك الزواج في عمر مبكر، أما الطب والهندسة فدعيها لغيرك من المهووسات لأن تلك الاختصاصات تؤخر زواج الفتيات في مجتمعنا، وإياك ثم إياك التفكير بالدراسات العليا بعد الإجازة الجامعية لأن ذلك سيقف حجر عثرة في طريق إيجاد الشريك المناسب لك، لأن شريك حياتك سيكون في تلك الأثناء منشغلاً في تأمين الوظيفة والبيت والمال الوفير للمهر وحفلة الزفاف وغيرها من القشور المادية التي لازلنا نحافظ عليها ونتخلى عن أرواحنا وعقولنا ولا نقبل بالتخلي عنها مهما كانت الظروف والأحوال، فإذا حدث وأن تخرجت من الجامعة دون أن تجدي ابن الحلال فعليك أن تبحثي عنه وبجد أكبر هذه المرة في مكان عملك - إن وجدت عملاً أصلاً- أو في أي مكان آخر، وإلا فاتك القطار لأن إنجاب الأطفال مرهون بخصوبة المرأة وهذه الخصوبة تضعف كلما أوغلت المرأة في الثلاثينيات، ولا تفكري بانتظار أي حبيب لأن الحب مضيعة للوقت في هذا الزمان، والوقت ليس في صالحك بأي حال من الأحوال.
والسؤال الآن: هل هذه أحلام؟ للأسف أصبحت كذلك في وقتنا هذا... بل الأجدر أن نقول بأن جميع أساسيات الحياة قد تحولت إلى أحلام وأحلام صعبة المنال أيضاً، لذا من الأفضل ألا نحلم، وأن نتحول إلى ريشة في مهب الريح تطير حيث شاءت لها الأقدار أن تطير!!!! ما أقسى أن تعيش مع أحلامك اليوم، وما أغباك وأنت تعيش بلا أحلام!!!!!!!!!!!!!
قد يقول قائل: ستتحقق كل هذه الأحلام يوماً، لكن السؤال: متى؟ بعد فوات الأوان؟!! تخيل أنك متلهف للقاء شخص عزيز وفجأة زارك هذا الشخص في بيتك، أنا متأكدة أنك لن تستطيع وصف السعادة التي ستنتابك حينها، ولكن تخيل أنك انتظرت ذلك الشخص عمرك كله، فهل ستجد لقدومه أي معنى؟ بالطبع لا، لأنك حينها ستكون قد اعتدت على الانتظار لدرجة أنه أصبح روتيناً يومياً في حياتك... ولنفرض أن هذه الأحلام البسيطة قد تحققت بعد فترة طويلة من الانتظار، فمتى سيأتي دور الأحلام الكبيرة، وهل سيكفي ما تبقى من عمر الإنسان لتحقيقها؟
لا أحب أن أنظر إلى الحياة بنظرة تشاؤمية، وإني لأعرف أن ما تعانيه بلادنا الآن لهو السبب الحقيقي وراء هذه المشاعر التي دفعتني لأخط كلماتي هذه، لكنني بت أشعر أنني أعيش حياة لم أكن أتمنى أن أعيشها في يوم من الأيام، فمتى سيأتي اليوم الذي أكون فيه كما أريد؟!!!