بسم الله الرحمن الرحيم
نزل عامر من غرفته المنعزلة على سطح الدار بعد أن أمضى ساعات طوال في الكتابة . إلى البيت . وأخذ يجول في أرجائه من غرفة النوم إلى غرفة الجلوس إلى غرفة الضيوف . ثم توجه إلى المطبخ . أعد كوباً من الشاي ورجع إلى غرفة الجلوس أشعل التلفاز وشرع يبدل بين القنوات .
كان يسمع بين الحين والأخر أصواتاً تصرفه عن متابعة التلفاز فيتفقد مصدر الصوت ثم سرعان ما يعود للمشاهدة وبعد قليل سمع صوت أغنية مرتفع جداً ذهب إلى غرفة في المنزل فوجد المسجلة تدور وفيها كاسيت وصوتها مرتفع جداً فأطفأها ولم يعلم كيف أرتفع الصوت هكذا وما إن رجع حتى وقعت مجموعة صحون زجاجية كانت على أحدى الرفوف في المطبخ فقال لا لقد طفح الكيل ما الذي يجري فقام ونظر إلى الأرض فوجدها مملوءة بحطام الأطباق الزجاجية حزن لأنها كانت مجموعة رائعة وقد انكسر معظمها وكان لها ذكريات جميلة . فهي تذكره لما كانت زوجته موجودة وكانت البيت عامراً بالأطفال ومغمورا بالسعادة . ولم يصل إلى حل ما حصل وكيف كسرت هذه الأطباق .
لملم بعض الزجاج ورجع إلى كوب الشاي ليحتسيه ساخنا وما إن جلس حتى جاءته ضربة على رأسه بوسادة . فقال : بسم الله الرحمن الرحيم . من أين أتت هذه ومن ضربني بها ! . ثم سطع ضوء من المطبخ فذهب إلى هناك وأطفأ ذلك الضوء ولما رجع وجد القناة التي كان يشاهدها قد تغيرت إلى قناة أخرى لا يحب مشاهدتها مطلقا هنا بدء التوتر والقلق ينتابه مما يجري فوضع وجهه على راحتيه وأغمض عيناه وراح يفكر ويفكر . ماذا يفعل أيعقل أنه قد جن جنونه أم أنه يتخيل وما هو الحل للتخلص من هذه المشكلة .
وفي سبيل إذهاب التوتر والقلق أخذ يقرأ بعض مما يحفظ من القرآن الكريم وبعد فترة رفع رأسه فوجد كأس الشاي وقد أختفي من أمامه . قام من مكانه وصار يبحث عنه فلم يجده وصار يصرخ من أخذ كأس الشاي لم أشرب منه ولا رشفة واحدة وما زال ساخناً . يا الله ما هذا البيت .
قام وارتدى ثيابه وغلق جميع الأبواب بعد أن أطفأ كل الأنوار في البيت وذهب يتمشى في الشارع . كان يسمع أصوات الناس ويرى صورهم على اختلافهم ويفكر بكل واحد منهم ويتساءل أين يذهب وماذا يعمل في الحياة وصل إلى حديقة بعيدة بعض الشيء عن منزله وجلس على المقعد وكم كان سروره عظيما أنه خرج من هذا البيت المسكون وكانت سعادته تزداد لما يكلمه أحد أو يسأله أحد عن مكان ماء الشرب . أو الحمامات في الحديقة . فلقد كان يعاني من الوحدة الشديدة وكان يخاف أن يبدأ أحدهم بحديث فيحسبه صاحب غاية ما أو أنه فضولي فكان يجلس في الحديقة وحيداً كما في بيته كان الضجيج كبيراً جداً . وكانت وحدته أكبر من كل ذاك الضجيج كان الناس في الحديقة وفي كل مكان كثيرون ولكنه كان وحيداً بينهم
لقد صار انعزالياً بسبب ظروف الحياة القاسية . فأولاده رحلوا جميعاً وزوجته ( ماتت على قيد الحياة ) بدء الليل يرخي ستاره الأسود فعاد إلى بيته وكانت المفاجئة أن رأى البيت كله مضاء والتلفاز يعمل ومن غرفة أخرى الكومبيوتر فيه برنامج ألعاب ذو صوت مرتفع جداً ومخيف والمسجلة تعمل والغسالة تجفف الغسيل وكأنها تخوض سباقا مع أحد فذهل لهول ما رأى . وهنا قرر الرجوع إلى غرفته على السطح وقال في نفسه سأترك هذا البيت لأشباحه وأشكر الله أنهم لا يصعدون إلى غرفتي صعد إلى فوق وبدل ملابسه ونام على أريكته القاسية ولم يعد يشعر بشيء .
في المقلب الأخر : كان هناك مكالمة هاتفية بين رجل وامرأة . رفعت السماعة فقال المتصل : مساء الخير . قالت له : أهلا وسهلاً . سألها : كيف الأولاد وكيف هو أخي عامر؟ . قالت : مثل عادته نزل من غرفته وأغلق علينا الأبواب وأطفأ الأنوار وكأننا غير موجودين معه في البيت . ثم غير ملابسه ورحل غاب ساعتين ورجع وها هو فوق كعادته . فقال لها : و ماذا يفعل . قالت : لا نعلم ممكن أنه نائم أو يكتب لا نعلم . فقال : طيب والله يجيب العواقب إلى خير . السلام عليكم قالت : وعليكم السلام .