news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
استشراف المستقبل (2) ... بقلم : نبيل حاجي نائف

إن أبسط التوقعات أو التصورات للمستقبل هي أنه سيبقى مثل الماضي، والافتراض التالي هو أن الأمور سوف تتغير بالطرق نفسها التي تغيرت بها في الماضي


أي أن التغيير الذي لوحظ في الماضي سوف يستمر في المستقبل على نفس الشكل والوتيرة. فإذا عرف أن عدد سكان مدينة يتزايد بمعدل 2% سنوياً نفرض أنه سيستمر كذلك في المستقبل، أي نسقط طريقة تغير الأحداث التي حدثت في الماضي سوف تكون نفسها في المستقبل، ولقد ظهر أن هذه الطريقة غير دقيقة.

 

والمبدأ الثاني الذي يمكن أن ندعوه "مبدأ القياس"، وهو مبنى على ملاحظتنا أن نماذج معينة من الأحداث تتكرر أو تتشابه من وقت لآخر "الاستقراء والتعميم" أي أن هناك مؤشرات رئيسية تدل على ما سيحصل مثل: حين حدوث انخفاض في مقياس الضغط الجوى نتنبأ أن عاصفة قادمة. ونحن جميعنا نستخدم القياس في تكهناتنا وتنبؤاتنا اليومية. وبعض المجتمعات وبخاصة في الشرق بالنموذج ألدوراتي - أي تكرار دورات الحوادث أو التاريخ باستمرار.

 

إن معرفة الماضي لا تصبح آلياً معرفة للمستقبل، فهذه الثانية يجب أن ينشئها استخدام المعطيات المتوفرة عن الماضي كمادة خام لصياغة أفكار وتنبؤات عن المستقبل، ونحن نستخدم من أجل هذه الصياغة عددا من الأدوات العقلية وخبرتنا في استخدام تلك الأدوات وهى المفاهيم والنظريات. وتلعب رغباتنا دوراً رئيسياً في تشكيل أفكارنا عن المستقبل، فنحن نشعر بالعطش ونطور فكرة للحصول على الماء، ونحس بالملل ونطور فكرة للقيام بنزهة، وكثيراً ما تخفض مرتبة التفكير بما يسرّنا إلى مرتبة أحلام اليقظة، ولكن أحلام اليقظة يمكن أن تساعدنا على كشف ما نريد، فهي بذلك قد تلعب دوراً رئيسياً في مساعدتنا على اتخاذ القرارات الصائبة، إذ باستكشاف الأفكار المرضية السارة وغير السارة قد ننمى مفهوماً عن الأهداف التي نريد تحقيقها. أي نعتمد السببية البسيطة في تنبؤاتنا , وتدخل رغباتنا ودوافعنا وغاياتنا في تلك التنبؤات وتحرفها .

 

إذا كان العلم هو البوابة التي تفضي إلى المستقبل . فالخيال العلمي هو مفتاحها الذهبي الذي يرسم صورًا حقيقية لأشياء حديثة وأفكار متفردة ومخترعات مفيدة.

 

الخيال العلمي هو محصّلة الخيال البشري في ضوء ما تتيحه الإمكانات العلمية واحتمالات تطورها يتناول جميع الحقائق التي يقدمها العلم ثم يضيف إليها الخيال. فهو الضوء الكاشف للعلم، يبدأ من النقطة التي يقف عندها العلم، ممهدًا الطريق للمستقبل.

ولعل من أهم أدوار أدب الخيال العلمي، هو أنه يعمل كمترجم للعلوم لدى البشرية، وهذا بالطبع سلاح ذو حدين، فالعلم يبني ولكنه قد يدّمر، والتكنولوجيا ربما تنهي الحضارة أو ترفعها إلى أبعد زوايا خيالنا!!

 

وتحقيق الخيال العلمي له مغزى، فالعلم حقق تقريبًا كل ما تنبأ به الخيال العلمي، وفي المقابل فإن العلم كشف آلاف الحقائق الجديدة المذهلة التي يمكن اعتبارها أجنحة يحلّق بها عقل كاتب الخيال العلمي الجيد إلى آفاق علمية مستقبلية قد تطلق تحذيرًا مهما تكن ضآلته عن الطريقة التي يحتمل أن يسير بها العالم، إذ إن لدى كاتب الخيال العلمي قدرة على التعرف على أصل التطور المستقبلي، والإضافة إليه من زوايا عديدة وبطريقة خيالية مستندة إلى العلم والتكنولوجيا.

 

إن الخيال العلمي يروّض المستقبل ويقرّبه من أذهان العامة بحيث يطمئن القارئ إلى أن أشكال الحياة الاجتماعية والفنية والعلمية سوف تستمر، ويبشّر بأنها ستخضع لوسائل السيطرة العقلانية، وهذه نتيجة منطقية لانشغال أدب الخيال العلمي بمجموعة معينة من المعتقدات، ولافتراض أن اتساع أنماط العلم المعروفة لنا تقوي وتزيد من مصداقيته في عالم الغد.

 

ولعل أفضل مدخل لدراسة علوم المستقبل، يستلزم أخذ أدب الخيال العلمي مأخذ الجد خاصة من حيث منهجيته والتصور العام له ومحتواه ودوره الاجتماعي لأنه يمثل خريطة بديلة للمعرفة يمكنها تطعيم "خبير المستقبل" بالخيال ألابتكاري الذي يرتبط بشكل ما باستخدام المنطق الحدسي وأنماط التصور غير المباشرة والتفكير الشامل في شخصية الإنسان .

 

يعزى التغير الشامل والسريع الذي نتعرض له الآن إلى تقدم التكنولوجيا . وكثيراً ما يظن أن التكنولوجيا تتألف من أشياء مثل الآلات والكيماويات، ولكنها، وبالمعنى الأوسع، تشمل كل المعرفة العلمية ومنها معلومات عن أي النباتات هي الأصلح للأكل، وأي الحشرات تحمل أمراضاً، وكذلك الكلمات والبنى القواعدية التي نتواصل بها، ونماذج الواقع التي نفكر بها، و الترتيبات الاجتماعية التي وجدناها فعالة. وبالمعنى الأوسع يمكن تعريف التكنولوجيا بأنها القدرة على فعل الأشياء، ولا يستثنى إلا المعرفة غير العلمية وقيمنا وتقييماتنا.

 

وكثيراً ما يوصف العالم الحالي بأنه خرج على السيطرة نتيجة تقدم التكنولوجيا ، أو بأنه حالة فوضى عالمية، وهذه الرؤى المفزعة تبدو منحازة ، لأننا نشهد أيضاً زيادة مستمرة في مستوى التعليم على نطاق العالم، وكذلك نشهد تقدم بمستوى دخل الفرد بشكل عام، وثقة محدودة بالهياكل الاجتماعية المحددة، وصعود العقلانية في تنظيم العمل والتمويل والسياسة والأخلاق والدين. وكان استخدام المنتجات التكنولوجية المختلفة على مستوى العالم هو اتجاه لتشكل ظاهرة العولمة التي باتت تحيط بكل شيء.

 

إن التغيرات المتسارعة والمستجدات الطارئة التي يشهدها العالم في العقود الأخيرة, تثير كثيرا من علامات الاستفهام والتساؤلات عما سيكون عليه مستقبل المجتمع الإنساني, بل وعن مصير الإنسان نفسه إزاء ارتياد العلم الحديث مجالات من البحث, كان محرّما عليه الاقتراب منها بحكم التقاليد المتوارثة, والقيم الأخلاقية والعقائد الدينية, ولكنه استطاع في الآونة الأخيرة أن يحطم كثيرا من تلك القيود, ويتدخل في أدق عمليات التكوين الفسيولوجي والبيولوجي لدى الكائنات الحية, لكي يستنسخ منها كائنات جديدة لها مواصفات وقدرات مختارة, على أن تمتد هذه التجارب إلى الإنسان نفسه بعد التغلب على الاعتبارات الأخلاقية والدينية, التي لا يزال الكثيرون يثيرونها احتراما لقداسة الكائن البشري. ويبدو أن العلم قد أسقط أخيرا من حسابه هذه الاعتبارات أيضا.

 

إن الاتجاهات التي تعمل على تغيير العالم الآن هي المعارف والعلوم الجديدة، والتقنية أو التكنولوجيا الجديدة , ونتائجهم . وإذا أردنا أن نستشف المستقبل يجب النظر إلى دوافعنا وغاياتنا والقوى والغرائز الأساسية التي توجهنا ، بالإضافة لكافة التأثيرات التي نتعرض لها نتيجة حياتنا الاجتماعية والثقافية والعقائدية . فكل هذا هو الذي يقرر كيف سيكون المستقبل .

 

من المنطقي توقع التغيرات المستقبلية في العلم بعد التغيرات الواسعة في كل مجال من مجالاته، بعض هذه التغيرات سوف يكون امتدادًا للجهود والإنجازات التي تتم في الوقت الحاضر، إلا أن بعضها الآخر سيكون عبارة عن " تطورات جذريّة " بما في ذلك تصميم فكرة ما يستطيع العلم أن يفسرها ويسبر غورها.

 

ويشير كورزويل في كتابه "حين يتسامى البشر" إلى اقتراب حدوث انكسار تاريخي جذري بالغ العمق من شأنه تغيير كل ما يؤلف طبيعة الكائن البشري. فهو يتوقع نتيجة التطور السريع لقدرات الكومبيوتر والذكاء الصناعي المترافق مع التقدم هائل في مجال التحكم في المورثات، أن يؤثر ذلك على عملية التطور البيولوجية، وأن يصبح التحكم في التطور البيولوجي بيد المعارف العلمية.

 

وكذلك كان فون نويمان قد تنبأ بأن الجنس البشرى سوف يتطور بشكل سريع وغير متوقع نتيجة نمو التكنولوجيا وتطور الكومبيوتر.

وقال ستيفن هوكنج ما معناه: أدى نقل المعلومات عن طريق غير بيولوجي إلى أن يسيطر الجنس البشرى على العالم، فقد حدث منذ حوالي سبعة آلاف سنة أن أنشأ الإنسان اللغة المكتوبة وهذا يعنى انتقال المعلومات دون الاتصال المباشر أو الشفاهية، فقد توضعت المعلومات خارج عقل الإنسان وصارت هذه المعلومات تسير عبر الزمن وتنتقل إلى الآخرين بدقة وبعد موت منتجها بزمن طويل. لذلك نحن الآن على مشارف عصر جديد سوف نتمكن فيه من زيادة تعقيد سجلنا الداخلي من دون أن نحتاج إلى انتظار عمليات التطور البيولوجي البطيئة والتي تحتاج إلى عشرات الآلاف من السنين. ومن المرجح أننا سنتمكن من إعادة تصميم الإنسان بالكامل في  الألف العام القادمة.

هذا بعض ما قيل عن المستقبل .

 

يا ترى ما هي القوى التي تتحكم بنا , وإلى أين توجه مسار الأحداث ؟؟؟

هناك أولاً القوى البيولوجية , الغرائز والدوافع والأحاسيس والانفعالات الموروثة بيولوجياُ .

وهناك قوى الموروث الاجتماعي , العادات والتقاليد , والانتماءات والدوافع والغايات , والعقائد والأديان , وكل أشكال الثقافة التي يطبعها مجتمعنا فينا فتوجه غالبية تصرفاتنا.

 

وهناك تأثيرات المنجزات في كافة مجلات العلوم والمعارف , وتأثيرات المنجزات التكنولوجية بكافة أشكالها وبشكل خاص الأجهزة الإلكترونية ومجلات الاتصالات والذكاء الصناعي . . . الخ .   

 

إن معرفة كل هذه يمكن أن يمنحنا القدرة على توجيه مسار الحوادث وبالتالي التحكم في نشوؤها , بالاعتماد على المعارف والتنبؤات المستقبلية الدقيقة . فننظر إلى أوضاع معينة ونتعرف على خصائصها ثم نقوم بالتنبؤ والتوقع لما ستؤول إليه مستقبلاً , ثم نسعى للتأثير على مسار تطورها لنجعله يتجه إلى الوضع الذي نريده . وتكون نتيجة عملنا هذا تابعة لدقة المعارف التي نعتمدها ولدقة التحليل الذي نجريه لبناء تصورتانا , وتابع أيضاً لمدى قدرتنا على التحكم في سير الحوادث , ولباقي الظروف والقوى الأخرى الموجودة .

 

هناك سؤال أخر : هل يمكن أن تنشأ بنيات جديدة متطورة أكثر منا ولها خصائص جديدة مختلفة ؟

نعم ممكن .

 

لقد تشكلت البنيات الفيزيائية فالكيميائية أولاً , ثم تشكلت البنيات الحية , ثم تشكلت البنيات الفكرية مترافقة مع تشكل البنيات التكنولوجية البسيطة , ثم تشكلت البنيات الحضاري والثقافية المتطورة مترفقة مع تشكل البنيات التكنولوجية المتطورة مثل الآلات والأجهزة والمنشأة المتطورة والذكاء الصناعي .

وقد بدأ فتح الزمن منذ تشكل الأفكار والذاكرة لهذه الأفكار , فنشاء الماضي والحاضر والمستقبل وهذا بمثابة فتح للزمن . وحدث تواصل واسع للعقول وتناما وتطور .

 

يمكن اعتبار الإنسان , والمعارف والأفكار, والبنيات التكنولوجية الآن هم البنيات الأكثر تطوراً في هذا الكون , فهم على قمة سلسلة البنيات التي تشكلت حتى الآن . فبنشوء الكائنات الفكرية المتطورة , ودخولها في التفاعلات متبادلة مع البنيات التكنولوجية المتطورة والتي يتم نشوء المتطور منها باستمرار , وبمشاركة الإنسان وما يملك من دوافع وغايات ورغبات , صار كل منهم يساعد وينمي الآخرين , وتسارع نمو وتطور الثلاثة معاً . وهذا أحدث أو سوف يحدث قفزة في سلسلة تطور بنيات الوجود لا يمكن لنا تصور أبعادها . فهذه القفزة يمكن تشبيه تأثيراتها  بانفجار من حيث تأثيراتها الكبيرة , على سرعة تطور بنيات الوجود وتشكل البنيات الجديدة . وبالنسبة لنا فالمستقبل سوف يكون مختلف وهائل الاختلاف عن كل ما يمكن أن نتوقع , وعلى كافة المستويات والمجالات , ولكن غالبيتنا لا تدرك ذلك وحتى أنها لا يمكن أن تتخيله .

 

فالسوبرمان قادم ونحن أجداده إن لم نكن آباؤه ، وهو على الأغلب لن يكون سوبرمان بيولوجي فهو سوف يكون إلكتروني-بيولوجي .

 

وهذه بعض التصورات مستقبلية للمئة أو مائتين سنة القادمة .

الطاقة وحل مشكلتها , باستثمار الطاقة الشمسية من الفضاء وهذا كان توقعه الكثير من المفكرين أمثال  إسحاق عظيموف , أو بالدمج البارد للهدرجين وتكوين الهليوم , وهذا ما يعمل على تحقيقه الكثير من العلماء وإن كان تحقيق ذلك صعب جداً. وتصبح القضية توزيع ونقل للطاقة .

التحكم بالطقس عن طريق عواكس وسواتر  فضائية .

غزوا الفضاء واستيطان بعض كواكب وأقمار المجموعة الشمسية , واستصلاحها .

تطور العلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية . وتطور الصراعات والتنافسات لكي تصبح غير خطرة على البشرية , أي تصبح كألعاب الكومبيوتر .

حتمية توحيد العالم . وهذا توقعه " وياز " فقد توقع توحيد العالم في حوالي منتصف القرن 21 .

تطور العقائد والأديان والانتماءات في اتجاه مجهول .

 

ويمكن أن نتصور نشوء تكنولوجية الجديدة نتيجة الذكاء الصناعي وتطوره , مثل صناعة الوعي . وتطوير الأحاسيس والانفعالات , والفنون .

 

2011-12-19
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد