والحب .. هو الاحساس الرائع الذي جمّلني .. فجعلني ابدو وسيما .. والشعور الدافئ الذي هذّبني .. فجعلني ابدو رقيقا .. وهو المعلم الصادق الذي ادبني .. فجعلني ابدو انسانا اخر غير الذي عرفت .
وشخصا اخر غير الذي ألفت وهوالذي علمني معنى الحياة ومعنى العطاء بانسانية الانسان لا ببهيمه الحيوان وضلالة الشيطان وغوايته واظنني ما ولدت الا في اللحظه التى احببت فيها وما ابتدأ عمري الحقيقي الا بها ومن خلالها وما كانت حياتي الماضية الا خداعا قبلها ..
وما كان عمري الذي انقضى الا ضياعا بدونها فكل الاشياء بلا حب ليس لها معنى وكل الاوقات بلا نبض ليس لها قيم ومع اننى كنت دائم البحث عن الحب الا اننى لم اجده قبل الان ومالذي وجدته فيما مضى ظاناً انه الحب لم يكن هو الحب وانما شيء اخر يشبهه وليس له منه الا اسمه الذي سطى عليه واغتصبه وادعاه لنفسه واقتبسه زورا وبهتانا دون وجه حق فهنالك حب وهنالك اشباه للحب والفرق شاسع والبوّن واسع .
ولقد عرفت الان ان الحب الحقيقي هو الذي يبحث عن ضالته حتى يجدها وليسا لعكس وان كل الباحثين عن الحب .. هم في الحقيقه .. واهمون .. لانهم لن يظفروا به .. وانما سيقعون في اشباهه وان الاولى لمن اراد الحب ان ينتظره ويترقبه لا ان يسعى اليه ويطلبه فيكون بذلك كمن يطرد خلف السراب ولا يطلب الغيث من السحاب الذي يظلله والذي هو لا شك ماضره
ان صبر وانتظر, كما وانني أُجزم الان يقينا بان الحب لا يحقق دوماً لمن يُحبْ فيمن يُحبْ كل ما يُحبْ .. وان الحب لا يخضع للمواصفات والشروط والموانع والقيود ولا يعترف بالفوارق والحدود والعقود والبنود ..
ولا يعبأ بالمصالح والمطامح والمطامع والنفوذ انما هو شيء وجداني روحاني يرتبط بالعاطفة اكثر من ارتباطه بالجسد ويتعلق بالخُلُقِ اكثر من تعلقه بالخِلْقَة , فلا يهتم كثيرا للون الشعر ولون العينين وملاحة الوجه وجمال الشفتين وشكل الانف وحجم الاذنين بقدر ما يهتم.. بالاستلطاف والقبول والاهواء والميول والتجاذب والتجاوب والتفاعل والحضور والراحه والسرور والاحساس والشعور .
وهو في حقيقته توافق اكثر منه اتفاق وتفاهم اكثر منه املاء وتقارب اكثر منه تطابق وتجاذب اكثر منه تلاصق وتواؤم اكثر منه تشابه , فهو ليس لباس نفصله كيف شئنا وقت شئنا على القدّ والمقاس فنختار لونه وشكله وخامته ونقرر متى نرتديه ومتى نخلعه ولمن نُظهره وعمّن نحجبه , وليس بالضرورة ان يُحب المرؤُ نسخةً منه وصورةً طبق الاصل عنه .
فقد يُحبُ المرء احيانا " اذا وُجد التفاهم " من هو على النقيض منه تماما فيكتمل به نقصه ويسّدُ به عجزه ويتغلب من خلاله على عيوبه لان الضدّ يُظهر حُسنه الضدّ , على اننا يجب ان نُحبَ كل ما في المحبوب لا بعضه وان نرضى به على عيوبه وعلاّته وسيئاته وسلبياته وتناقضاته وتقلباته وان نراه دوما بمرآة الحب العمياء التى تُرينا اياه جميلا ظريفا حسنا مليحا حتى وان كان على خلاف ذلك وعكسه ..
كما وان الحب الصادق كما اراه الان ليس تصنّعنا وليس تكلّفا وليس ادعاءا وليس تظاهرا وليس تباهيا وليس تفاخرا وليس تعاليا وليس تكبرا وليس تحايلا وليس تلاعبا وليس استحواذا وليس تمّلكا وليس تحكما وليس تسلطا بل هو احترام متبادل وايثار متقابل وشوق متواصل وتفهم وتحاور وتكافؤ وتعادل وتكافل وتعاون وتجاوب وتفاعل وتبادل وتداول فيالقرارات والخيارات والحقوق والواجبات والمسؤوليات والالتزامات والاعباء والاستحقاقات كيما يصير الاثنان واحدا والجسدان قالباً, فلا مكان في الحب لكلمه " انا " وانما الاولوية دوما لـ " نحن " فالكل واحد ولكن الواحد ليس كلا حتى لا يقع المحب في الانانية وحب الذات .
وقد يُبتلى الحب بآفات كثيرة يمكن في الغالب تداركها وتجنبها والخلاص منها مهما كانت خطورتها وشدّتها الا آفة الكذب فهي المعضلة التى لا دواء لها .. ولا شفاء منها .. الا بالابتعاد عنها والوقاية منها .. فحيثما وُجد الكذب لم يوجد الحب الحقيقي والعكس صحيح وحيثما وُجد الكذب وجدت باقي المعوقات التي تفتك بالحب وتقضي عليه .. وتقتله مهما كانت شدته وقوته ومهما كان عمره ومدته لان الكذب هو الذي يؤدي للخيانهة ويُعلم النذالة ويوصل الى طريق الندامه , ومع ان الحب الصادق شيء نادر الا انه موجود وهو الوحيد القادر على المجابهه والمقاومه والبقاء والصمود والاستمرار في الوجود وهوالوحيد القادر على الابهاج والاسعاد والارضاء والاقناع والامتاعوالاشباع والارواء وتحقيق الاكتفاء وتوفير الامان والطمأنينة والاستقرار والسكينة على ان الصدق لا يكون في الاحساس وحده وانما ايضا في التعامل والمعاملهةوالتعايش والمعاشرة حتى يكتمل صدقه ويتحقق قصده .
وبهذه المفاهيم التى ذكرتها مجتمعه استطيع ان اقول عن نفسي بملء فميانني أُحب نعم انا أُحب وما اروع ان نُحب وما اروع ان نعيش الحب من قال ان الحب عيب من قال ان الحب نقص من قال ان الحب رجس من قال ان الحب ضعف , ان الذين يتهمون الحب ويقاومونه ويحاربونه هم أولئك الذين لا يعرفونه ولا يملكونه ولا يقدرون عليه ويفتقرون اليه ولا يجدونه ولا يستطيعونه ولا يجيدونه لآن قلوبهم جرداء مقفرة قاحلة مُجدبة مُمحلة موحشة ولان ارواحهم صدأة متصدعة ولان احاسيسهم فقيرة مُفلسة مُعدمة
ولان مشاعرهم مُتصلدة متصلبة متحجرة وهؤلاء نرثوا لحالهم ونُشفق عليهم لان الحب ارحب واوسع من عقولهم واكبر واعظم من ادراكهم واعمق واصدق من فهمهم والحب اطهر واشرف واجل واسمى واعظم وارقى من ان نحصره فيالجنس والمصالح وفي الرغبات والشهوات والغرائز والنزوات والمطامع والغايات والمكاسب والصفقات ..
فالحب شيء فطري عفوي نزيه برئ سهل بسيط سلس رقيق عذب لذيذ نقيّ وفيّ عفيف شريف رحيم حميم مخلص امين
ومع ان كُلّنا يعرف الحب الان ان ايا منا لايسطيع تعريفه فهو ما يعرفه الجميع ولا يمكن لاحدٍ ان يُعرّفه لان الحب هو اولا وآخرا وظاهرا وباطنا .. " حب " ولا شيء غير الحب ان كان حقيقيا وصادقا.. تحقق وكان ووُجد وولد وظل ودام وان كان غير ذلك .. استحال وزال وعدم وفقد وانتثر واندثر وتوفي ومات ولم يعمر طويلا وانا مُمتّن لتلك الصدفة المحضه .. وتلك اللحظة الحلوه التى عرّفتني بالحب وجمعتنى به وبالانسانة التى أُحب حتى وان كانت حتى هذه اللحظه لا تعرف شيئا عن حقيقة مشاعري نحوها ولا تدرك صدق عواطفي اتجاهها ولكنها حتما .. " وباذن الله " ستعرف في يوم من الايام حقيقة ما احرص على اخفائه عنها الان .