news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
الحرية وثقافة التعري لدى علياء المهدي ... بقلم : مكارم ابراهيم

يقال  بأنه دوما يكون خلف الكاميرا أثناء تصوير فيلم عيون رجل بغض النظر عمن يقف وراء العدسة . ولغة الفيلم لا تعرف سوى كلمة واحدة امرأة عارية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالجنس.


في حين ان مشهد رجل عاري يدل على الضعف.  فالإنسان العاري يشعر بضعف كبير حيث لا يستطيع احد ان يحميه. مشاهد رأيناها في الحرب العالمية الثانية حيث يقوم الجنود بمطاردة الناس ويجبرونهم على التعري.

ومشاهدة نساء يتم اغتصابهن في الحروب وفي سجون الاعتقالات  فهنا يرتبط الجسد العاري بالضعف والرعب والقمع والاستعباد.

 

في الحقيقة اننا محاطون بالتعري من جميع  الجهات, لوحات فنية ,وتماثيل ,وفي التلفزيون, والانترنيت والمجلات, والجرائد الخ .. ولكن  لم نكن يوما ما متحفظين في فهم هذه المسالة ولهذا السبب يظل مشهد المرأة العارية وارتباطه بالجنس على الشاشة مؤثرا علينا. فصورة المرأة العارية والايروتيك يرتبطان معا بشكل وثيق. والتعري يرتبط بالشعور بالعار والخوف من ان يظهر المرء جسده الجنسي لأنه يكشف عن أعضائه الجنسية للآخرين.

 

في عام 1933 عرض الفيلم التشيكي ( 'Ekstase )وكان مشهد الممثلة هيدي لامار وهي عارية له تأثير كبير على الشاشة الامريكية حيث منع عرض المشاهد العارية في الأفلام الأمريكية حتى عام 1960.

 

وهناك من بحث في ثقافة التعري لفهم لماذا يتعرى المرء امام الآخرين وما هو شعوره في تلك اللحظة  كما هو الحال على شاطئ العراة ( Nudes ).

 

ففي حال وجود المرأة والرجل على ساحل العراة كيف يتصرفون؟ وهل يمكن لأحدهم ان يقول للأخر إطراء عن جسد ه؟  وكم يمكن ان تكون المسافة بين جسدهما ؟ وهل ينظرون الى بعضهما البعض ؟

وحتى يومنا هذا نجد ان الإعلان عن اي فيلم سينمائي يكون غالبا بعرض مشاهد لبطلة الفيلم وهي عارية وفي وضعية ايروتيكية من اجل رفع عدد الزوار في صالة  العرض.

 

وفي الدنمارك يقام سنويا مهرجان غنائي كبير في مدينة روسكلدة Roskilde  حيث يجري فيه سباق للعراة  .

ولو عدنا في الزمن الى الوراء ففي خمسينيات القرن الماضي كانت المرأة الدنماركية تعاني القمع بعدم حصولها على حقوق مساوية للرجل الدنماركي في الترشيح والتصويت والانتخابات والراتب والعمل والدراسة وتربية الاطفال  وحضانة الاطفال الخ الخ .... .

وحينها أسست النساء حركة نسائية في ستينيات القرن الماضي وأول نشاط قمن به هو خروجهن عاريات في الشارع على شكل تظاهرة نسائية مطالبة بالمساواة مع الرجل.

 

وبعد مرور أربعين عاما وتحديدا في العام الماضي قامت مجموعة من النساء الدنماركيا ت في التعري في  المسابح العامة وذلك من اجل إعطاء دروسا للرجال في المساواة على أساس ان جسد المرأة العاري يجب ان يكون حالة طبيعية كجسد الرجل العاري ولا داعي لتغطيته.

 

ولكن المشكلة هنا انه ادى هذا العرض او العمل (الثوري) الى ازدياد عدد الرجال  في المسابح العامة بشكل واضح وبعد شهرين من اعتماد النساء على ظاهرة التعري في  المسابح رجعن الى لبس المايو وإلغاء فكرة التعري في المسابح باعتبار ان التعري امام الرجال لم يؤدي هدفه المنشود في إعطاء دروساً للرجال حول احترام حرية المرأة ومساواتها مع الرجل .

 

وبالتالي نرى بان جسد المرأة العاري يبقى دوما تأثيره ايروتيكي ولا يأخذ اي بعد ثوري مهما كانت الرسالة التي تدعوا اليها المرأة في تعريها .وإذا كانت المرأة العربية او المسلمة تعتقد انها تستخدم نفس السلاح (الجسد العاري) في ثورتها ضد قيم المجتمع الذي يضطهد جسدها بالحجاب والنقاب. فكيف يمكن اذن أن نفسر استخدام المرأة الأوربية او الدنماركية نفس السلاح (الجسد العاري) في ثورتها ضد المجتمع والرجال على الرغم من انها لم تقمع من قبل الاسلام ولم  يفرض عليها ستر جسدها بالحجاب  او النقاب ؟

 

لماذا تختار المرأة جسدها للاحتجاج سواء في اوربا او العالم العربي؟

ففي اوربا من الطبيعي  جدا ان ترى صورة امراة عارية كلوحة فنية في كل بيت واحيانا يضع الزوج صورة زوجته او حبيته العارية كلوحة فنية  ومع نرى ان بعض النساء الأوربيات يستخدمن الجسد العاري  في احتجاجها؟

 

فل ايمكن ان يكون التعري ثورة لان جسد المرأة العاري يرتبط بالايروتيك وليس بالثورة والمستغرب ان المرأة مع هذا تستخدم جسدها العاري في نضالها نحو الحرية  والمساواة مع الرجل؟ لماذا يجب ان تتعرى المرأة للحصول على مطالبها؟  لماذا يجب ان يكون جسدها  دوما هو الثمن الذي تدفعه من اجل الحصول على حقوقها المشروعة ؟ وخاصة وهي في مجتمع متقدم غربي ؟ فكيف نحلل هذه الظاهرة اذا استخدمتها المرأة في المجتمع الشرقي ؟

 

ويمكن ان نذكر على سبيل المثال الفنانة التشكيلية السورية هالة الفيصل التي ولدت في اسرة متفتحة غير متدينة وعاشت في دول أوروبية متعددة تتكلم لغات عديدة وعندما احتلت أمريكا العراق عام 2003 قامت هالة الفيصل بالتعري في ساحة نيويورك العامة وكتبت على جسدها العاري اوقفوا الحرب وطبعا تم اعتقالها بعد فترة قصيرة حيث ممنوع ان تكون عارية في مكان عام.

فنلاحظ بأنها استخدمت جسدها العري للتعبير عن احتجاجها ضد احتلال أمريكا للعراق وهنا كانت رسالتها موضوع سياسي وليس موضوع قمع المرأة المسلمة ولكنها استخدمت الجسد العاري في رسالتها السياسية كونها تعتمد دوما على موضوع الجسد العاري في لوحاتها .

 

كانت هذه المقدمة كي ادخل في موضوع المقالات الكثيرة التي كتبت عن الفتاة المصرية علياء المهدي التي تعرت في الانترنيت لكي تعلن عن تحديها للمحرمات في مجتمعها الشرقي الذي يفرض عليها التستر .

وفي الحقيقة تفاجئت كثيرا من عدد المقالات التي تناولت قصة هذه الفتاة .

فالمعلوم للجميع انه اذا فتحنا الانترنيت سنشاهد صور لا تعد ولا تحصى لنساء عاريات عربيات وغربيات  منهن ممثلات شهيرات ومنهن  نساء عاديات جدا ومنهن من قمن بتغطية وجوههن بالنقاب  لتخفي هويتها ومنهن نساء صورن في حالة اباحية اثتاء ممارسة الحب مع رجل .

 

فما هو المميز في صورة الفتاة العارية علياء المهدي لكي تتناولها مقالات عديدة  . حتى أن بعض الكتاب العرب اعتبروا صورة الفتاة وهي عارية تجسيد لثورة على معايير المجتمع الشرقي . ولكن الحقيقة هو انه يوجد آلاف  الفتيات الشرقيات عاريات على الانترنيت ومنهن في أوضاع ايروتيكية أيضاً . ثم اذا اعتبر الكتاب العرب ان هذا العمل هو ثورة فنكون بذلك قد دخلنا موسوعة جينس في عدد الثورات.

وما يثير الدهشة هو اعتبار تعري الفتيات على الانترنيت ثورة فلماذا لم تستخدم هذه الطريقة المريحة في إسقاط بن علي ومبارك والقذافي والحسن الثاني؟ ثم هل يمكن ان نعتبر تعري الفتاة ثورة في مجتمع شرقي هل تملك  الشروط الذاتية لكي تكون عنصر من عناصر الثورة؟

 

لقد فات هؤلاء الكتاب معنى الثورة والتي تعني حراك جماعي شعبي يؤدي إلى قلب نظام الحكم من سلطة طبقة حاكمة واستبدالها بطبقة حاكمة اخرى وتغيير النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفكري للمجتمع.

فهل هذا ما حدث؟ هل استطاعت المرأة بالتعري أن تغير البنية التحتية للمجتمع؟

 

ويبقى السؤال هنا: هل تعري الفتاة على الانترنيت هو احتجاج على ظاهرة الإباحية الايروتيكية؟ أم هو مطلب منها بان ينظر اليها الرجل كانسان لا تختلف عن الرجل كما فعلت النساء الدنماركيات في أول احتجاج لهن؟ أم هو مجرد رغبة من الفتاة كأي امرأة ان تظهر جسد جميل عاري كأي لوحة فنية يرسمها فنان تشكيلي ؟

 

 هناك لوحة الفنان  أوجين ديلاكروا ( الحرية تقود الشعب ) عن الثورة الفرنسية كانت امرأة قد كشفت عن جزء من صدرها في اللوحة  تحمل العلم وتقود الرجال ولم تكن عارية كليا  بل مثلت رمز للتحرر بهذه الصورة  ولكن هناك فرق شاسع بين هذه اللوحة وبين صور علياء المهدي التي تعددت ولم تعتمد على شعار معين وصورة واحدة كما هي في لوحة اوجين ديلاكروا  ولهذا السبب فإذا افترضنا ان علياء  المهدي تريد ان تقود ثورة نسائية ضد الكبت الجنسي وضد فرض التستر كالحجاب والنقاب في مجتمعها الشرقي المحافظ

 

بهذه الحالة لن تستخدم صور عديدة وفي وضعيات مثيرة مع رجل , بل سوف  تستخدم رمز و شعار يرمز للحرية بالضبط مثل إي مجموعة احتجاجية أو حزب يطرح ايديولوجيته من خلال شعار خاص .

 

 كان بإمكاني ان اشتري قصة ثورة علياء اذا استخدمت شعار ولوغو كرمز للتحرر من الكبت الجنسي والاضطهاد الجسدي او من الحجاب   الذي فرض عليها او فعلت كما فعل الرسام اوجين ديلاكروا . 

 

ولابد من الإشارة ان النساء بالتأكيد يختلفن بطريقة التعبير عن استيائهن من قضية ما .

وهنا دعونا نتذكر السيدة انديرا غاندي التي كانت أول امرأة في الهند تستلم منصب رئيسة الوزراء ولمرتين وبدون ان تتعرى بل بالعمل السياسي الدؤوب حصلت على هذا المنصب؟

 

وأعود واذكر إنني عندما انتقدت الكاتبة نوال السعدواي في كتباتها التي تتناول حرية المرأة ونضال المرأة للحصول على حقوقها  انتقدت حينها اختيارها الخاطئ لحلبة الصراع عند المرأة وهي انها كانت تركز على انوثة  وجسد المرأة في مناقشاتها اي استخدام الجسد في موضعها وبرأيي الشخصي هذا هو سبب فشل المرأة في الحصول على حقوقها  .  فالمرأة التي تسعى للحصول على حقوقها المشروعة عليها ان تختار حلبة صراع اخرى ليس من منطلق أنها أنثى وبالتالي ليس باستخدام جسدها بل من منطلق  أنها إنسان  وتعتبر الرجل انسان وليس ذكر.  فالاثنان يضطهدان من قبل انظمة رجعية برجوازية خلقت هذه التقسيمات الطبقية كثنائية غني وفقير, مثقف وأمي,  رجل وامراة, ورجل دين وعبد, الخ من التقسيمات  الطبقية الثنائية المختلفة التي تميز بين افراد المجتمع الواحد.

 

وكما ذكرت في كتاباتي السابقة حول فهم المرأة للتحرر يختلف باختلاف البيئة الاجتماعية والتربية الاسرية والوضع الاقتصادي والسياسي الذي تعيش فيه.

فهناك امرأة ترى تحررها في حصولها على عمل في مهنة ينفرد به الرجال او ترى تحررها في ان تدخن سيكارة  امام الآخرين او في الشارع او ان تشرب الكحول امام الآخرين او ان تلبس قصير او ان تسوق السيارة بدون محرم او ان تلبس البكيني او ان تظهر عارية على الانترنيت.

 

وكل هذه الاختلافات في مفهوم التحرر سببها يعود كما أشرت في مقالاتي السابق الى الإعلام والأنظمة البرجوازية المسيطرة على الاعلام حيث تغتصب إنسانيتنا يوميا من خلال الأفكار التي تبثها وتدخلها في اللاوعي لدينا ودون ان نشعر تتحكم بسلوكياتنا ومبادئنا . , ولوهلة قصيرة تصورت بأن هذه الفتاة ربما قرأت مقالتي أنا عاهرة وافتخر وكلنا عواهر وقد أساءت فهم العنوان.

 

مكارم ابراهيم

 

سؤال للمناقشة:

كيف نفسر استخدم المرأة الاوربية او الدنماركية نفس السلاح اي الجسد العاري في ثورتها ضد المجتمع والرجال واحتجاجاتها على الرغم من ان جسدها لم يتعرض للقمع من قبل الاسلام كما يقول الغالبية المدافعين عن علياء المهدي فالاسلام لم يفرض على الاوروبية  ستر جسدها بالحجاب  او النقاب ؟

 

ففي الدول الاوربية وفي ثقافتهم من الطبيعي جدا ان ترى صورة امراة عارية كلوحة فنية في كل بيت  معلقة على الحائط واحيانا يضع الزوج صورة زوجته او حبيته العارية كلوحة فنية  فلماذا اذن تستخدم المرأة الاوربية الغير مقمعة من قبل الاسلام هذا السلاح في احتجاجها؟

 

فانتم تبررون عمل  علياء باستخدام جسدها كسلاح ثوري في احتجاجاجها لانه السلاح الذي يستخدمه الشيوخ المسلمون في قمع جسدها من خلال فرض الحجاب والنقاب وستره. فكيف تبررون الاوروبية الذي لاتفرض عليها الحجاب والنقاب وستر جسدها؟

2011-11-30
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)