news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
وهل للفساد... مـلف؟! ... بقلم : نزيه الضاهر

لقد أصبح مصطلح (الفساد) و(ملف الفساد) من أكثر المصطلحات شيوعاً واستخداماً في عصرنا الراهن، نظراً لأهميته وحساسيته، لأنه يتعاظم يوماً بعد يوم، ويزداد تفشّياً باستمرار عالمياً وعربياً وداخلياً، خاصّة في زمن العولمة الفاسدة، زمن الانهيارات الكبرى، زمن سيطرة القطب الواحد الجائر، ومحاولة إحكام القبضة الحديدية على الإنسانية جمعاء.


فهو مصطلح تركّز عليه معظم وكالات الأنباء والإعلام العالمية، ويروّج له في هذه الدولة أو تلك، في عهد هذا القائد أو ذاك، بغية طمس الحقائق وتشويهها وتحجيمها، لتصويرها بأنها قضية زعيم، أو فرد معيّن في مرحلة معيّنة، وفي وطن معيّن. ليتمّ الاقتصاص الجائر منه تحت ستار هذا المصطلح البرّاق على مبدأ (كلمة حق يراد بها باطل)، حتى أصبح الكلّ يتحدّث عن (الفساد وملف الفساد) داخلياً وخارجياً، وعن مصير هذا الملف، كما توجد تساؤلات عميقة حول موضوعه مثل:

 

 لماذا لم يفتح هذا الملف؟ وهل تمّ طيّه؟ أم أغلق نهائياً؟ أم مؤقتاً؟ ومن هم أصحاب المصلحة الحقيقية فيه.. إلخ؟. كلّها أسئلة متنوّعة لتأتي الإجابات عنها متنوّعة ومتعدّدة أيضاً. في الوقت الذي تنتظر فيه جماهيرنا القابعة خلف الجدران، ترنو بالعين المجرّدة إلى مشهد البداية المرجوّة، الذي طال انتظاره لفتح هذا (الملف) القديم الجديد، والقيام بالمحاسبة المنتظرة التي تتطلّع إليها عقول الناس، وأبصار الملايين المجوَعين الصابرين لوضع حدّ لهذا الكابوس الطويل، الذي بوجوده تمّت سرقة الخبز من أيدي أطفالهم، وسلب النوم من عيونهم، حتى غدا الحديث عن هذا الموضوع الحسّاس يأخذ أبعاداً أخرى مختلفة، وجرى العمل على تسييسه، وكأنه موقف سياسي خطير لجماعة ما، ضد نظام أو قائد مستهدف، أو اعتباره يحوي شيئاً من الكفر والتكفير، وإنّ طرح موضوعه يحتاج إلى مهارة ودقّة لا متناهية، لانتقاء الألفاظ والكلمات والعبارات المشذّبة المهذّبة المشوبة بالحذر الشديد، خوفاً من إساءة الفهم، أو التفسير الخاطئ له، بأشكال وألوان شتّى لإصدار الاتهامات الجاهزة الكفيلة بإفراغه من محتواه، ومن أهدافه الحقيقية. لقد تحوّل تعبير (ملف الفساد) إلى مصطلح سياسي واقتصادي واجتماعي بل وأمنيّ بامتياز، كما تحوّل إلى سلاح بيد أصحاب الشأن والسلطان، وقد عمل ويعمل المستفيدون منه للَيّ ذراع هذا المصطلح، وتجييره في خدمة مصالحه السياسية والطبقية الضيقة، ورفعه على راية شفّافة سرعان ما تمزّق عند الضرورة، لتصفية الحسابات التاريخية معه، عندما تدعو الحاجة إلى ذلك، وفي الوقت المناسب متى شاء وأراد.

 

 وكي لا يتمّ الخروج عن معنى هذا الموضوع الاستراتيجي المحوري، أو يفسّر بأشكال أخرى مختلفة، فإنه لابدّ إذن من تعريف دقيق لهذا المصطلح.

2 - في الموضوع (فالفساد) لغوياً هو نقيض الصلاح، هو التلف، والعطب، والخلل، والجدب، والقحط.

أمّا من الناحية العلمية الجدلية

 

فالفساد نقيض الصلاح أيضاً. والنقيضان موجودان في وحدة عضوية مترابطة، لا وجود لأحدهما دون الآخر، وهذا ترابط ديالكتيكي حتمي، وهما في حالة صراع دائم منذ الأزل وإلى الأبد. فالفساد عملية تصارعيّة قديمة جديدة مستمرّة، فلايحقّ لأحد أن يوقفها، أ و يؤجّلها، أو يفتحها، أو يغلقها، تحت أيّة ذريعة أو غطاء كان. ولا يجوز الحديث عنها في مرحلة ما، وإغفاله في مرحلة أخرى. وعلى هذا الأساس تتوجّب ضرورة الاستمرار بمحاربة الفساد دون توقّف أو تأجيل، وبغضّ النظر عن المراحل والاتجاهات، والأنظمة، ونوع الحكم هنا أوهناك.

 

أمّا (الملفّ) فهو غير ذلك إنه عبارة عن مجلّد مؤلّف من عدد من الأوراق والوثائق والمستندات.. إلخ. توضع ضمن مصنّف أو إضبارة تبدأ بالصفحة الأولى وتنتهي بالصفحة الأخيرة، وهذا ما ينطبق غالباً على القضايا الفردية للأفراد، وعلى المسائل المؤقتة العابرة. فهذا شيء يمكن فتحه وإغلاقه، فهو آنيّ ومؤقّت، لكنه لم ولن يحلّ مشكلة الفساد المستمرّة. فمكافحة الفساد، هي مهمّة عالمية وطنية طبقية بالدرجة الأولى، إنها مترابطة ترابط الخاص بالعام، ولا يمكن فصلها، أو تجزئتها، أو تقسيمها، إلى مراحل،إنها معركة حقيقية مستمرّة، تقودها الجماهير وكل المناضلين الأحرار في الدنيا، ولا تحتمل التأجيل ولا تنتظر إشارة من أحد، أو طلقة مسدس، أو صفرة صافرة، لتنطلق مسرعة باتجاه الهدف، وتحقيق النصر. وإنّ هذا النصر لم ولن يتحقّق عن طريق الحديث العام غير الموضّح وغير المحدّد، فهل يكفي الاستمرار بشتم الإمبريالية والصهيونية والرجعية والبيروقراطية.. إلخ.. هكذا بشكل نظريّ عامّ ومجرّد، كمن يلعن الظلام ألف لعنة في الليلة الواحدة.

 

 إنّ الاقتصار على هذه الشعارات القديمة، ذات الأسلوب الإنشائي العمومي الضبابي غير الموضّح وغير المحدّد، يؤدّي بالنتيجة إلى طمس الجريمة والمجرم الحقيقي كالقول لقد (قتلوا) و(سرقوا) و(خرّبوا) إلخ. فهذا الاتّهام العام للجماعة المجهولة هو غير دقيق علمياً، وما هو إلاّ غطاء لإخفاء القاتل والسارق والمخرّب بحد ذاته، ليبقى خارج قفص الاتهام، يصول ويجول ليتّهم غيره بنفس التهمة للوصول إلى طريق مسدودة.إنه أسلوب قديم مهترئ، وكأنه قدرنا المحتوم الذي لا مفرّ منه. فيجب الاستعاضة عن هذا الأسلوب الخطابي الرنّان، وعن رفع الشعارات البرّاقة الجوفاء، واستخدام أساليب حضارية جديدة، ذات شفافية ومصداقية تامة لتوضيح الحقائق، وتسمية الأشياء بأسمائها كاملة دون تجزئة، أو تشويه، لأنّ قول نصف الحقيقة يقتل نصفها الآخر. وقد عبّر عن ذلك لينين بقوله (إنّ قول الحقيقة بطريقة سيّئة، أفضل من السكوت عنها، خاصّة إذا كانت القضية جدّية).. وهل توجد قضية أكثر جدّية من قضايا الشعب والوطن؟

 

بهذه الأساليب الجديدة وغيرها، يجب التوجّه إلى الشعب ومصارحته بشكل علميّ محدّد وضمن إطار واقعيّ ملموس، لمحاسبة الفاسدين والمفسدين، ولتطهير المؤسسات التي يعشّش فيها الفساد على امتداد أصقاع البلاد، وبضمنها المحرّمات المؤسساتية التي يطولها الفساد ولا يطولها الحساب، وكأنّها فوق القانون وفوق النظام العام (كالتعليم، والقضاء، والرياضة، والفنّ، والاقتصاد وغيره من مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية).

 

كما أنه يجب الخلاص من كلّ العقد والأساليب الديماغوجية المراوغة، أو الخوف من غضب أصحاب الشأن والسلطان، بتهمة تجاوز (الخطوط الحمر) أو (الضوء الأحمر) وغير ذلك من التعابير المزيّفة التي أدخلت لتستخدم سياسياً بشكل مشوّه، بغية وضع حدود وحواجز إضافية مصطنعة، في طريق النضال المشترك للجماهير، من أجل قمعها وعرقلة مسيرتها الخيّرة، التي لا تعرف حدوداً حمراً أو خضراً. فهي تكتسح كل العراقيل، ولا تسمح لأحد بالادّعاء في امتــلاك أو مصادرة إرادتها، فهي ليست قاصرة، ولا تحتاج لوصاية أحد عليها سوى نضالها الواعي السليم.

 

 فالتصدّي الحازم للفساد كان ولا يزال مهمة كلّ المواطنين الشرفاء،وليس مهمة الدولة فقط.

 فلنمتشق راية التطهير لمواصلة السير في النضال الدائم ضد العدو الأبدي، ضد الفساد، حتى لو أصرّ البعض الآخر على تسميته خطأ (ملفاً) فليكن ذلك ولا ضير منه بل لنقلْ لهم قد حان وقت الانتهاء من سني الوضوء الطويلة، للمس هذا (الملف) هذا الكتاب (غير المقدّس) ولنفتحه، ولكن بشكل دائم، ودون إغلاقه يوماً، بغية دراسة أسبابه الحقيقية وإيجاد العلاج الدائم لاجتثاثه من جذوره، أو على الأقل للحدّ من توسيع المناخ الفاسد الذي ينتج عوامل الفساد يومياً وباستمرار. ليتسنّى لنا الاستمرار في محاسبة الفاسدين والمفسدين، للخلاص من الفسيدة والمفسدة. في كلّ زمان ومكان. وهذا لن يتمّ إلاّ في ظلّ مناخ ديموقراطي نضالي حقيقي، تستمدّ القوّة منه كلّ القوى الخيّرة، وكلّ الفعاليات المتنوّعة التي ترفض أن توكل الأمور لغيرها. فهي تحتاج إلى نضالات شاقة، وإلى مقالات، وأبحاث، ودراسات وندوات جماهيرية، وإعلام ديموقراطي حقيقي، لتطويق القوى الشرّيرة الفاسدة، وتطهير الوطن والشعب منها، وإذا لم يكن كلياً فعلى الأقل تحديدها وتقليصها قدر الإمكان.

 

 وإنّ التصدي لهذه المواضيع المركزية المحورية الاستراتيجية، يجب أن يخصّص لها مساحة واسعة من الإمكانات نسبياً، كي تتناسب مع حجم وأهمية هذا الموضوع الساخن البارد، وبشكل ثابت، كثبات موضوعها، وليس بشكل مقالة عابرة ومؤقتة، بل يجب العمل والنشاط الكفاحي على جميع الأصعدة الجماهيرية والشعبية، لبحث ومعالجة هذه الظواهر المصيرية وأسبابها وطرق علاجها.إذ لا توجد وصفات جاهزة ولا حلول ثابتة سلفاً، بل نستطيع القول إنّ الحلول الحقيقية تنبع من خلال الوضع الملموس والواقع الذي يفوق كل التصورات النظرية لا سيما عند وضع الأمور على محكّ الواقع للتطبيق العملي الذي يبدأ بالمحاسبة والتفتيش للوصول إلى تحقيق المبدأ الغائب أو المغيّب وهو (من أين لك هذا) وتنفيذه على الأرض بقوة وجرأة وإخلاص، وبشكل عادل دون المساس ببعض المكاسب الجزئية والمقبولة لمن يطوله هذا المبدأ الوطني الجماهيري، والعمل على استرجاع الفائض الكبير فقط، من تلك الثروات الهائلة التي تكفي بحدّ ذاتها لاستقلال القرار الوطني المنشود وإشباع الأطفال المجوّعين، وحلّ جميع المسائل الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، التي تراكمت خلال عقود وعقود من النهب والسلب، التي طال أمدها دون حسيب أو رقيب أو وازع من ضمير.

 

 فلنخرج من صمتنا تجاه سارقينا، فإلى متى يا قادتنا، ويا قوانا الوطنية الصادقة، ويا شعبنا الصابر نبقى قابعين خلف الجدران بانتظار الفرج المأمول القادم من المجهول المخيف؟ هذا ما لا نريد حدوثه، لأنه لم ولن يحدث أبداً من دون التضحيات الجسيمة التي لابدّ منها خاصة في ظل هذه الظروف المصيرية التي على نجاحنا في تخطيها، يتوقّف إنجاح العملية الإصلاحية المذكورة، للبدء بعملية البناء والتقدم الاجتماعي الظافر إلى الأمام رغم بعض التراجعات والتقهقرات، التي ترافق كل تحوّل في الطبيعة أو المجتمع البشري، كالمدّ والجزر في الحركات الثورية، مع شرط توافر العزيمة الواعية المنظّمة للطلائع الثورية الموجودة والتي ستوجد أيضاً من خلال الحراك الشعبي المنظّم وتوجيهه بالاتجاه الصحيح الذي يخدم الأهداف السامية للشعب، مستفيدين من نضوج ثمار الوعي الثوري، ومستخدمين أرقى أساليب وأشكال النضال الحضاري الجديرة باحترام الجميع ولمصلحة الجميع.

 

 فلنضع حدا ًلحذرنا المبالغ فيه. ولنقم بفكّ أغلال أقدامنا، وكسر قيود معاصمنا، ولنساهم بجرأة أكثر فأكثر في عملية التطهير والبناء الدائم، بالتعاون مع كل القوى الشريفة لخدمة الشعب وازدهار الوطن.

 

وآمل أن تكون هذه السطور مجرد مقدّمة فقط، وفاتحة لأبحاث، وملفات، وبرامج غنيّة متعدّدة، لتحقيق الغاية المرجوّة التي يعمل على تحقيقها الجميع لصناعة وطن جديد منشود يستند إلى القيم الإنسانية التي يمتاز بها شعبنا ماضياً وحاضراً ومستقبلاً. وإنّ الإمكانات لذلك متوفرة بتوفر الماء الذي نشربه، والهواء الذي نستنشقه، وهكذا تصنع الشعوب مستقبلها المشرق الوضّاء، بتحقيق الحق والتحرّر والعدالة الاجتماعية، وإنّ كلّ غد لناظره قريب.

2011-10-10
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)