كان يومها الثلاثاء و قد وصلت للتو إلى عملي في شركة اتصالات AT&T و فوجئت بكل زملائي في العمل و قد تجمعوا حول جهاز تلفاز صغير و هم يتابعون بشغف كبير أحداث ذلك اليوم المشؤوم و الذي عرف فيما بعد بيوم الحادي عشر من سبتمبر.
تابعت معهم ببراءة ابن الريف الذي لم يدرك بعد ما يجري حوله و رحت أسمع تعليقاتهم تصول و تجول حول الإسلام و النبي محمد و لم أستوعب بعد كل ما يجري...
توضحت الصورة أكثر في اليوم التالي و شاهد العالم شبكات الأنباء و هي تنقل اعترافات ابن لادن و هو يتلقى التهاني بنجاح "غزوات" نيويورك و واشنطن و يسرد لمحة عن حياة شهدائه الذي ضحى بهم ليقتل أكثر من ثلاثة ألاف من الأبرياء...
اجتمعت الجالية العربية و الإسلامية في مدينتنا و خرجنا ببيان يستنكر الهمجية و الإرهاب و لم تكن تلك نهاية الحدث بل كانت بدايته...
رحنا نشرح و نتحدث لكل من نصادف أن ديننا بريء من تصرفات هؤلاء الهمج و رحنا نتلقى الصفعات من عتاة اليمين المتطرف لكذبنا و نفاقنا و كيف أننا ندعم ابن لادن بالسر و نخطط لرأس جسر للخلافة الإسلامية القادمة من الشرق بينما نتبرأ منهم في العلن و نعتبرهم إرهابيون و مجرمون... و كان لزاما علينا أن نثبت صدقنا و كنا مذنبون حتى نثبت برائتنا من تلك اللعنة التي ألصقت بنا ليس لشيء أكثر من أن أننا نحمل أسماء أسلامية و نتحدر من دول حسبت على الإسلام و المسلمين لعقود.
قابلني صديقي بيل و بيده قصاصة من جريدة محليه بعد تلك الحادثة بشهر و قال :
محمد, انظر ماذا يفعل أقاربك بأقاربي.
في تلك الجريدة كانت هناك صوره لتفجير في عسقلان على ما أذكر أستهدف حافلة تقل جنودا و مدنيين إسرائيليين... و بيل هذا زميل لي في العمل يدين باليهودية....أخذت الجريدة منه و وعدته أن أعطيه رداً أن وافق أن يشرب معي فنجان قهوة مساء ذلك اليوم.
تحدثت مع بيل باستفاضة و وضعته في قلب الصراع العربي الإسرائيلي و شرحت له أبعاد قضيتنا العادلة و كيف أن "أقاربي" ليسوا وحوشا و ليس من شيمهم قتل الأبرياء و لخصت له قصتنا كما سمعتها من أبي و أخي وعمي وخالي و من إذاعاتنا وكيف أن الصراع على تلك الأرض مستمر منذ عقود و كيف أن أصحاب الأرض طردوا منها و ليس هناك من يسمع لهم و كيف أن العالم تجاهل قضيتهم بالكامل و حشرهم في زاوية و لم يبقي لهم سوى تلك الحلول اليائسة و التي قد تلفت النظر لقضيتهم قبل أن تنسى.
تعاطف بيل مع قضيتي و أشاد بعدالتها و أعترف لي أنه لم يسمع الطرف الآخر من قبل... بل قال أن كل ما عرفه هو أن أرضا كانت تسمى فلسطين وعد الرب بها "أقاربه" و حين وصلوا إليها و عمروها بعد أن كانت صحراء قاحلة أتى من الظلام من يدعي أنها أرضه و شن حربا بعد الأخرى لكي يدمر كل ما بني على تلك الأرض و وصل هذا الظلامي الآن الى شواطئ الولايات المتحدة و أصبح يهدد بلدنا هذه بإرهابه حاملاً نفس الرسالة و نفس الراية متمثلا ًفي شخص سيئ الذكر ابن لادن ما غيره...
طبعاً شرحت لصاحبي هذا كيف أن ابن لادن لم يدافع عن فلسطين يوما و لم يستهدف إسرائيلياً واحدا قط.... و أن كل ما قام به هو إرهاب بإرهاب و أن قضية فلسطين تضررت من عمله الإجرامي و كيف أن "أقاربي" خسروا كل تعاطف العالم مع قضيتهم منذ أن نطق هذا السفاح بأسم فلسطين...
ما أشبه اليوم بالبارحة....
يرسل لي صديق من بلدي الفيديو تلو الآخر عن مذابح ترتكب و عن صور و مشاهد مؤلمه و في كل منها شرح مستفيض لما حصل و يحصل في سوريه اليوم و كأني به يسألني نفس سؤال بيل : محمد, لماذا يفعل أقاربك هذا بأقاربي؟
هل هو قدري أن أدافع عن أخطاء و جرائم الآخرين و هل خلقني ربي لكي أكون محاميا لكل أشرار الارض ليس لشيء إلا أنني أشبههم و أحمل نفس الاسم الذي يحملون و أدين بنفس الدين الذي به يدينون و الآن لسوء الحظ أجد نفسي في نفس المذهب و الطائفة التي تصب عليها معارضة بلدي جام غضبها...
أسمعوا جميعاً...
أنا لا أعرف أحدا ممن تدعون بوجودهم...
لم أقابل شبيحاً واحدا في حياتي, والدي كان في الجيش و قام بدوره على أكمل وجه و قضى في خدمة بلده, أخي الاكبر كان في الجيش و أنهى خدمته على أكمل وجه و لم يقصر يوما في خدمة بلده, أخوتي الذكور الاصغر جميعا أنهوا خدمة العلم و لم يقصروا, فأين هم الشبيحه؟
عائلتي هذه هي عينه من فريق محسوب على الحكم و أهل السلطة بالكامل حسب ما أقرأ من أدبيات "الثورة" أين هو الوعي و أين العقل في ذلك؟
لنعترف جميعا بشيء واحد و هو وجود "الزعران" في كل طوائف مجتمعنا الفسيفسائي. و بما أنهم موجودون لدى الجميع فمن الظلم أن يحسبوا جميعا على فريق واحد.
في إحصائيات الامم المتحدة يتواجد في سوريه أكثريه تمثل 75% و أقليات أخرى تتزاحم لتمثل ال 25% المتبقية. و باعتبار "الزعران" موجودون لدى الجميع فان "زعران" الاكثرية يفوقون "زعران" الاقليات الاخرى مجتمعة بنسبة ثلاثة الى واحد على أسوأ (أو أحسن) الاحوال. فعلى من تقع مسؤولية ضبط العنف و العنف المضاد!!!
أن هؤلاء "الزعران" هم من يعيثون فسادا في البلد و يقتلون و يحرقون.. أنهم موجودون في كل طبقاتنا و أطباقنا و علينا تقع مسؤولية ضبطهم قبل أن يحرقوا السفينة بمن فيها.
لقد سألت صاحبي المعارض مره لماذا يدمرون أنابيب النفط و خطوط الطاقة في سوريا و جوابه كان أنها ثقافة الكراهية التي يتعلمها هؤلاء منذ الطفولة بأن كل مشاكل الفرد والعائلة سببها النظام بكل رموزه.
لن أدافع بعد اليوم عن أحد ولاعن قضيه..
سأقول لصاحبي بيل أنني أخطئت فربما كان هناك في بلدي و من بين أهلي و "أقاربي" من خطط و دبر تلك الهجمات الشريرة .
ألم يحن الوقت لكي نضع النقاط على الحروف و نعترف جميعا بالفشل...
لقد فشلنا في بناء الإنسان فكيف سنفلح في بناء الأوطان.