news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
الماركسية والماركسيون في عصرنا ... بقلم : عطية مسوح

حين يطرح أحدنا فكرة تتعلق بنقد التجربة الاشتراكية في القرن العشرين، أو يدعو إلى التجديد الماركسي، فإنه كثيراً ما يواجه بسؤال: (لماذا لم تكن تطرح مثل هذه الأفكار قبل أن ينهار الاتحاد السوفييتي؟) ويصنف أحياناً، انطلاقاً من محتوى هذا السؤال، أنه مرتد عن الماركسية، ومتنكر لتاريخه ونضاله.


 هذا السؤال ساذج وسطحي، مع احترامي لمن يطرحه. إنه كسؤال المريض: (لماذا لم تتناول الدواء قبل أن تكتشف مرضك؟).

 

سؤال يتجاهل دور الأحداث والوقائع في التأثير على الأفكار والتفكير. وينفي أمراً حقيقياً، هو أن انهيار الاتحاد السوفييتي هز العقول وحرض على البحث والتقصي وإعادة النظر بما كان يسمى بالثوابت وهذا هو الأمر الطبيعي، وهو تجسيد لجدل الفكر والواقع، وهو ـ في كل الأحوال ـ أفضل من التشبث بالماضي.

 

تستمر محاولات البحث في الماركسية وتجديدها، ويبدو هذا الأمر الهم الأكبر للماركسيين في زمننا، ولا سيما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وتراجع الدور السياسي والفكري والثقافي للأحزاب الماركسية في العالم.

 

انهيار الاتحاد السوفييتي وما عرف بمنظومة الدول الاشتراكية، كان بداية حقبة تاريخية عالمية جديدة، وتتويجاً لتبدل في الأوضاع الدولية على المستويات التقنية والاقتصادية والاجتماعية، ونهاية لما عرف بنظام القطبين في القرن العشرين.

 

وإذا كان ما يقارب عقدين من الزمن بعد ذلك الانهيار، قد أثبت أن العالم لم يصل إلى وضع أفضل مما كان عليه، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية استفادت من انهيار القطب المقابل لها ساعية إلى إطباق سيطرتها على العالم، فإن هذا لا يعني أن الانهيار كان من فعلها وتخطيطها كما أراد بعض الماركسيين أن يستنتجوا، بل إن العوامل الذاتية، الخاصة بالشيوعيين فكراً وممارسة هي الأساس الذي أدى إلى ذلك الانهيار.

 

والمقصود بالذاتية، تلك العوامل المتعلقة بطبيعة النظام الاشتراكي الذي أقامه الشيوعيون، في الاتحاد السوفييتي، وامتدت خطوطه الرئيسة إلى بلدان (المنظومة)، وإلى الكثير من بلدان (العالم الثالث)، النظام الذي لم يكترث للحريات السياسية والثقافية، ولم يستطع تجاوز صيغة الديمقراطية البرجوازية أو تطويرها نحو الأفضل، بل تراجع عنها تراجعاً كاملاً، فألغى الحركة السياسية المتمثلة بجدل الحكم والمعارضة، وقيد حرية التفكير والتعبير عن الرأي، وألغى الإعلام الحر، وكرّس حكم حزب واحد قانونياً وواقعياً، وتشدد في فرض ملكية الدولة، وغير ذلك.

 

بعد ذلك الانهيار، وفي ظروف تبدلت تبدلاً جذرياً، كان لا بد للماركسيين ودعاة الاشتراكية من البحث والتفكير، وإعادة النظر بما كانوا يعدّونه صواباً لا باطل فيه.

 

ومن يدقق في مواقف الماركسيين التي تبلورت في أثناء البحث وإعادة النظر تلك، يجد ثلاثة مواقف أشارت إليها كلمة افتتاح ندوة (الماركسية والماركسيون في عصرنا) وبعض المداخلات التي ألقيت فيها، وهي:

 

ـ موقف الثبات على ما كان، والتمسك بكل تراث الماركسية، انطلاقاً من ردة فعل دفاعية.

ـ موقف مناقض تماماً، هو موقف التخلي عن الفكر الماركسي، انطلاقاً من الظن أن الانهيار كان تعبيراً عن فشل الأفكار الماركسية في فهم الواقع والتعامل معه.

 

ـ موقف القراءة النقدية للماركسية، بهدف معالجة نقاط ضعفها، وتجديدها وفق مقتضيات العصر.

إن استمرار الحوار بين الماركسيين، على اختلاف مواقفهم وتحليلاتهم واستنتاجاتهم أمر طبيعي وضروري، كما أن حوارهم مع غيرهم هو كذلك. فقد أثبتت تجربة العقود الأخيرة، أن الطابع العام، بل القانون الأساسي الذي يحكم العلاقات في المجتمع الواحد، وبين المجتمعات، هو قانون التواصل والتفاعل، لا قانون القطيعة والانكماش، وأن وضع الحدود والجدران بين الأفكار والمعتقدات والأحزاب والحركات والقوى المختلفة هو فعل قسري مخالف لطبيعة الحياة، وضار بوحدة المجتمع عامة، ووحدة جهود القوى التغييرية الساعية إلى التقدم والحرية والعدالة خاصة.

 

هذا الحوار المطلوب، حلقةً من حلقاته، كانت الطاولة المستديرة (الماركسية والماركسيون في عصرنا) التي دعا إليها وأعدها مكتب العمل الفكري التابع للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري.

 

صدرت حديثاً أعمال تلك الندوة في كتاب يحمل عنوان الطاولة المستديرة ذاته، وهو يتضمن مداخلات الباحثين المشاركين كاملة، ومقتطفات من مداخلات الحاضرين. ويقع في 130 صفحة من القطع المتوسط.

 

صدر الكتاب عن دار نون 4 وهو موجود بين أيدي القراء والباحثين، ولعل صدوره يسهم في استمرار الحوار حول الماركسية وتجديدها، ويغني أفكار الماركسيين، ولعل جهود الماركسيين التجديدية في زمننا تؤدي إلى تنشيط دور الفكر الماركسي في الحياة السياسية والثقافية.

2011-12-04
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد