news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
مفهوم القومية عند سمير أمين كظاهرة اجتماعية تاريخية لا طبيعية(1 _ 2) ... بقلم : د. حاتم السليمان

مرحلة ما قبل (الوعي القومي):ينطلق د. سمير أمين من فكرة رئيسية، على درجة كبيرة من الأهمية.. تتمثل في اعتبار القومية  واقعاً تاريخياً، وليست كما تزعم بعض الميثولوجيات العرقية (العنصرية) (ظاهرة طبيعية) تنتمي إلى الطبيعة البيولوجية للإنسان.


هذا يعني أنه على الرغم من تنوع انتماء المجموعات البشرية وولائها لدين أو مذهب أو طبقة اجتماعية، فإن هناك قاسماً مشتركاً يجمع هؤلاء الناس ويوحدهم في إطار عام وشامل يندرج تحت مسمى (القومية),كأن نقول:(القومية العربية أو القومية الفرنسية أو القومية الروسية ...).

 

ولكي يتم فهم القومية كظاهرة اجتماعية_تاريخية، يتوقف د.أمين أمام مجموعة من التساؤلات المشروعة، وذلك لتفكيك واستيعاب هذا المفهوم الواسع، ليس في بعده التاريخي العام ولكن حتى في خصوصيته.أحد أهم هذه التساؤلات يتمثل في القراءة النقدية البناءة والعلمية للميثولوجيات والإدراكات والأساليب التي قام وتأسس عليها (الوعي القومي)، وذلك في سيرورته التاريخية (أي أنه لا بد من العودة إلى التاريخ) بغية كشف ملابسات وتناقضات المفاهيم المختلفة للقومية.

 

أما التناقض الأساسي والجوهري (الداخلي) لمفهوم القومية فهو من ناحية بين الطابع الإنساني المشترك لعموم البشر كالخصائص البيولوجية والنفسية والذهنية، ومن ناحية أخرى بين الطابع الخاص لكل مجموعة بشرية على حدة في إطار واقعها ووجودها التاريخي المحدد زمنياً ومكانياً. علماً أنه لا يمكن لأحد هذين المتناقضين المميزين لمفهوم القومية أن يلغي الآخر أو يفرض نفسه عليه.

 

ثم بعد ذلك يستعرض د.أمين مراحل انتقال البشرية حتى وصولها إلى مستوى التجريد، أي مراحل الانتقال من الشكل القبلي _الإثني _ الفئوي للمجموعات البشرية الأولى (على مدار عشرات الألوف من السنين)، بخصائصها المحلية الضيقة، وبدياناتها المحلية الخاصة، إلى مرحلة أكثر تقدماً، أطلق عليها د.أمين (الثورات الثقافية لعصر نمط الإنتاج الخراجي)، والتي تمتد من عام 500 قبل الميلاد إلى القرن السابع الميلادي. وقد تميزت هذه المرحلة المهمة ببلورة مفهوم عمومية البشرية في صورتها الأولى. وترافقت بظهور الديانات الكبرى كالزرادشتية والبوذية واليهودية والمسيحية والإسلامية، كما تبلورت في هذه المرحلة أيضاً الفلسفات الإنسانية الكبرى (الكونفوشيوسية والهيلينية والإغريقية...)...وقد وضعت هذه العوامل الدينية والفلسفية حجر الأساس لمفاهيم إنسانية أكثر عمومية تجاوزت الخصوصية الضيقة للقبيلة والعشيرة والإثنية. لكن على الرغم من تشكل حضارات إنسانية عالمية، تقاسمت فيه العالم، إلا أن الطابع العام الذي وسم هذه الحضارات الإنسانية هو الطابع الديني والفلسفي.

 

الثورة البرجوازية تفتح العصر الحديث

يقول د.سمير أمين: (تمثل الثورة البرجوازية التي تفتح العصر الحديث، المرحلة الثانية في هذا التطور، فطرحت مفهوماً جديداً للعمومية، أغنى مضموناً، وأزعم أن فلسفة الأنوار تمثل نقطة انطلاق هذه الحركة التي بلغت ذروتها في الثورة الفرنسية. لقد طرحت فلسفة الأنوار مفهوماً جديداً لمفهوم القومية. كانت الشعوب قبل ذلك التاريخ تعيش واقعها على ضوء الوعي بالانتماء إلى إحدى الديانات أو الفلسفات الإقليمية الكبرى التي سبق ذكرها. فنستطيع أن نتحدث بالنسبة إلى تلك العصور السابقة على الرأسمالية عن (أمم) المسيحية والإسلام والهندوكية والكونفوشوسية فكان لهذه الأمم وجود فعلي وصدى حاسم في عديد من الممارسات السياسية والأيديولوجية والسلوك في الحياة اليومية، وذلك سواء أكانت المنطقة المعينة موحدة نسبياً من حيث نظام الحكم السياسي _ وهذه الحالة استثناء _ أم كانت متفتتة سياسياً_ وهي القاعدة العامة).

 

بناءً على ذلك يمكن القول إن عصر النهضة في أوربا، وتحديداً (فرنسا وبريطانيا) وفتح أمريكا وتبلور الرأسمالية كتشكيلة اقتصادية _ اجتماعية، قد أفرزا وعياً جمعياً جديداً، ضمن إطار مجتمعي برجوازي، إطار (الدولة_الأمة البرجوازية)، أعلن القطيعة التاريخية التامة مع كل الميثولوجيات الدينية والفلسفية السابقة، على شكل (عقد اجتماعي_ قانوني) يرتبط فيه الناس الأحرار وذوو الإرادة الحرة بعضهم ببعض بغض النظر عن ولائهم أو انتمائهم الديني.

أي أن القومية، كما يصفها د.أمين هي: (فعل عقد اجتماعي حر، والدولة_ الأمة_ القالب الذي تتكون القومية من ضمنه_لا وجود لها في غياب هذا العقد، أي دون القرار الواعي من قبل (مواطنين)، وليست ناتج تطور (طبيعي) يفرض نفسه بدون عمل الوعي).

 

وبذلك يمكن الاستنتاج أن الرأسمالية كتشكيلة اقتصادية_ اجتماعية، هي التي أرست القاعدة العملية _ الأرضية، التي على أساسها تشكلت الدولة_ الأمة. تجلى ذلك بظهور مفاهيم جديدة، حلت مكان المفاهيم القديمة، كالحرية والفرد الحر (والمواطنين) بدلاً من كلمة (رعايا) بدلالاتها الدينية التابعية.. وتعتبر الثورة الفرنسية (العراب) الحقيقي لكل هذه المفاهيم، إذ إنها رفضت أن تضم إلى الأمة الفرنسية كل شخص لم يشارك في الثورة، حتى ولو كان ناطقاً بالفرنسية.. بل وأكثر من ذلك فقد تجاوزت كل الانتماءات الدينية والعرقية، فرأت أن كل من شارك في الثورة الفرنسية (يهودياً كان أم مسيحياً، زنجياً كان أم أبيض) هو جزء من هذه الأمة الفرنسية، فهي (أمة اختيار حر)، (أمة مواطنين بإرادتهم)، وليست (أمة طبيعية) (عنصرية)، (أمة الأسلاف)، فالديانة لم تعد تمثل مرجعية.

 

يقول د.سمير أمين: (هذا هو شأن الثورات الكبرى، أنها تتخطى مقتضيات الحاضر المباشر، وتشير إلى اتجاه التطور المستقبلي البعيد).

القومية في بعدها الأوربي

 

في الحقيقة لم تستطع الثورة الفرنسية بأفكارها التنويرية أن تحقق الهدف المعلن لها في تحقيق البعد العمومي لأهدافها في الديمقراطية (وكناتج قطيعة تامة مع الماضي)، وذلك أولاً لأنها تلازمت مع الأيديولوجيا الرأسمالية ذات المصالح الطبقية، التي فرضت حدوداً حقيقية أمام تعميم مبادئ الثورة الفرنسية(على شكل ثورات حقيقية) خارج فرنسا وإنجلترا وهولندا (شمال غرب أوربا).

ففي ألمانيا مثلاً لم تحصل ثورة برجوازية على أسس ديمقراطية، على غرار فرنسا، ولم تتشكل الدولة نتيجة (عقد اجتماعي لأحرار) كما في فرنسا، وإنما كان حاصل استخدام القوة العسكرية لتوحيد مجموعة دويلات أرستقراطية، بقيادة (بسمارك)، استندت إلى مرجعية عرقية، لها جذورها في الماضي الجرماني، دون أن تعلن القطيعة مع الماضي. كما أنها رأت أن الدين هو مكون أساسي من مكونات الأمة الألمانية. وكلنا يعرف ما آلت إليه هذه النظرية العرقية_الرجعية من إجرام للنازية في الحرب العالمية الثانية. طبعاً كان لهذه المفاهيم الجديدة للقومية ارتداد معاكس وسلبي على الدول التي قامت فيها ثورات برجوازية ديمقراطية.

 

هذا ما يؤكده د.سمير أمين بقوله: (إذن فإن غياب ثورة برجوازية خارج البلدان الأوربية الثلاثة المذكورة قد أدى إلى اعتماد نمو الرأسمالية في أوربا الوسطى والشرقية والجنوبية على ميثولوجيا قومية مفادها أن إقامة الدولة الوطنية هي تجلي رغبةٍ وطنية سابقة، مفترضاً بذلك أن الأمة قد سبقت في الوجود الدولة_الأمة. هذا بينما واقع التاريخ يثبت أن الأمة المزعومة هي إلى حد كبير ناتج ممارسات الدولة. وقد أنتج هذا التشوه الأيديولوجي القومي أيضاً انفجار الإمبراطوريات المتعددة القوميات.. ثم أثر التحمس القومي على مجتمعات أوربا الغربية الديمقراطية نفسها تأثيراً ملحوظاً. خاصة أن دول أوربا قد دخلت في تلك اللحظة مرحلة الإمبريالية واشتداد المنافسة بينها. فصار الالتجاء إلى ميثولوجيا القومية سلاحاً فعالاً في أيدي الطبقات الحاكمة من أجل تعبئة شعوبها في مشاريعها الاستعمارية).

 

أما البعد الثاني _الذي تطرق له د.أمين_ والذي وضع حدوداً للعمومية البرجوازية بأفكارها الديمقراطية، ومنع انتشارها، فهو الذي يخص المستعمرات التي خضعت للتوسع الرأسمالي (آسيا وإفريقيا)، إذ لم تُعامل شعوب هذه البلدان معاملة شعوبها الأصلية. بل على العكس تماماً، عملت على تكريس كل القيم و التقاليد غير الديمقراطية السائدة(الدينية والإثنية والمذهبية..) في هذه المستعمرات بغية إضفاء الشرعية على وجودها واستمرارها، وبذلك تركت الرأسمالية العالمية البلدان المستعمرة خارج نطاق عولمة المثل والقيم الديمقراطية، ودعمت (الخصوصيات) المحلية لهذه الأطراف، وعمقتها في وعي أفراد المجتمع وممارساتهم.

2011-11-27
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)