الطبع هو مجموعة العوامل أو الاستعدادات الوراثية , فيمثل الطبع الركائز الأساسية للشخصية أي العناصر الثابتة الموروثة بيولوجياً , فالموروث البيولوجي هو ما يكون الطبع فرد .
اشتقت كلمة طبع من كلمة بصمة أو علامة أو محفور ثابتة . اقترح " ابقراط " تصنيف الطباع وفقاً لنظرية الأخلاط التي كانت معتمدة ذلك الوقت في تكوين جسم الإنسان . فصنف الطباع حسب أخلاط جسم الإنسان الأربعه : الدم , اللنفا , المرة الصفراء , والمرة السوداء ؛ تقابلها الطباع الاربعة: الدموي , اللنفاوي ( البلغمي ) الصفراوي و السوداوي .. وذلك تبعا الطبع الطاغي لدى الشخص .
ولكن العصر الحديث هو الذي وضع الأنظمة الكبرى للطباع . فنجد عدة طرق لتحليل الطبع و وصفه . فبعضها يحلل الطبع عبر تكوين الانسان الجسماني , اما البعض الآخر فيستند إلى مراقبة التصرفات الناتجة عن تاريخ الفرد . وأهم مدارس علم الطباع والتي سوف نعتمد على أسسها التي بنت عليها تصنيف الطباع , هي التي أسسها استاذان هولنديان في جامعه " غرونينغ " , احدهما اختصاصي في علم النفس ويدعى " جيرار هيمنو " والذي خصص الجزء الأكبر لهذه الدراسة , و الآخر طبيب اختصاصي في الأمراض النفسية اسمه " اينود . ويرسما " . تناولت دراستهما فرز وتحليل نحو 2523 اختبارا نشرت مابين سنة 1906 و 1909 , وشكلت احد مناهل المعلومات الأساسية المتعلقة بعلم الطباع الذي نعرفه اليوم . فهي رصدت علامات ثلاث كعناصر أساسية وخمسة فرعية يتم تصنيف طبع الشخص حسبها . والأساسية هي :
الفاعلية أو الحيوية - الانفعالية - والترجيع البعيد .
والمكملة هي : سعة ساحة الشعور أو اتساع مجال الوعي , القطبية ( فينوس - أو مارس) , النهم , الاهتمامات الفكرية والذكاء , الاهتمامات الحسية
وقد لعب الفرنسي الشهير " رينيه لوسين " الفيلسوف و الاستاذ الشهير , دورا مهما , اذ رفع من شأن مادة علم الطباع عندما طور مفهومها بصورة ملفته , و نشر كتاباً بعنوان " مقالة في علم الطباع " عام 1945 .
تعرف هذه الطريقة اليوم باسم ( علم طباع هٍمنز - لوسين ) , او ( علم الطباع اللوسيني ) ,الواسع الانتشار في البلدان اللاتينية . كما تعرف ايضا بـ ( المدرسة الفرنسية - الهولندية في علم الطباع )
وقد ساهم الى جانب رينية لوسين " غاستون بيرجيه " الفيلسوف والاستاذ و مدير التعليم العالي في جامعه ايكس مارسيي في تطوير هذا العلم , مضيفا الى العوامل الأساسية العوامل الخمسة الأخرى .
يتكون طبع الفرد حسب هذه المدرسة بشكل أساسي من العوامل الثلاثة الأساسية بالإضافة للعوامل الخمسة المكملة , وهذا يجعل مجال تصنيف طبع الشخص واسع جداً نتيجة امتلاكه نسب مختلفة من هذه العوامل الأساسية والمكملة . ولحصر مجال تحديد طبع الشخص اعتمدت العوامل الثلاثة الأساسية , وتتم تصنيف الطباع إلى ثمانية , لن نتكلم بالتفصيل عنها الآن .
إن مدرسة علم الطباع الهولندية الفرنسية كما ذكرنا اعتمدت أهم الأسس الموروثة ( في نظر روادها ) والتي تحدد طبع الشخص وهي : الفاعلية أو الحيوية والنشاط – الانفعال – الترجيع البعيد أو الوقع . سنركز على ما نراه موروث أساسي ومهم من العوامل التي اعتمدتها هذه المدرسة , والذي يمكن التأكد من إرجاعه لأسسه البيولوجية والفزيولوجية التي تورث .
الملاحظ أن الفاعلية أو الحيوية , وكذلك الانفعال يمكن إرجاعهم إلى أسس بيولوجية موروثة , فأسس الفاعلية والانفعال موروثة وليست مكتسبة لذلك , وتأثير الحياة والحياة الاجتماعية عليهم متواضع جداً , وهما من أهم عوامل الطبع . يمكن التحكم بالفاعلية بالتربية ضمن حدود صغيرة جداً, وبالعقاقير والمنشطات والأغذية ( وضمن حدود معينة ) ولكن عندما تنتهي تأثيراتها يعود الوضع كما كان عليه بالإضافة لإمكانية حدوث إحباط أو يأس . وكذلك يمكن التأثير على شدة الانفعالات والتحكم بها بالكحول والمشروبات والمخدرات والعقاقير . . , وهذا له سلبياته في أغلب الأحيان .
أما الترجيع البعيد أو الوقع , فهو غير واضح أساسه البيولوجي العصبي لأنه يتداخل مع عوامل تورث اجتماعياً أي مكتسبة وليست موروثة بيولوجياً , لذلك يمكن التحكم بهذا العامل بالتربية والتعليم . يمكن استبداله بعامل " زمن فترة بقاء التأثيرات الحسية والعاطفية والانفعالية " بالإضافة لزمن فترة تكرار الإدخال لساحة الشعور . فهتين الخاصيتين موروثتان ولا تكتسب .
والملاحظ أن تأثير مقدار الفاعلية وكذلك مقدار الانفعال , على تشكل شخصية الفرد وتحديد مجمل مسار حياته وغالبية مناحيها , هو الأقوى والأهم والحاسم . أما الترجيع البعيد فتأثيره أقل وإن كان قوياً .
والقطبية ( مارس – فينوس ) لها أسس بيولوجي موروثة . وكذلك الذكاء وأسلوب أو طريقة التفكير , ( تسلسلي سببي منطقي – أم تفرعي أي متوازي ) . وأيضاً ( النهم ) له أسس بيولوجية موروثة .
تعريف الفاعلية أو الحيوية :
هي كمية الطاقة العضوية التي يتمتع بها الفرد , وتستعمل هذه الطاقة في أفعال غالبا ما تكون مثمرة , فالفرد الفعال أو الحيوي إنتاجية الطاقة لديه يكون وفير وغزير , فهو دائم الحركة والنشاط , أما الإنسان غير الحيوي أو غير الفعال فيمتلك مخزونا ضعيفا من الطاقة العضوية , وهو يستنفذ طاقته بسرعة .
والفاعلية بحسب علم الطباع ليست الأفعال المحمومة او التقلب الناتج عن الانفعالية , بل الاستعداد الطبيعي العميق و الخلقي الذي يدفع الإنسان الى التصرف . ان المعيار لتقدير الفاعلية هو تصرف الفرد أمام العقبات . فالفرد الفعال هو الذي تقوي المصاعب من عزيمته و تدفعه للمواجهة , أما غير الفعال فهو الذي تثبط عزيمته إي مواجهة صعبة . فالفعال هو ذلك المثابر , وفي بعض الحالات قد تكون العقبة سببا لاهتمامه بأمر ما كان لفت انتباهه لولا تلك العقبة . فالفعال لا يتعب بسهولة , وقادرا على استعادة طاقاته العضوية بسرعه بعد المجهود الكبير . انه يبحث دائما عن الحركة .
اما غير الفعال فيتصرف بصعوبة . و سرعان ما يستولي عليه التعب أو الملل . وهو غير قادر على استعادة طاقاته بسرعة .
الفاعلية طاقه قيّمة تنشط مجمل وظائف الطبع . انها تشجع الاندفاع و تعطي الثقة بالنفس و تقوي روح المغامرة والبحث . و تشجع الفاعلية أيضا البشاشة و التفاؤل على عكس ضعف الفاعلية التي تؤدي إلى الكآبة والتشاؤم .
قد يجهد الإنسان نفسه لسببين مختلفين . أولهما الانفعالية , و الآخر الفاعلية . و في الحالتين سوف يبدو للوهلة الأولى فعالاً , لكنه لن يكون فعالاً إذا نتجت أفعاله عن انفعالات تحفزه وتنشطه لأنه عند زوال تلك الانفعالات سوف تخمد طافته ويتوقف .
والفعال هو : جريئ - مثابر - دائم الانشغال - واثق من نفسه- عملي , فالإنجازات الواسعة والنجاح والتفاؤل والمرح والسعادة وقلت العقد النفيسة . . كل هذا يمكن أن تساعد بشكل كبير الفاعلية العالية لدى الفرد في تحقيقه .
وكذلك ضعف الفاعلية ( أو الكسل ) هو من أهم عوامل قلت الإنجاز وعدم الرضى والتشاؤم . .
يمكننا أن نلاحظ بوضوح قوة تأثير الفاعلية لدى الأطفال , فعندما يكونوا في قمة طاقتهم و نشاطهم يكونوا مرحين متفائلين يتحملوا الفشل أو الخسارة ويعاودوا المحاولة ليحققوا إنجازاتهم , ولكن عندما يستنفذوا طاقتهم يصبحوا ملولين ومحبطين ويسهل بكاؤهم وحزنهم , وغالباً ما يسعوا للنوم ليستعيدوا طاقتهم . وهذا ما يدل بوضوح على تأثيرات الواسعة للفاعلية والطاقة العالية .
والفاعلية العالية لها القدرة على السيطرة على الانفعالات وضبطتها ( ضمن حدود معينة ) . والتأثيرات السلبية للدماغ الحوفي ( مثل التردد والوسوسة وغيرها ) تظهر بشكل واضح عندما تضعف الفاعلية , وبالتالي تضعف هذه التأثيرات عندما تقوى الفاعلية .
إن كمية إنتاج الطاقة للفرد أي مقدار فاعليته تؤثر بشكل كبير على حالته الفزيولوجية والعصبية وبالتالي النفسية والفكرية , فزيادة إنتاج الطاقة لدى الفرد تجعله يتقبل الفشل , لشعوره بأن لديه القدرة على إعادة المحاولة وتحقيق النجاح , وغالباً الفعال يحقق النجاح من المرة الأولى في الأوضاع السهلة , أما في الأوضاع الصعبة فهو أيضاً غالباً ما يحقق النجاح وإن كان بمحاولات متعددة فهو نادراً ما ييأس . لذلك الفعال واثق بنفسه ومتفائل ويصعب وصوله لحالات اليأس أو الإحباط .
فالندم والتردد والوسوسة بالإضافة للكثير من مسببات الأمراض والعقد النفسية التي تنتج بشكل أساسي عن قوة تأثيرات الدماغ الحوفي وشدة الانفعالات , يمكن للفاعلية العالية التعامل معهم والسيطرة عليهم بشكل كبير . والفعّال جسمياً هو على الغالب فعال عصبياً أيضاً , فهو له القدرة على التحكم بشكل كبير في مدخلات ساحة الشعور لديه .
أن التصميم القوى والاستمرارية ( والعناد ويباسة الرأس . . . ) من أهم خصائص الفعال , وهو غالباً يستطيع سيطرته على ألامه وانفعالاته .
تعريف الانفعال :
إن الوظيفة الأساسية للانفعالات هي رفع جاهزية وقدرة الفعل والاستجابة , إلى الدرجة التي تعتبر مناسبة وفعالة في مواجهة ما يتعرض له الكائن الحي , وهي موجودة فقط لدى الحيوانات الراقية بدأً من الثدييات . فهناك انفعالات أساسية نشترك بها مع الثدييات الراقية والرأسيات, وهي انفعال الغضب والخوف والحب. . وهي انفعالات أساسية قديمة لدينا . وقد نشأت لدينا نتيجة حياتنا الاجتماعية انفعالات جديدة وهي خاصة بنا , فهي تكونت نتيجة العلاقات الاجتماعية , و الحضارة والثقافة والعقائد . . . , فقد نشأت وتطورت أنواع كثيرة من الانفعالات نتيجة لذلك .
والانفعالات دوماً تكون مترافقة مع أحاسيس خاصة بها , وهناك انفعالات إخبارية مثل الدهشة والتعجب والترقب والضحك, وهناك انفعالات مثل الحب والحنان والصداقة, والزهو, الغيرة, الحسد , والكراهية....., وكل هذه الانفعالات ترافقها أحاسيس معينة خاصة بكل منها.
وأحاسيس الانفعالات لا تنتج عن واردات أجهزة الحواس فقط , فهي تنتج بعد حدوث تفاعلات وعمليات في الدماغ والذاكرة بشكل خاص , وتقييم الوضع , بالإضافة إلى عمل وتأثيرات الغدد الصم , فالغضب لا يحدث لدينا إلا بعد معالجة فكرية , والتي تتأثر بالذاكرة وما تم تعلمه , وهناك تأثير متبادل بين الدماغ والغدد الصم, ويمكن المساعدة في إحداث الانفعالات باستعمال تأثيرات كيميائية وفسيولوجية . فهناك الأحاسيس الناتجة عن انفعالات النصر أو الفوز والنجاح , أو الهزيمة والفشل, وغيرها .
فالانفعالات تنتج الطاقات الجسمية والعصبية , وتجهز الجسم لمواجهة الظروف التي أدت لإنتاج تلك الانفعالات , وهي مصدر إضافي للفاعلية . فالفرد الانفعالي هو الذي تكون لديه العناصر والعوامل الجسمية والعصبية التي تنتج الانفعالات , بسهولة وسرعة , فهو ينفعل بقوة وبسرعة وسريع الاثارة .
اما غير الانفعالي فهو ليس كذلك على العكس يتمتع بطاقة انفعالية متدنية , انه عادة : هادئ , رصين . .
قد يكون الشخص " حساسا " دون ان يكون " انفعاليا " .