news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
الثورات الشعبية في العالم العربي..لا لجلب أنظمة ثيوقراطية، ولا للتدخل الأجنبي ... بقلم : طلعت الصفدي

إن التحركات والاحتجاجات الشبابية والجماهيرية في كل من تونس ومصر، وانتقال عدواها المحمودة إلى دول أخرى ستتجاوز حدود المنطقة الجغرافية في الوطن العربي


ستعيد أولاً الدور الريادي والحضاري لمصر إذا لم تقع فريسة للإسلام السياسي الذي يحاول عبر شعارات مضللة وباطنية كسب ود الجماهير، والترويج لمفاهيم معادية للمساواة بين فئاته المختلفة وشرائحه، واللعب على التناقضات الطائفية التي خلقها النظام البائد، في محاولة لفرط عقد الترابط الاجتماعي المصري، والترويج لنظام ثيوقراطي على المجتمع المصري. وثانياً لن تهدأ العاصفة، أو يتوقف الطوفان حتى تطول مواقع أخرى ونظم سياسية بائدة وإمارات ومشيخات يعتقد البعض أنها في مأمن من تداعياتها، وكأن رياح التغيير لن تطولها.

 

 لقد فتحت هذه الثورات الأبواب الموصدة لإعادة الاعتبار لدور الجماهير الشعبية وكفاحها من أجل تقرير مصيرها الوطني والاجتماعي والديمقراطي، ووجهت لطمة موجعة لكل المنظرين والمفكرين البرجوازيين، والقومجيين والمتأسلمين والمدافعين عن النظام الرأسمالي العالمي، والليبرالية الجديدة، والعولمة المتوحشة، ودعاة الفوضى الخلاقة الذين ادَّعوْا أن التاريخ يصنعه الملوك والقادة والشخصيات والفلاسفة، وليس الجماهير الشعبية، محاولين بكل صفاقة سياسية إخفاء دور الصراع الطبقي في الثورات الاجتماعية، نتيجة انقسام المجتمعات إلى طبقات مستغَلة ومستغِلة، مضطهَدة ومضطهِدة. ويروجون للفهم المثالي للتاريخ بأن الأفكار (على أهميتها) هي المحرك الحاسم والأساس في تاريخ المجتمعات، وليست القوة المنتجة وأسلوب الإنتاج، وشروط حياتها المادية السائدة في المجتمع. وكأن الأفكار هي التي توجه نشاطهم.

 

فالوعي الاجتماعي هو انعكاس للواقع الاجتماعي، ويحاول بعض البرجوازيين والليبراليين الجدد ومنظري المنظمات غير الحكومية إحداث قطع عمودي وأفقي بين الثورات الشبابية الحاصلة، وبين الأحزاب والقوى السياسية الديمقراطية والتقدمية ونضالها الوطني والطبقي، والتقليل من تجربتها وخبرتها المتراكمة في التاريخ الوطني، وتبنيها لقضايا الجماهير والدفاع عن مطالبها السياسية والحياتية والمجتمعية وحقوق الإنسان والتعددية السياسية، وإغفال ما تعرضت له من التصفيات الجسدية، والقمع والملاحقة، وزجهم في السجون والمعتقلات، ومحاولة اختصار التحركات الجماهيرية والشعبية بفئات من الشعب الجامعي المتعلم المتمرد على الواقع المنتمي إلى الطبقة المتوسطة، وكأنها خارج بنية المجتمع الطبقية، وليست مكوناً رئيساً من مكونات المجتمع الطبقي. ويروج البعض لدور النظام الإمبريالي في ترتيب هذه الانتفاضات الشعبية وكأنها صناعة أمريكية.

 

لقد نجحت القوى الشبابية والسياسية ومكونات المجتمع المدني في المزج ما بين السياسي والقانوني والاجتماعي والديمقراطي، فجوهر مطالبها العادلة نحو نظام سياسي عصري يحقق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ويصون الحقوق الاقتصادية للجماهير الشعبية، ويعمل من أجل أن يتمتع المواطنون بالمساواة الحقيقية أمام القانون، وبحقوق المواطنة، تصان فيه الحريات الخاصة والعامة حرية الرأي والتعبير والإبداع الفكري والفني والثقافي وحرية الصحافة، وحق التنظيم والتظاهر السلمي، وقوانين تحمي حقوق المرأة وكرامتها ويمنحها الحقوق الكاملة والمساواة للرجل. لقد شكلت الاحتجاجات والثورات في بعض البلدان العربية عهداً جديداً بالنسبة لطبيعة النظم السياسية في المنطقة، وما زالت تحدث مفاعيل هامة على مستوى العالم العربي والإقليمي والدولي، تستجيب للاحتياجات الداخلية العاجلة لهذه المجتمعات من أجل الكرامة الإنسانية والديمقراطية والتعددية والإصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية. وتحاول أن ترسم خريطة جديدة لعلاقات القوى في المنطقة وفي البلدان العربية بشكل خاص. وهي تشكل نموذجاً متميزاً في تجربة الثورات أيضاً.

 

لقد فشلت الأنظمة السياسية في العالم العربي في مواجهة أزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بسبب اعتمادها على المال والحماية الأجنبية، وربط عجلتها بالاقتصاد الرأسمالي العالمي رغم أزماته المتلاحقة، وإهمالها لقضايا الجماهير الحياتية والديمقراطية، ونهبها للمال العام، ورفع من حدة تناقضاتها مع جماهيرها. ومع نضوج العوامل الموضوعية والذاتية للثورات والاحتجاجات الجماهيرية في العالم العربي كانت الشرارة الأولى من تونس، أعقبها اللهيب ليجتاح الغضب الشعبي في العالم العربي. انتفضت الجماهير التونسية تحت ضغط الواقع المر، وتفشي البطالة، ومظاهر الاستبداد في المجتمع التونسي. وتحت تأثير احتراق الشاب بو عزيز المأسوي الذي هز الجماهير التونسية رغم دموية النظام وعنفه، لتنتصر الثورة في النهاية، ويسقط نظام زين العابدين، لتتنفس الصعداء ولتطل القوى الإسلامية الباطنية برأسها وتعبر في البداية عن شعارات الديمقراطية والتعددية لكسب ود الجماهير، حتى نجاحها في الانتخابات. ليبرز زيف دعاويها، وتعود شعارات الإسلام السياسي للظهور، كأسلمة المجتمع التونسي، وإضفاء الشرعية الدينية على الحكومة الربانية والحكومة السادسة الراشدة، وإعادة المجتمع التونسي إلى الوراء، مما سيزيد من حدة الصراعات الداخلية والطبقية، ولن تنجح في حل مشكلات المجتمع لافتقارها إلى برامج سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وستتواصل أزماتها المركبة، ما لم تعِدْ الاعتبار لكرامة الإنسان وحقوقه المشروعة.

 

لقد تحولت الاحتجاجات في ليبيا إلى مأساة حقيقية بسبب عنف وديكتاتورية النظام الليبي الذي استخدم الحديد والنار في قمع المتمردين والثوار، ومعارضة تعجلت في استخدام السلاح بسبب عدم نضوج الثورة وفشلها في مواجهة النظام، مما اضطرها إلى الاستنجاد بحلف النيتو الإمبريالي للتدخل، وقد وجد الحلف ذلك فرصة سانحة لإعادة احتلال ليبيا، ونهب بترولها وخيراتها وتحويلها إلى مستعمرة جديدة له. إن تدخل النيتو نجح في إسقاط النظام، بعد أن أحدث الدمار والخراب في ليبيا، ودفع الشعب الليبي ثمناً باهظاً الآلاف من أبنائه ضحايا وجرحى. ولن يفلح الهروب من الدلف إلى المزراب.

 

ومع غياب حياة سياسية في ليبيا منذ ثورة الفاتح، وتكريس سلطة الحزب الواحد، وتعطيل دور الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمهنية ومؤسسات المجتمع، وغياب قوى ديمقراطية وتقدمية حقيقية، فإن هناك محاولات من قوى الإسلام السياسي للانقضاض على مصير البلد. وستضطر لدفع فاتورة التدخل الأجنبي من استقلال ليبيا، ومن عرق الكادحين ودمائهم.

 

لقد نجحت القوى الظلامية في سورية، بدعم من بعض الأنظمة العربية الرجعية، ومن الولايات المتحدة الأمريكية وقوى النظام الرأسمالي في تحويل الاحتجاجات الجماهيرية السورية السلمية إلى احتجاجات مسلحة، بهدف توريط النظام السوري، ودفعه إلى استخدام الحلول الأمنية التي أوقعت مئات الضحايا من المدنيين والعسكريين، بديلاً من إجراء الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية التي هي مطلب مشروع للجماهير بعيداً عن سياسات ووصفات صندوق النقد الدولي، واقتصاد السوق التي ألحقت أضراراً بالطبقات الكادحة والفقيرة والمسحوقة، بهدف إضعاف دور سورية في مواجهة الهجمة الإسرائيلية والأمريكية. لقد شنت بعض الفضائيات العربية والأجنبية هجوماً شرساً على النظام السوري، محاولة التركيز على نزع الشرعية عن النظام، وخلق تجمعات خارج سورية بهدف المطالبة بالتدخل الأجنبي في سورية كما جرى في ليبيا. ومع أن النظام تباطأ في الشروع في إصلاحات ديمقراطية واجتماعية، في مقدمتها إلغاء قانون الطوارئ والمحاكم الاستثنائية وقانون الانتخابات والسماح بتشكيل الأحزاب السياسية التي عُدَّت طريقاً نحو الخروج من الأزمة المستفحلة، والتي لقيت ارتياحاً من أوساط المعارضة الوطنية السلمية. أما المعارضة المسلحة والأصولية فإنها ترفض الحوار مع النظام في سورية، ومعها تتزايد الضغوط وحملات التهديد، وتشتد الهجمة على سورية وتحاول قوى عربية وإقليمية ودولية اللعب في الداخل السوري، ودعم القوى الظلامية والأصولية لرفض الحوار مع النظام والتحريض عليه.

 

تحاول الأنظمة الخليجية التدخل لحماية النظام وإجباره على التوقيع على المبادرة الخليجية، رغم مماطلة الرئيس علي عبد الله صالح وتهربه من التوقيع عليها كسباً للوقت، وانتظاراً لتراجع الاحتجاجات الجماهيرية والعشائرية ضده.

 

أما الولايات المتحدة الأمريكية التي رعت ودعمت أنظمة الاستبداد والفساد سياسياً ومالياً وعسكرياً، وحمت حلفاءها في المنطقة لضمان مصالحها الحيوية، ونجحت في تجنيدها لخدمة التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي، فقد أصيبت بالذهول في البداية من حجم التحركات الشعبية والجماهيرية التي شاركت فيها، وفشلت كل أجهزتها العسكرية والاستخبارية في تحديد ساعة الصفر. وحاولت في البداية التعاطي مع هذه النظم عبر دعوتها الخجولة للإصلاح السياسي، وتعزيز الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، وطالبت بعدم التعامل مع الاحتجاجات بالعنف، ثم تدحرجت مواقفها لتتخلى عن ركائزها في المنطقة، وتظهر تعاطفها مع الاحتجاجات الجماهيرية والشبابية. ولم تيأس فالمعركة في نظرها لم تنته بعد. وحاولت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية التدخل بشكل مباشر، كما حدث في ليبيا، أو غير مباشر كما يحدث في سورية، لحماية مصالحها النفطية والعسكرية والاستخباراتية، وضمان أمن إسرائيل، سواء في محاولة توجيه الثورات الشعبية والشبابية في الاتجاه غير الصحيح لتقويض أهدافها، أو في دعم قوى المعارضة في الداخل أو الخارج لضمان موطئ قدم لها.

 

 لاشك أن التغييرات والتحركات الجماهيرية ضد أنظمة الاستبداد والفساد تشكل ضربة موجعة للنفوذ الأمريكي في المنطقة، وتعطل مشروع الشرق الأوسط الجديد، خصوصاً بعد سقوط رؤوس النظام في مصر وتونس وليبيا، اللذين شكلوا قواعد متقدمة للنفوذ الأمريكي في المنطقة، وتحولوا إلى جزء من الإستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية وستحاول الولايات المتحدة الأمريكية إظهار نوايا حسنة في الدفاع عن الديمقراطية، وتعاطف مع الجماهير المنتفضة، على الرغم من دعمها المطلق لأنظمة الاستبداد والقهر. في حين تكيل بمكيالين عندما يكون الضحية هو الشعب الفلسطيني. كما ستحاول إشراك بعض دول الخليج العربي للمشاركة في إجهاض هذه الثورات، أو التدخل العسكري والمالي وستحافظ على مكانتها السياسية والاقتصادية كما ستحاول استغلال القيود والروابط الاقتصادية والمالية والعسكرية للمحافظة على توجهات السياسة الأمريكية في المنطقة، أو محاولة فرض الانكفاء الداخلي على هذه الدول لتبقى أسيرة أزماتها الاقتصادية والأمنية، وضمان استمرار تبعيتها لها.

 

وبأن حجم التحالف بين قوى الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، والإخوان المسلمين، ليغرس خنجراً مسموماً في قلب الجسد العربي الذي يحتاج إلى همة القوى اليسارية والديمقراطية والتقدمية، وإلى دور النقابات العمالية والمهنية ومكونات المجتمع المدني لمواجهة الشتاء العربي، ومنع التفرد الأمريكي في المنطقة العربية، وتحويلها إلى مستنقع ومرتع لها عبر حلفائها الإسلاميين الجدد.

 

2011-12-19
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)