بين موتِ سوريّ وحياة سوريّ تستمر الحياة بكثافة لم تعهدها الحياة من قبل.
الدقائق والثواني واللحظات لم تكن في عمرها على هذه القيمة المعنوية والاعتبارية والمادية كما الآن.
لم تكن الحياة في عمرها أغلى من اللحظة ولم يكن الموت في عمره أقرب إلى الحياة، مرآتها، الغرفة المجاورة، الشارع الذي يتفرّع عن الشارع، صدى المدينة للمدينة، بحّة الصوت في الصوت، ألم الدم في الألم.
أنتَ تحيا اللحظة، لكنّ موتاً مباغتاً قد يُرديك في اللحظة التي تلي، أو في عمق اللحظة ذاتها، وفي قاع الخوف المقيم في داخلك تلتقي وجهاً لوجه مع حتمية كرامة الإنسان فتنهض.
انتفاضة سلمية إنسانية تكثّفت في لحظة الحاضر، لإنسان لم يحاول تغيير عنوان الموت على باب صدره، وهو يعرف أنه بتغيير مواقفه كان يستطيع تغيير عنوان موته التراجيدي المجلجل هذا بميتةٍ بعيدة ربما! صامتة تشبه حياته السابقة.
عذراً من الله، الحقيقة. أما الأديان صنيعة السياسة، صانعة السياسة، فلا شأن لي بها.
تتجمّد الرصاصة مصعوقةً أمام الجسد الذي يصرخ بملء الحياة: "حرية".
وبعد ميلاد الصرخة، بعد خلاصها في دورة ولادتها الطويلة في العقل والجسد والروح، بعد اندلاعها في هواء سوريا العليل، تعود الرصاصة إلى حتمية عماها التاريخي ترتطم بالجسد. وتموت الرصاصة.
لا يحيا الموت، يا لغباء الرصاصة، الحرية هي التي تزهر بالوفاء لمن رحل، وتنبت الرياحين والقبور.
الحرية لا تنتصر، طريق النصر خسارة للروح. هل ينتصر أهل البلد على أهل البلد؟ الحرية تَعدل ، تحلّق بالجميع أحياء وموتى.
الطغاة يخشون الارتفاعات، يحفرون الزنازين والقبور للشعوب المنتفضة على الطاعة، الشعوب التي حلّقت بها حريتها عالياً عالياً.
أعرف أن الطريق طويل، وأن الكثير من السوريين انتظر وأراد الإصلاح والتغيير السلمي والسير بمشروع وطني واضح شفّاف نحو التعددية والدولة المدنية الديموقراطية، ونحو مواطنة يتساوى فيها المواطنون السوريون في بلد هو بلدهم يحيون فيه بكرامة.
الإصلاح كان ضرورة من أجل لجم توغل الفوارق والطبقية منها، وازدياد حاجة المواطن في كل خطوة من حياته إلى العدل وإلى كفّ يد الفساد والأمن عن جمال سوريا وطموحها إلى النهضة.
لكن مع الأسف تبدّى عبر الزمن الطويل من الانتظار، أنّ مجرّد أملِ الانتظار كان هو الإصلاح الموعود!
لا أعتقد أن استحداث قانون إعلام يحرّكه الريموت كونترول الرسمي نفسه يستحق ثلاثة آلاف شهيد سوري.
وأن قانون طوارئ أُقيل من الخدمة وعُيِّن سائقاً للدبابات، فحصد بحكم خبرته الطويلة الآلاف من الشهداء والمعتقلين والجرحى والأحقاد والفرقة والظلم والخوف والأحزان والظنون واليتامى، هو القصد!
إذاً، ما هو ثمن دولة مدنية ديموقراطية يتساوى فيها المواطنون أمام قانون عادل؟!
إن محاولة لجم طموح شعب مثل الشعب السوري العظيم بغول السلفية هو أمر مثير للألم والسخرية.
الطائفية ليست لغة السوري ولا تمسّ عقله وعواطفه في طبيعة عيشه العريق المشترك المشهود له بالألفة والودّ والأمان وطيب المعشر والانفتاح والذكاء.
سوريا أثق بكِ.