news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
رؤاهم في العلمانية... بقلم : بسام سفر

 تستحق مسألة العلمانية أبحاثاً عديدة من مفكرين وكتاب عرب، وهذا ما ذهب إليه ثلاثة مفكرين عرب هم: (يوسف سلامة، عطية مسوح، ماهر الشريف).


 فقد رصدوا العلمانية من زوايا رؤيوية خاصة بهم في كتاب خاص عنوانه (العلمانية وجهات نظر) صادر عن (نون 4) للنشر والطباعة في حلب.

يقدم الدكتور يوسف سلامة تعريفاً لمصطلح العلمانية واشتقاقه من العلم والعالم كمفردتين تحيلان إلى العالم في اللغة العربية، ويربط بين العقلانية والعلمانية من خلال اعتبار العقلانية جزءاً لا يتجزأ من كل أيديولوجية علمانية معتبراً أن العقل ما لم يكن حراً، فإنه لن يستطيع أن يتناول المشكلات تناولاً حقيقياً، مؤكداً أن حرية العقل عندما تتعارض مع المقدس يجب أن تكون الأولية لحرية العقل في كل أيديولوجية علمانية.

ويرى سلامة أن الركن الرابع من العلمانية هو الديمقراطية التي تحول الحرية الفردية إلى ظاهرة اجتماعية وسياسة، والانتقال بحرية العقل والفرد من كونهما ذَوَيْ بُعْد فردي إلى كونهما ذَوََيْ بعد جماعي واجتماعي.

ويعطي سلامة الديمقراطية معنى مؤسساتياً، في الاعتراف المتبادل بين أفراد المجتمع ضمن القانون والدستور الذي ينظم هذه العلاقات ويضمن للجميع حقوقاً متساوية بالتقاضي أمام المحاكم والتعويض عن الأضرار.

ويطلب الدكتور سلامة عند الحديث عن العلمانية الانتباه إلى أمرين، الأول: أنه يمكن للعلمانية أن تكون مؤمنة، ويمكن أن تكون ملحدة، لأن العلمانية متعلقة بالعلماني، فمن حقه إذا أراد أن يكون ملحداً أو أن يكون مؤمناً، وفي الحالتين يكون حراً.

ويؤكد سلامة أن المشترك بين العلمانيين هو فصل الدنيوي عن المقدس، واعتبار المقدس حقلاً مختلفاً كل الاختلاف عن الدنيوي، ويقدم مثالاً على ذلك تجربة لبنان في القرن التاسع عشر.

ويتساءل الدكتور سلامة: لماذا لم تتوطد العلمانية في بلادنا؟ ويجيب حسب رأي المختصين بدراسة تاريخ العالم العربي: أن العرب كانوا يحتاجون إلى مئة أو مئتي سنة ليحققوا ذلك، فلو حدثت الثورة العلمية لأصبح ممكناً أكثر موضوع الدنيوية. وختم الدكتور سلامة بحثه بنقطتين:

الأولى أن سورية منذ قيام الثورة العربية وزعامة فيصل وما تلاها دخلت طوراً مختلفاً من الحياة التي كانت تعيشها في ظل العثمانيين. وأوضح سلامة أن سورية تعيش نوعاً من العلمانية المدنية التي تصالحت عليها مجموعة القوى الاجتماعية واتفقت عليها دون عقد مكتوب على نمط من التعايش سمح للجميع أن يكونوا موجودين.

والثانية: أن من يراجع الدستور السوري الحالي فسيكتشف أن المواد التسعة الأولى لا تتعارض مع العلمانية، وبضمن ذلك المادة الثانية حول دين رئيس الدولة وهي في الشكل غير علمانية، فإن إسلام رئيس الدولة ابتداءً من الشيخ تاج إلى اليوم لم يؤثر سلباً على ممارسة الحياة في المجتمع السوري، وحتى المادة الثالثة حول أن (الشرع الإسلامي هو مصدر من مصادر التشريع) الأخرى لم تعق العلمانية.

ويضيف الدكتور سلامة أن الذي يعوِّق العلمانية هو عدم اتخاذ القرارات الجديدة التي تتعلق بتطوير قانون الأحوال الشخصية وقضايا المرأة ومساواتها وغير ذلك. ويعزو سلامة عدم اتخاذ القرارات بما يخص قانون الأحوال الشخصية إلى ضعف التيارات الديمقراطية والعلمانية، وعدم قدرتها على فرض هذه القوانين في مجلس الشعب.

بينما يقدم الأستاذ عطية مسوح بحثاً بعنوان (العلمانية والواقع العربي)، يطرح فيه إشكالية العلمانية العربية التي لم تكترث بألوان البيئة والظرف العربي الذي انطلق فيه رافعو رايات العلمانية من المفاهيم المجردة والتعريفات الأكاديمية التي أطلقت عليها حيث ولدت. والإشكال الثاني في علمانية العرب في العصر الحديث أن الذين نقلوا هذه العلمانية ودعوا إليها من مفكرين ليبراليين وقوميين ويساريين عرب منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى أواسط القرن العشرين نزلت منزلاً غير موات لها. فلا العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، والعلاقات السائدة تستطيع استيعاب العلمانية واستلهام مبادئها وقيمها. ولا حاملوها قادرون على التحلي الحقيقي بهذه القيم والمبادئ وتحقيق المطابقة بين القول والسلوك.

وهذا ما يفسر سوء الفهم الذي لحق بالعلمانية فظلمت. وحسن الفهم عند المتضررين منها فظلمت أيضاً.

ويقدم مسوح شكلاً آخر من أشكال ظلم العلمانية حين تداخلت مع البنى الفكرية الهشة لدعاتها، فصارت علمانية سطحية مسكونة بالتخلف والتعصب للرأي ورفض الآخر وقمع المخالفين لإرادة قادة الأحزاب والمؤسسات والحكومات، وتسخير المنابر الإعلامية لرأي دون آخر.

ويتساءل مسوح: هل نحن مؤهلون لقبول العلمانية؟ ويجيب على ذلك في قراءة تجارب العرب السياسية والفكرية في القرن العشرين، في مراحل النضال ضد الاحتلال العثماني والاستعمار الغربي ومراحل البناء الوطني بعد الاستقلال، وشعار: (الدين لله والوطن للجميع). معتبراً أنه شعار علماني محتواه فصل الدين عن الدولة والسياسة.

ويوضح مسوح: أن تجاوز الأحزاب الوطنية حدود الطوائف تجاوزاً واضحاً، فكان قادة هذه الأحزاب ينحدرون من مختلف الطوائف، تجمعهم برامج سياسية، وتتصارع الأحزاب على رؤى ومواقف وأفكار لا علاقة لها بالانتماء المذهبي.

ويضيف مسوح أن ملامح العلمانية وجدت في مجتمعاتنا العربية وتنامت مع التطور الفكري والسياسي منذ أوائل القرن العشرين. ويؤكد مسوح حاجة المجتمعات العربية ومجتمعنا السوري خاصة إلى العلمانية، لأن مجتمعنا متعدد من حيث انتماءات أبنائه الدينية والمذهبية والقومية والعشائرية والحزبية، ولا طريق لضمان علاقات وطنية سليمة بين هذه الانتماءات سوى العلمانية. معتبراً أن العلمانية تقوم على تأكيد الهوية الوطنية والانتماء إلى الوطن، وتترك الانتماءات الأخرى.

وفي باب المواطنة وحقوق الإنسان يرى مسوح أن الإنسان الفرد يحمل خصائص العام أي الجوهر الإنساني قبل أن يكون صاحب مذهب ديني أو سياسي أو انتماء قومي أو قبلي. فأساس الفردية هي الانتماء الإنساني، أي الانتماء العام. ويشير مسوح إلى أن العلمانية هي السبيل الوحيد لتحقيق مبدأ المواطنة، أي أن المواطنين متساوون أمام القانون، فالعلمانية هي التي تجعل القانون ذاته قانون مواطنة لا قانون تمييز.

وفي محور العلمانية الرئيسي يعالج مسوح ثلاثة أمور، الأول: إن فصل الدين عن الدولة والسياسة لا يحمل إساءة إلى الدين، بل إنه ينزه الدين عن الذرائعية السياسية. والثاني: إن فصل الدين عن الدولة لا يعني فصله عن المجتمع أو التقليل من دوره في حياة الناس الاجتماعية. والثالث: إن لفصل الدين عن الدولة عمقاً في تاريخنا العربي، إذ إن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان تحدث: (إن الأمر (أي الخلافة) أفضى إلى عبد الملك والمصحف في حجره، فأطبقه وقال: هذا آخر العهد بك). ولم يخرج الخليفة القرآن من حياته ولا من حياة المجتمع، بل أخرجه من أمور السياسة وإدارة البلاد.

ويدخل في هذا الإطار قول السيد المسيح (ما لقيصر لقيصر وما لله لله).

ويضيف مسوح إلى ذلك أن فصل الدين عن التعليم يتم للاختلاف بين طبيعتهما التي تجعل من الفصل بين الدين والعلم أمراً مفيداً لكليهما، ويقسم مسوح الممارسات المعززة للعقل العلماني إلى ثلاثة صعد، هي: السياسة والتعليم والإعلام، ويدعو السلطات إلى رعاية حرية الإنسان وحمايتها في جميع مجالات الحياة. كما يطالب الأحزاب، ولا سيما التي تتبنى العلمانية منها إلى إطلاق رعاية حقوق أعضائها، خصيصاً بحرية التفكير والتعبير عن آرائهم وإن جاءت مغايرة لآراء القادة أو المواقف الرسمية لأحزابهم، والسماح لهؤلاء الأعضاء باستخدام منابر هذه الأحزاب الإعلامية للتعبير عن آرائهم.

أما على صعيد التعليم، فيقدم مسوح برنامجاً متكاملاً يتألف من ثمانية نقاط. في حين يقارب الصعيد الإعلامي في خلال حرية الصحافة التي يعدّها مبدأ علمانياً إلى جانب أنها مبدأٌ ديمقراطي.

ويختم مسوح بحثه في الأثافي الثلاث (العلمانية، العقلانية، الديمقراطية)، إذ يؤكد أن العلمانية مرتبطة بالعقلانية والديمقراطية، فالعلمانية والعقلانية صنوان، لأنهما تقومان على احترام العقل. أما العلمانية والديمقراطية فتربطهما علاقة جود، فالعلمانية لا تكون حقيقية ومستمرة بلا ديمقراطية في الحياة السياسية والفكرية، والديمقراطية لا تكون حقيقية إلا في مناخ علماني.

 أما الدكتور ماهر الشريف فيتساءل في بحثه: هل إن خطاب التيارات الإسلامية هو تجديد الخطاب الديني أم إحياء خطاب (العلمانية المؤمنة)؟ ويجيب عن هذا السؤال بالعودة إلى قراءة خطاب تيار الإصلاح الديني في محاولة لتبيان طبيعة (العلمانية) التي تبناها، والعوامل التي أدت إلى عزوب هذا التيار وخطابه، والعوامل التي ساعدت على بروز الخطاب الديني (الأيديولوجي) الذي عبر عن ذاته بتلاوين مختلفة، وقام بقطع مع خطاب الإصلاح الديني وأسهم في إعاقة تحقيق ثورة ثقافية حقيقية تطاول مجال فهم الدين.

ويقرأ الشريف الدعوة المتصاعدة في هذا الزمان لـ (تجديد) الخطاب الديني، مبيناً قصورها ومحدداً طبيعة خطاب (العلمانية المؤمنة) المتجدد لدى هذه التيارات.

ويختم الدكتور الشريف بحثه في الإجابة عن التساؤل المطروح عنواناً للبحث بالقول: إن حظوظ هذا الخطاب في النجاح بتحقيق الهدف تبدو ضئيلة إلى الآن، وذلك لأن السلطات الحاكمة العربية، بمختلف تلاوينها، لا تترك مساحة في أجهزتها التربوية والثقافية والإعلامية كي يشغلها هذا الخطاب، ولأن أصحابه لا يستندون إلى قاعدة اجتماعية واسعة بين جمهور المؤمنين، بل لا تزال دعوتهم أشبه بصرخة مثقفين ورجال دين معزولين، في ظروف تتميز بافتقاد الحريات، ولا سيما حرية التعبير والتفكير والبحث.

2010-11-15
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)