news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
أسس الإرادة (3) ... بقلم : نبيل حاجي نائف

لقد ذكرنا في المقال السابق هناك نمطين نستطيع تصنيف كافة أشكال استجابات وإرادة الكائنات الحية حسبهم , وتكلمنا عن النمط الأول وسوف نتكلم عن النمط الثاني .


فالنمط الثاني خاص بالكائنات الحية التي تعيش جماعات  , فهذه تكيفت إرداتها واستجاباتها وتصرفاتها مع الأوضاع الاجتماعية الموجودة ضمنها , تسمح بالحوار والتفاعل مع المجتمع الذي يعيش فيه الكائن الحي .

 

وفي مجال هذه الاستجابات والتصرفات الاجتماعية تكون المنبهات البيئية , وما تضيفه عليها تجارب الكائن الحي من معان اجتماعية , هي التي تقرر وتوجه منحى أرادة الكائن الحي . وتلعب الدور الأساسي في انبثاق السلوك الاجتماعي . ولا تكتسب المعلومات الحسية صفاتها الدافعة انطلاقاً من سلوكية غريزية موروثة , بل تكتسب من التكيُفات الاجتماعية التي تعلمها من مجتمعه . مثال دافع الجوع يعدل ويكيف بطرق اجتماعية متعددة , وكذلك الدافع الجنسي , ودافع الأنانية , . .

 

وبالنسبة لنا نحن البشر يكون تأثير البيئة والحياة الاجتماعية , ثقافي , ونفسي , وفكري . فنحن نتاج مجتمع وثقافة وحضارة , أكثر من نتاج بيولوجي .

فتأثير الأفكار ( المعارف , والأخلاق , والعقائد , والإعلام ) هائل علينا , ونخضع لسلطة وإرادة البنيات الاجتماعية التي نعيش ضمنها . وإرادتنا مرطبة وتابعة لإرادة الآخرين , فتنتهي حريتنا وإرادتنا عندما تبدأ حرية وإرادة الآخرين . إن غالبية الذين يعيشون حياة اجتماعية إن لم يكن جميعهم , أرادتهم مقيدة وموجه بشكل كبير بطبيعة المجتمع والدولة التي يعيشون بها . يا ترى إلى أي مدى قدرات إرادتنا وفكرنا الحر تحدد مسار سير حياتنا ؟

 

إن العادات الاجتماعية والعقائد والأديان , والأنظمة والتشريعات والقوانين , تعمل على برمجة تصرفاتنا ( عن طريق برمجة الدماغ الحوفي لدينا ), بما يناسب الأوضاع الاجتماعية والثقافية والفكرية الموجودين ضمنها , ولهم الدور الأكبر في تقرير منحى إرادتنا وحريتنا , ويمكن أن يكونوا في كثير من الأحيان أقوى من المورث البيولوجي . فالقيود التي تفرضها الحياة الاجتماعية على إرادتنا أكبر بكثير مما نتصور .

 

والأفكار والعقائد والمبادئ التي يتبناها كل منا أوحى له الآخرين في مجتمعه , وصار ملزم بخدمتها وتنفيذ مضمونها حت

ى وإن تعارضت مع أقوى الدوافع البيولوجية مثل المحافظة على الذات , فهو يضحي بنفسه من أجل الأفكار التي تبناها , والوقائع الكثيرة تؤكد ذلك .

 

والملاحظ أن المؤثرين الأساسيين وموجهين لإرادة وتصرفات الناس هم :

1 - مالكي السلطة والنفوذ في المجتمع وهم الملوك والأمراء والقادة أمثال : الاسكندر ونابليون وهتلر وستالين والكثيرين غيرهم .

2 - المصلحين والأنبياء والمشرعين والمفكرين أمثال : حمورابي وهوميروس وسقراط وأفلاطون وأرسطو وموسى وعيسى وبوذا و كونفوشيوس و زراتشت . . فهم الذين خلقوا الأفكار أكانت مبادئ أو عقائد أو معارف , وزرعوها في العقول , وجعلوا تابعيهم يتصرفون حسبها .

 

أن طرق ووسائل توجيه إرادة الأفراد والتحكم برغباتهم ودافعهم تستخدم الآن في كافة المجالات التجارية والسياسية والعقائدية . وهذه الطرق والوسائل أصبحت تملكها وتتحكم بها الدول والمؤسسات والشركات الكبيرة , فهي الآن تقوم بالتحكم بدوافع وإرادة الأفراد ووضع الأفكار والدوافع .... التي تريد .

 

وطرق توجيه إرادة الأفراد والتحكم بما يتبنون من أفكار وعقائد ومبادئ , تنجح بسهولة عندما تطبق على الشبان الصغار فالكبار غالباً يصعب جعلهم يعدلوا أو يغيروا مبادئهم وعقائدهم توجهاتهم , فهذا لا يمكن أن يتم بسهولة لدى الكبار, لقوة إرادتهم في المحافظة على ما يتبنون من أفكار وعقائد وقيم  , وأن حدث فهو يحتاج إلى وقت طويل وتكون النتائج متواضعة .  

 

يمكن تقليل هذا الوقت باستعمال الكثير من الأساليب التي ثبتت صلاحيتها , مثل استخدام الأحاسيس النفسية والجسمية والمشاعر والعواطف القوية إن كانت مؤلمة أو مفرحة ولذيذة , واستعمال الإقناع الفكري , والترغيب والترهيب ولفترة طويلة , بشكل يتم التحكم بإرادتهم وتجبرهم على تغيير أفكارهم ومبادئهم وعقائدهم , ويمكن أن يتم ذلك الأفراد والجماعات دون أن يدروا أن ذلك جرى لهم , وهذا يتم عن طريق الإعلام بكافة أنواعه وأشكاله المسموعة والمقروءة والمرئية صحف ومجلات وكتب وإذاعات ومحطات تلفزيون ودور عبادة . . .   وبواسطة أجهزة الإعلام بكافة أشكالها .

 

فالمتحكم الأكبر فينا الآن هو الأفكار المنتشرة في العقول وبالذات التي تنشرها وسائل الإعلام , فهي التي توحي لنا بالكثير من تصرفاتنا وتفرض علينا قوها وتأثيراتها , وبالتالي تفرض علينا غالبية استجاباتنا وتصرفاتنا وتتحكم بإرادتنا .

لقد مات في الحرب العالمية الثانية أكثر من 40 مليون إنسان , كم عدد الذين ماتوا منهم بإرادتهم ؟

هل يختار غالبية الناس عقائدهم أو دينهم بإرادتهم أم يرثونه من مجتمعهم ؟

 

يقول هربرت . أ . شيللر : تكتيكان يشكلان الوعي تستخدم الأساطير بكافة أشكالها القديمة والحديثة من أجل السيطرة على الأفراد , وعندما يتم إدخالهم على نحو غير محسوس في الوعي الجماعي , وهو ما يحدث بالفعل من خلال أجهزة الثقافة والإعلام , فإن قوة تأثيرها تتضاعف من حيث أن الأفراد يظلون غير واعين بأنه قد تم تضليلهم وتوجيه إرادتهم وخياراتهم .

 

ويقول جورج جيبرنر :إن بنية الثقافة الشعبية التي تربط عناصر الوجود بعضها ببعض , وتشكل الوعي العام بما هو كائن , بما هو هام , وهو حق , وما هو مرتبط بأي شيء آخر , هذه البنية أصبحت في الوقت الحاضر منتجاً يتم تصنيعه .

 

لقد قال أبو السلوكية واطسن : أعطوني عشرة أطفال , وأنا سوف أصنع منهم المحامي والعامل والمهندس والرياضي واللص والفاشل . .  , نعم  يمكنه أن يحقق ذلك إذا سمح له بذلك الموروث البيولوجي لهؤلاء الأطفال , واختار لكل طفل ما يناسبه من الأعمال والمهن . أي نحن نستطيع التحكم بواسطة الوسائل الكثيرة المتاحة لنا , بتوجهات وإرادة هؤلاء الأطفال .

 

الإرادة والتعامل مع الخيارات , جذب الخيارات

نفرض أن لدينا عدة خيارات متاحة لتحقيق هدف معين ونفرض أنها جميعها تسمح بتحقيق الهدف وبالصعوبة نفسها وبالدرجة نفسها تماماً- وهذا نادر جداً في الواقع-

في هذه الحالة هل يمارس تفضيل أثناء اختيار أحدها, إن هذا لن يحدث, لأنه لا يوجد فرق بين هذه الخيارات, وسوف يتم الاختيار عشوائياً.

لنفرض الآن أن هذه الخيارات مختلفة في درجة صعوبتها لتحقيق الهدف في هذه الحالة هل يحدث تفضيل واختيار موجه؟

نقول: نعم في هذه الحالة  ستحدث مقارنة وتقييم ثم اختيار أحدها , أي سوف يحدث تنافس بين هذه الخيارات في جذب اتجاه اختيارنا نحو كل منها والخيار الذي يقوم بأكبر جذب سوف يتم تبنيه وممارسته.

 

إذاً اختيار أحد الخيارات من بين مجموعة خيارات متاحة يكون حسب قوى الجذب التي يقوم بها هذا الخيار, ويكون تقييم قوى الجذب حسب الوضع الراهن لجسمنا وعقلنا وباقي العوامل الموجودة وإذا تغير أحد هذه العوامل يمكن أن تتغير نتيجة الاختيار , وأي اختيار نقوم به مرة ثانية يمكن أن تكون نتيجته مختلفة إذا حدثت أية تغيرات لنا أو لتلك الخيارات

 

أي أن النتيجة المحددة بشكل مطلق لا تحدث إلا مرة واحدة , وعند التكرار تصبح احتمالية, وتابعة للتغيرات الحاصلة . فالإنسان دائماً في وضع يختار فيه. وهو في الواقع مجبر على الاختيار, لأن لديه معرفة بالبدائل- الإمكانات والاحتمالات- .

 

لا شيء يحول دون التفكير بأن حرية الاختيار موجودة لدينا وأن لنا إرادة , لأننا نستطيع أن نوجه أفعالنا عندما تسمح الظروف , بتنفيذ مجموعة أفعال معينة , من خلال لعبة إثارة للخلايا العصبية الملائمة.

 

2012-01-02
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد