بسم الله الرحمن الرحيم
الإبداع : هو الخلق و التصوير من غير مثال يحتذى .
إن ملكة الإبداع الجزئي . المستمد من المبدِع الكلي . التي يحظى بها الإنسان ويتميز بها عن باقي العجماوات
تحتاج الى عوامل الخلق حتى تظهر عند الإنسان الذي يمتلك بذور الفن في تركيبته النفسية والعقلية والروحية والجسدية .
وهذه العوامل تتلخص بما يلي .
المعاناة و الحاجة : أنظر الشعوب الأسيوية حيث الضغط السكاني الكبير ومجال المنافسة الهائل يولد عند الإنسان روح الابتكار فيبدع منحوتات ولوحات ومنمنمات عجيبة تخال أنها من صنع الجان . وليست من عمل يد إنسان . راقب المنحوتات الصينية على الصدف والفلين وهما مادتين يصعب التعامل معهما . والنقش الهندي على القماش والخشب واللوحات اليابانية والمنمنمات الفارسية ..
الدقة والصبر : لن تجد في العالم كله كالصينيين في رسم الزخارف واللوحات ذات التقنية العالية والدقة العجيبة .
ولن يستطيع فنان في العالم مجاراة المنمنمات الإيرانية واللوحات ذات الأوان والمواضيع الرشيقة الدقيقة والمشاعر الحساسة المرهفة .
وليس هناك تحت العرش من هو أبرع من الهنود في الحفر والنحت على خشب الصندل والورد والبابونغا الإفريقي . وفنون العمارة .
هذا كله ناتج عن الدقة المتولدة من الممارسة والتدريب المستمر والخبرة المتراكمة من التجارب العديدة . ومن الصبر والنفس الطويل جدا .. وليس هنالك شيء أجمل من الصبر على إخراج العمل بحرفية ودقة بحيث يستحيل إعادة استنساخه لمرة ثانية على يد أحد .
المحيط : المحيط الذي يولد فيه هكذا فنان . يكون غنياً ومفعما بالحركة والانسيابية والرومانسية والطقس المعتدل والألوان البارزة الحارة والباردة والرطبة واليابسة . والطبيعة الخلابة . والمساحات الشاسعة . والحضارات الموغلة في القدم التي تركت أثارها وفنونها المتراكمة على مر الزمن يمارسها الإنسان الحديث متحديا صرامة التكنولوجيا المعاصرة والمعدن والأسلاك التي تخلو من الروح .
الرقي الروحي : نعم إن أصحاب الروح الملوثة محرومون من هبة الإبداع . فترى عقلياتهم متحجرة وأفقهم ضيق ويحسبون أنهم محور الكون وساحة الفنون العالمية وهم لا يعدون كونهم مقلدون في أحسن أحوالهم . ويحصل أن ترى إبداع جميل لهكذا أناس فتتعجب من ذلك وبعد مدة تكتشف أنهم قد اقتبسوا هذا الفن من مصدر رأوه خلال ترحالهم وتجوالهم والصدفة وحدها هي التي كشفت زيف الفن عندهم .
الحب أو الدافع : لا ينتج الفنان عملا واحدا إن لم يكن يحب . ولو كان يحب حجرا فلا بأس . المهم هذه الحالة الوجدانية التي تمثل أرقى أشكال الإنسانية . فمعظم اللوحات والمنحوتات والقصائد الخالدة جاءت من نتاج حالة حب (عذري) كبير . والتراث والتاريخ والحاضر مليء بالشواهد على ذلك وخير مثال يخطر على بالي الآن
(صرح تاج محل ) في الهند و(جنون قيس ) والكثير الكثير من اللوحات العالمية التي رسمت بدافع حب الله . مرة . وحب اليسوع مرة أخرى . والأنثى في كثير من الأحيان .. فيكون الحب دافعاً كبيراً ومحرضاً على العطاء ونورا ينير درب الإبداع الإنساني بأبعاده الجميلة ...
الحاسة العاشرة : لم أقل السادسة لأن الفنان يتجاوز التعددية الرقمية بالحواس فيعمل على إيقاظ مناطق الغفوة في الدماغ ويستعمل حجرات لا يستعملها الإنسان العادي عادة . وينظر بعين متطورة أكثر من عين الإنسان العادي . ويمتلك مشاعر وأحاسيس نحو الأشياء تختلف عن باقي الناس . وكثير من الفنانين اتهم بالجنون لأنه كان يكلم لوحة أو يسهر مع منحوتة أو ينام ويصحوا على قصيدة واحدة . وعلى سبيل المثال .. لو وضعنا عدة أشياء على طاولة وطلبنا من مجموعة من الناس بينهم فنان واحد . أن يتأملوا هذه الأشياء لفترة ثم أبعدنا هذه الأشياء فستندهش من دقة ملاحظة الفنان ومن الزوايا التي رآها ولم يرها الباقون : وهكذا الحكم بالنسبة للوحة فالفنان يقرأ فيها أشياء لا يراها الآخرون . وهكذا نجد أن الحواس عند الفنان أكثر تطورا وعددا من الإنسان العادي بأضعاف المرات .
وأخيرا أقول : إن الفنان المبدع إنسان عادي ولكنه ماهر جدا في عمله واختصاصه كالطبيب والمهندس والحرفي الماهر وغيرهم . وهكذا مررنا على بعض محفزات وعوامل الإبداع عند الإنسان . اللهم لا تجعلنا من المقلدين واجعلنا من المبتكرين الذين يتركون أثرا وبصمة إنسانيتين تبقى بعد موتنا الجسدي .