لنبدأ بأم كلثوم: تقول الست: "طول عمري بخاف من الحب وسيرة الحب... من همسة حب لقيتني بحب" وهذا يدل على أن كلمتها ليست طابو وخوفها ليس في محله لدرجة أنها لم تلقى نكشة بخصوص هذا الموضوع ودعست بنزين أكتر من اللازم.
ثم يأتي دور فيروز التي تقول: "علموني هني علموني... على حبك فتحولي عيوني والتقينا وانحكى علينا.. علموني حبك ولاموني" إذا تعمقنا في قراءة كلمات هذه الأغنية لوجدنا أنها تنتقد مسألة متجذرة في عالمنا العربي ألا وهي الزواج المبكر.
حيث يبدو لنا أن أهل الفتاة الصغيرة الساذجة كانوا يمتدحون ذلك الشاب أمامها عالطالعة والنازلة ويوجهون كلامهم لها قائلين: يجعله من نصيبك إلهي وسيدي مولاي، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان إذ تحولت هذه العصفورة البريئة إلى قطة برية وأخذت ترتب لقاءات غرامية مع ذلك الشاب ما أثار حفيظة الأهل الذين شجعوها في البداية لكنهم زجروها ونهروها لما لاكتها الألسن وهنا نلمح ازدواجية المعايير.
أما عبد الحليم فكان يغني: "باحلم بيك أنا باحلم بيك.. وبأشواقي مستنيك وإن ماسألتش بيا يبقى كفاية عليا عشت ليالي هنية باحلم بيك" يبدو هنا أن المطرب كان يعاني من الأرق، وحتى خلال النوم لربما كان يعاني أيضاً من الكوابيس المفزعة، ولهذا السبب يقدر حبه لتلك الإنسانة التي ساعدته على النوم المريح والأحلام الهانئة حتى أنه لن يتشجم عناء طلب القرب فقد بلغ المراد وذلك منتهى القصد، لكن يبقى السؤال الذي يلح على الأذهان: لماذا كان عبد الحليم يشير إلى محبوبته غالباً بضمير المذكر؟ أهو نوع من المساواة بين الجنسين أم أنه كان من جماعة التلطيش أيام الوحدة؟
والآن مع الصبوحة التي تغني: "روحي يا صيفية وتعي يا صيفية ويا حبيبي وعدني بمشوار بشي سفرة بحرية.. أنا بعرف مش رح بتروح بس ضحاك عليي" نلمح من خلال هذه الأغنية شاعرية البحر بالنسبة للعشاق، كما نتبين أيضاً قلة عقل بعض النساء اللواتي يدفعن الرجل للكذب عليهن فقط لإرضاء نزواتهن الآنية.
ثمة أغنية لمروان محفوظ يقول فيها: "خايف كون عشقتك وحبيتك ويكون الهوى رماني ببيتك ونصير ليلية نشتاق ليلية وإسأل حالي كيف حبيتك" أعتقد أن المشاعر الرجولية هنا صادقة 100% لأن الرجل عموماً يخشى فكرة الحب لأنه مرادف للضعف عنده وهذا ما تؤكده الأساطير القديمة، أو لربما كان هذا الرجل طفران ما معه نكلة ولذلك كان يخشى أن يتورط بأي قصة حب تفضي إلى زواج ولن أحدثكم عن الزواج وتبعاته المادية التي تعرفونها جيداً
وهنالك أغنية لجورجيت صايغ تقول فيها: "ساعة نطّرني... جمعة نطّرني... شهور نطّرني وآخرتها معو... ليالي سهرني.. ليالي سهرني ... سنين سهرني وآخرتها معو... لكن العلة شو ما قللي عيوني وقلبي دغري بيسمعوا": ما أغبى المرأة: فهي مستعدة لأن تقضي عمرها كله بانتظار الحبيب وتضع نفسها بمواقف بايخة أمام أهلها، والأنكى من كل ذلك أنها مهما حاولت اتخاذ موقف للابتعاد عن حبها إلا أن كلمات الحبيب المعسولة تعيدها إلى جادة الخطأ اللذيذ!!!
نصل الآن إلى راغب علامة الذي غنى يوماً: "لو شباكك ع شباكي كنت بقللك كيف بهواكي... لكن ويني وإنتي وينك؟ في مسافة بيني وبينك لا عيني عم تلمح عينك ولا بحرك بتطاله شباكي": تشير هذه الأغنية إلى صعوبة التواصل بين الأحباء قبل ثورة التكنولوجيا التي يشهدها عصرنا حالياً، إذ لم يكن لدى المحبين موبايل أو ماسنجر أو إيميل وحتى الهاتف الأرضي لم يكن متوفراً ليساعدهم في الاطمئنان على بعضهم البعض ولذا كانت أقصى أحلامهم تدور حول مسكن قريب من دار الحبيب أو مجرد نافذة صغيرة تطلعهم على آخر الأخبار.
وصل الدور الآن إلى عمرو دياب الذي غنى: "ما تخافيش أنا مش ناسيك... ما تخافيش لو مين ناداني... مش ها عيش من غير عينيك... مش هاعيش مع حب تاني": وهذا بالضبط ما تريده المرأة من زوجها المسافر: الإخلاص فالإخلاص ثم الإخلاص وإلا انقلبت حياتهما إلى جحيم
كما غنت داليدا رحمة الآتي: " عالشوك لو مشيتني... من دمعي لو سقيتني.. بالسهام لو صوبتني ما حيد عن حبك... حبيبي لو طال العتب اسمك على جبيني انكتب يا بو العبا وثوب القصب أنا ما حيد عن دربك لا والله": يبدو أن هذه المرأة قد أساءت الاختيار وتزوجت من رجل خليجي غني (بو العبا وثوب القصب) يضربها كلما شعر بالملل لكنها بالرغم من كل ذلك لا تريد الابتعاد عنه مهما ضربها وعذبها لا حباً به ولكن طمعاً بالإرث ولأنه انسمى عليها رجال على عيون العالم (اسمك على جبيني انكتب).
أما المبدع مروان خوري فقد غنى ما يلي: " حاجة كل ساعة على كيفك تزعل مني.. بتقرب ساعة وليالي بتبعد عني... أنا بدي مين يداريني وكل ساعة بساعة يحاكيني ويسأل على طول... وحدك إنت اللي مبكيني ولا مرة مرة بترضيني وعني مشغول": لو دققنا جيداً في هذه الأغنية لوجدنا أنه من المستحيل أن يكتب رجل ويغني كلاماً كهذا إلا إذا كان طنطاً أو أنه يتحدث عن مشكلة امرأة مقربة منه باحت له بمكنونات صدرها فسجل ذلك في أغنية، فالرجل لا يبكي بسبب محبوبته بل يحقد عليها إن وقع بينهما خلاف.. وغالباً ما تشتكي المرأة من انشغال الشخص الذي تحبه وتطلب منه على الدوام أن يتصل بها، لذا أقول لمروان: كن رجلاً بألف رجل فإن لم تستطع فكن رجلاً ولا تكن نصف رجل.
يأتي الآن دور روبي التي ملت من مناداة حبيبها الذي طنشها فغنت: "أنا عمري ما استنيت حد... ولا يوم جريت وناديت حد... ولا عمري مرة جريت ورا قلب باعني في يوم... لو جاني قلب في يوم صد... أنا بيع وما استناش رد... ليه أرضى إني في يوم قلبي يعيش مظلوم؟": وهذا أسلوب جديد لتحسين صورتها وادعاء الشرف والبراءة أمام حبيبها المطنش.
أما جوليا فغنت: "على ما يبدو دمو خفيف... على ما يبدو شكلو ظريف... وجوه لطيف وحكيو طريف ومانو سخيف على ما يبدو": يمكننا هنا أن نستشف مدى وعي هذه الفتاة التي يبدو أنها مقبلة على تجربة خطوبة تقليدية ولهذا فهي تصر على عبارة (على ما يبدو) كما أظن أنها تحاول أن تحمل أهلها مسؤولية الاختيار فهي لا تجزم بوجود تلك الصفات عند العريس لكن يبدو أنه لاقى استحسانها وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أننا نواجه فتاة خطيرة للغاية!
وأخيراً غنت جنات: " حبيبي على نياتو كل البنات إخواتو... لو وحدة بتسأله بيسبني أنا اللي رد": هذه الأغنية تكرس أهمية العفة وخصوصاً عند الشاب الذي لم يتزوج بعد وهي بذلك تحمل معنى ثوري لم يكن موجوداً في السابق حينما كانت العفة أمراً لازماً للفتيات فقط دون الشبان.
كلمة أخيرة: منذ مئات السنين ونحن نتغنى ونغني من أجل الحب وندور في فلكه كالمنومين مغناطيسياً... فماذا يفعل من لم يعش تجربة حب حقيقية؟! ماذا يفعل الشاب الذي قارب الأربعين دون أن يعيش تلك المشاعر الجميلة... وماذا تفعل الفتاة التي لا تزال تنسج صورة خيالية لذلك الحبيب الافتراضي؟ وماذا بوسع الزوج أو الزوجة الذين تزوجا عن قناعة لا عن حب أن يقدما لبيت الزوجية كلما سمعا مطرباً يتغنى بلهيب الأشواق؟
ثم هل الحب الحقيقي هو ما تعرضه تلك الأغاني فقط أم أن لكل منا طريقته المبتكرة في الحب التي لا تشبه أي طريقة أخرى على وجه البسيطة... إلى أن نصل إلى إجابة شافية على كل تلك التساؤلات أترككم في حفظ الله ورعايته.